*سامر محمد إسماعيل
كأن الحرب في عامها السادس عبرت نفقاً سريّاً دون أن يراها معظم الفنانين المشاركين في «معرض الربيع» (غاليري محمد الوهيبي ـ 9 ـ 20 أيار) لتأتي دورة هذا العام التي تقيمها «مديرية الفنون الجميلة» بالتعاون مع «اتحاد التشكيليين السوريين» بعيدةً عن خان أسعد باشا المكان الذي اعتادت «وزارة الثقافة» اختياره لإقامة المعرض لسنوات عديدة؛ أصبح اليوم يقع على طول طريق الحريق العظيم الذي التهم مؤخراً سوق «العصرونية» الأثري؛ مخلّفاً وراءه جدراناً من رماد وحزن في الوجوه وواجهات المحال المتفحّمة، ربما لن توازي برهبتها أعمال الحفر والطباعة والتصوير والنحت والخزف التي قدمها الفنانون الشباب في دورة 2016.
التفاوت الملحوظ الذي عبّرت عنه أعمال مئة وثلاثين فناناً وفنانة في «بينالي الربيع» يستوقف فعلاً من حيث ابتعاد معظمها عن التطرق إلى المأساة الملمة بالبلاد؛ فجلّ هذه الأعمال المعروضة في «المركز التربوي للفنون التشكيلية» حافظت على تلك النزعة التزيينية؛ فيما عبّرت بعض الأعمال الأخرى عن مقاربة فنية خجولة للحرب السورية كان أبرزها: «هجرة» (نحت نجود الشومري) و «القبور تحرّكنا» (كريم الحاج، طباعة معدنية) و «حريق» (علاء يازجي، طباعة معدنية) و «ترحال» (أنطوان إدلبي، نحت معدن وحجر صناعي) و «بلا عنوان» (شادي موسى، رسم بالفحم) و «بلا عنوان» (سنتاي قبرطاي، مواد مختلفة).
البقية الباقية من الأعمال المشاركة ذهبت نحو تقديم بورتريهات لنساء ورجال ومسنين؛ إضافةً لأعمال أخرى تناولت موضوعات اجتماعية من مثل «طفل التوحد» و«سوق العمل» و «القاصرات» و «أطفال الصفيح» و«التشرد» ناهيك عن أعمال أخرى تناولت الطبيعة الصامتة!
اللافت ليس اقتراب أعمال من الحرب الدائرة أو الابتعاد عنها، بل المباشرة الصارخة؛ والنزوع نحو إنجاز أعمال أقرب إلى تلك اللوحات المنزلية شديدة السطحية؛ سواء في معالجتها اللونية أو حتى من حيث عدم قدرتها على صياغة مقترحات تركيبية جريئة فنياً.
هذا التقهقر في المحترف السوري ردّه الناقد والفنان طلال معلّا في حديثه لـ(السفير) إلى: «قد نكون في سبعينيات القرن الفائت قد شهدنا لحظة حداثوية أقوى مما نشهده اليوم في معرض الربيع؛ كون الشباب معروفين بقيم التجاوز والتمرد والعطاء وقيمة المعرفة بكل ما يجري حولهم في العالم… دعني أقول إن هذا المعرض هو معرض وظيفي أكثر من كونه معرضاً إبداعياً؛ فمن الواضح أن الشباب اليوم لا يطّلعون على آخر مستجدات سوق الفن وصالات العرض، فرغم أن هناك أزمة وانقطاع عن العالم الخارجي بسبب الظرف الذي تمر به البلد؛ إضافةً إلى قلة المنح والزيارات للمعارض والمتاحف الدولية؛ إلا أن سبل التواصل الاجتماعي مفتوحة أمام الجميع؛ وبخاصة أمام جيل الشباب، وذلك للتعرف على آخر نتاجات الفن العالمي، فهناك مئات (البيناليات) التي تعرض أعمالها على شبكة الإنترنت، وعشرات أسواق الفن التي تحدد ما هو رائج اليوم وما هو الفن في صفحاتٍ لها على الفايسبوك».
يرد الناقد (معلّا) تلك النزعة التقليدية لدى شباب اليوم إلى أن «المناهج التي باتت تدرّسها الأكاديميات السورية هي أصلاً مناهج تقليدية، وهذا بالتالي سينتج فنانين تقليديين كما هو حال معظم المشاركين في هذه التظاهرة». أسباب ربما ترفع من خطر انقراض المخيلة البصرية الجماعية؛ لا سيما بعد إغلاق معظم الصالات في المدن الكبرى، وهجرة الفنانين وإحراق معظم مراسمهم على أيدي قوى راديكالية مزجت الألوان الباردة والحارّة بالدّم.
________
*السفير