«اللي اختشوا ماتوا» فيلم ضد المرأة … والرجل أيضاً


*أمل الجمل



«اللي اختشوا ماتوا» مثل شعبي يُطلق على الشخصيات التي فقدت الحياء والخجل، وأصل المثل يرجع إلى حكاية ذلك الحريق الذي شب في حمام شعبي فخرجت منه بعض النساء عرايا هرباً من ألسنة النيران، فحدث أن النساء اللائي خجلن من الفضيحة رفضن الخروج وبقين حتى الموت. وعندما جاء صاحب الحمام وسأل العاملة عن مصير النساء أجابته: «اللي اختشوا ماتوا».
هذا المثل تحول إلى أغنية شهيرة للفنان صابر الرباعي، وأخيراً أصبح عنوان فيلم مصري من توقيع المخرج إسماعيل فاروق، وبطولة غادة عبدالرازق، وعبير صبري وسلوى خطاب، ومروى اللبنانية، وهيدي كرم، ومروة عبدالمنعم، وأميرة الشريف، وإيهاب فهمي ومحمد محمود عبدالعزيز.
قبل أن يتم عرض هذا الفيلم تجارياً، ومنذ الكشف عن الملصق الخاص به والإعلان الدعائي له، ظلت الشائعات تلاحق الفيلم بأنه يحتوي على مشاهد خادشة للحياء، خصوصاً في ظل تواجد عدد كبير من الممثلات اللائي يُتوقع توظيفهن في مشاهد إغراء. ثم جاء تصريح الرقابة بعرض الفيلم للكبار فقط، ليتضح أن تصنيف «+16» الذي أٌجيز به الفيلم مرجعه مشهد عنف رأت الرقابة أنه غير مناسب للصغار. ثم خرجت الممثلة مروى اللبنانية بتصريح يُؤكد «حذف نصف مشاهدها من الفيلم حتى لا تنافس بأدائها بطلته الأولى»، لكن مخرج العمل نفى ذلك موضحا أنه «لم يحذف إلا 4 مشاهد لضرورة تتعلق بالسياق الدرامي للعمل».
كل هذا والصراعات والشائعات والتصريحات والإعلان الترويجي عن الحمام الشعبي وخروج النساء عرايا، وتجميع كل هؤلاء الممثلات كان يمكن أن يجذب جمهور المشاهدين، ولكن هذا لم يحدث، وجاء الفيلم في ذيل القائمة، بينما تصدرت الإيرادات أفلام أخرى رومانسية وكوميدية، وذلك على رغم أن بطلة «اللي اختشوا ماتوا» غادة عبدالرازق تعود إلى السينما بعد غياب ثلاث سنوات بخلطة عجائبية تشمل قضايا دعارة ومخدرات، ومحاولات اغتصاب، ودخول السجن والخروج منه مرات عدة، وانتقام بالثأر وجريمة قتل، ونساء جميلات يرتدين ملابس كاشفة مثيرة، ورقص في الأفراح والليالي الملاح على وقع كلمات أغنية من الفلكلور الشعبي، وأخرى كتبت خصيصاً للعمل، على رغم كل هذا كان من الأفضل لها ألا تعود بمثل هذا السيناريو الضعيف الذي كتبه محمد عبدالخالق، لأنه عبارة عن قص ولصق، ومع مخرج «عبده موتة» و «القشاش» الذي قدمت معه من قبل فيلم سرعان ما سقط من الذاكرة بعنوان «90 دقيقة».
سبع نساء
يحكي «اللي اختشوا ماتوا» قصص سبع من النساء المغتربات من الطبقات الدنيا، أو الطبقة المتوسطة المطحونة، سواء من الصعيد أو الريف، أو الأحياء الشعبية الذين جمع بينهن بنسيون «شيشة» تديره راقصة معتزلة (سلوى خطاب). إذاً، نحن هنا أمام فيلم يحكي سبع مآسي مكثفة يصعب تصديق أنها تجتمع فجأة فوق رأس كل النساء، وحتى لو كان هذا يحدث في الواقع، فللفن قواعده وقيمه الجمالية وله منطقه الخاص المختلف عن منطق الواقع.
سبع قصص كانت كل واحدة منها تصلح لأن يُصنع منها فيلم عظيم، لو عكف على كتابته سيناريست محترف يمتلك الحس الإنساني والفهم الواعي لأعماق المرأة وجوهر مشكلتها، لكن المؤلف كتب مشاهدَ تفتقد لتقديم رؤية مستبصره لمأزق تلك الشخصيات أو البحث عما خلف حكايتها ومكمن قوتها وضعفها. لذلك لم يكن من المستغرب في ظل هذا السيناريو الركيك أن نرى ممثلة في قوة وجبروت سلوى خطاب في فنون الأداء وقد فشلت في تقديم دور جديد بل بدت كأنها تكرر وتستحلب أدواراً سابقة لها.
عندما تجتمع كل هؤلاء الممثلات في عمل واحد يتوقع المشاهد مناقشة وطرح – أو على الأقل رصد – قضايا اجتماعية جادة تتعلق بالمرأة وهمومها الحقيقية، لكن المتلقي سرعان ما يكتشف أن الفيلم ليس سوى عمل يتاجر بقضية المرأة واضطهادها في المجتمع ويستغلها ليبيع باسمها سلعته في السوق. والأسوأ أنه فيلم ضد المرأة بدءاً من العنوان الذي يرمز إلى موقف النساء السبع بعد عملية القبض عليهن في قضية الدعارة وخروجهن من البنسيون ملفوفات بالملاءات متلبسات أمام سكان العمارة والناس بالشارع، ثم نشر صورهن في الصحف والتشهير بهن. صحيج أنهن حصلن على البراءة، وفي المقابل تضررن من تلويث سمعتهن، لكنهن واصلن الحياة بالجبروت نفسه، ومن دون أن تموت إحداهن، وكأنهن فقدن الحياء والخجل، وذلك على رغم أن بعضهن من الصعيد.
رجال هذا الزمن!
والفــيلم أيضاً ضد الرجل، فإلى جانب الشتائم والإهـــانات التي تتبارى كل واحدة من النساء في إطــــاقها على الرجال، ومنها أن «رجال هذا الزمن هم رجال من ورق»، أو «أنه لم يعد هناك رجال أصلاً». كما أن جمــــيع شخصيات الرجال في السيناريو إما فاسدة أو انتــــهازية، أو سلطوية، باستثناء نموذج يظهر في لقـــــطة يتيــــمة أراد بها المخرج أن يبرئ ساحة زملائه المخـــــرجين من المساومة على جسد النساء، خصوصاً أن إحدى البطلات ممثلــــة شابـــــة تتعرض للتحرش بـــها والابـــــتزاز الجنـــسي حتى يمنحها المخرج المنفذ دوراً تلعــــبه، وهـــــي لديها استعداد مستفز للبكاء بسهولة، كأنها تبكي قبل أن تتعرض للضغوط، هذا إلى جانب مشاهدها الخطابية عالية الصوت عن حقوق المرأة.
التلفيق واضح في شكل فج، خصـــوصاً في ما يتعلق بدور ليل – غادة عبدالرازق – فهــي ممرضة تدعي أنها ساندت الطبيب الشاب وعلمته الجرأة في التعامل مع المـــرضى، حيث نراها وهي تعلمه خياطة الجروح، وليس العكس، فهل وصلت السذاجة إلى هذا الحد! ممرضة هي التي تعلم الطبيب؟!. ما يطرح تساؤلاً عن الجهة التي حصل الطبيب منها على شهادته؟ والسؤال ذاته ينطبق على الممرضة؟!
يُظهر السيناريو – في مفاجأة غير مقنعة درامياً – أن الطبيب كان وراء تدبير كل الكوارث التي أصابت البطلة، لكنه لم يقدم سبباً كافياً يبرر سلوك هذا الطبيب سوى جملة خطابية مبتسرة غير صادقة «بأنه شعر بأنه باع نفسه لأنه تزوج من ممرضة»، على رغم أن جميع مشاهدهما سوياً في الفيلم كانت تشي بالسعادة. ويمكن ذكر نماذج عديدة من الحياة لأطباء ارتبطوا بممرضات وكانت زيجاتهم ناجحة خالية من العقد.
أما شخصية كوكي الطموحة الطماعة (عبير صبري) التي تمارس التدليك ومستلزماته من بغاء مُقَنَّع فكانت أفضل من غيرها على مستوى الكتابة، لأنها كانت تحمل الجانبين الخير والشرير، لكن مشهدها وهي تبكي على ضياع شرفها فتمزق الدولارات بعد أن باعت نفسها، جاء فجاً في سذاجته وكأنه ينتمي الى القرن الماضي، بينما الأحداث تدور في عام 2015، فهل يُعقل أن امرأة شابة في القرن الحادي والعشرين أهلتها خبرتها وجرأتها على أن تعمل في هذا المكان المشبوه والعصري جداً، إلى جانب تطور الأمور الطبية وبدائل غشاء البكارة، ثم نراها تبكي هكذا وكأننا نشاهد محاكاة مزيفة للقطة كانت رائعة في «دعاء الكروان» في أواخر خمسينيات القرن الماضي.
يتم سرد الأحداث عبر توظيف صوت الراوية – البطلة الأولى – واستخدام الفلاش باك الذي يُراوح متردداً بين شتاء 2003، وخريف 2015، وصيف 2004، وشتاء 2007. مأزق الفلاش باك ليس فقط في أنه مُربك، والإرتباك هنا ليس بسبب كثرة الفلاش باك لكن بسبب فشل رسم الشخصيات، والسيناريو المهلهل الذي ظل مؤلفه يخترع المصائب ليضاعف من مأساة البطلة لِيْل متخيلاً أنه بذلك سينال إعجاب المتلقي، لكنه عوضاً عن ذلك نال سخطه.
كذلك، أدت رغبة صُناع العمل في حشد أكبر كم من المشهيات والأغنيات إلى عدم الانتباه إلى الحالة النفسية والسيكولوجية التي تمر بها أم يحترق قلبها على طفلتها المحرومة منها لنحو سبع سنوات، لكننا فجأة نرى هذه الأم المشتاقة لابنتها تنسى كل ذلك وترقص وتغني بمرح وسعادة وصفاء وكأنه لا يوجد أي معاناة نفسية تواجهها.
يحــفل الفيلم بالعديد من الأخطاء في الســيناريو و«راكور» الأداء لدى بعض المـــمثلات، وافتعال للمشاجرات خصوصاً بين غادة وعبير في الممر، وإلى جانب زي الممرضة المبالغ في جماله وأناقته تفاجئنا المتهمة بأنها تخرج من السجن بكامل مكياجها. مع ذلك بقي أن نشير إلى أن أفضل أداء في الفيلم قدمه إيهاب فهمي في دور الضابط بأداء مختلف، ومحمد محمود عبدالعزيز في دور الشاب اللعوب. أما أجمل ما في الفيلم هو أغنية جنات «إحنا الحياة» ومن كلماتها: «إحنا اللي أقوى واحدة فينا مشكلتها في ضعفها، وإحنا اللي أضعف واحدة فينا فيها قوة ما تتحكيش، عيبنا وميزتنا أن إحنا فينا الحاجة وكمان عكسها، ساعات بيعمينا الطمع وساعات بنرضى يادوب نعيش، إحنا الحياة لكن بتضعفنا الحياة وكتير بتكسر نفسنا، مستقويين من كتر خوفنا من السنين، عايشين نداري في ضعفنا، عايشين بنرقص على السلالم كلنا».
______
*الحياة

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *