المتحف الفلسطيني في الذكرى الـ68 للنكبة.. سرد سيرة شعب محتل


*ليلاس سويدان


يمكن اعتبار المتحف الفلسطيني الذي سيتم افتتاحه في الذكرى القادمة للنكبة، من اهم المشروعات الثقافية الفلسطينية التي أقيمت في السنوات الأخيرة. هذا المتحف الذي يعد من ضمن مشاريع مؤسسة التعاون، هو سرد للسيرة الفلسطينية يهدف إلى تعزيز الهوية الوطنية الجامعة والحضور الفلسطيني الثقافي عربيا وعالميا، وتأريخ للإنتاج الفني الفلسطيني واحتفاء به، وهو باختصار حكاية شعب مُحتل لا يريد أن ينسى أو يُنسى.
كل مشروع ثقافي يقام في فلسطين هو حالة تحدٍ ومقاومة تستحق لفت النظر إليها والتعرف عليها ودعمها. لذلك كان لنا هذا الحوار مع عمر القطان رئيس فريق عمل المتحف.
◗ حدثنا عن فكرة تأسيس المتحف.
– في عام 1997، بادر أعضاء مجلس أمناء مؤسسة التعاون بفكرة تأسيس المتحف، وذلك تخليدا لذكرى النكبة الخمسين، ومن أجل توثيق الكارثة التي شكلت نقطة تحول في تاريخ فلسطين الحديث، وأرادوا للمتحف حينها أن يشكّل صرحاً يخلد الذاكرة الإنسانية للشعب الفلسطيني، ويوثق قصص الكفاح والصمود، إلا أن فكرة المتحف تغيرت مع الوقت، ولم تعد قصرا على حفظ الذاكرة فحسب، وإنما تطورت فكرته نحو مؤسسة تسعى للنهوض بالثقافة الفلسطينية، وتعمل على تفعيل حراك فكري وفني مفتوح للجميع، ومنفتح على كل ما هو جديد ومبدع.
سيفتح المتحف الفلسطيني أبوابه أمام الجمهور في ذكرى النكبة في مايو الجاري في مبناه المتميز فوق تلال بيرزيت على بعد 16 كلم شمال القدس المحتلة؛ مكرّساً طاقاته للاحتفاء بفلسطين المعاصرة، ولحفظ تاريخها وثقافتها وشعبها، وليجسد فضاءً يجتمع فيه الفلسطينيون معاً لاستكشاف ماضيهم وحاضرهم واستشراف مستقبلهم.
ويسعى المتحف الفلسطيني ليكون منتدى حيويا وخلاقا لتبادل المعرفة، وتطوير مفاهيم فكرية في الثقافة والتاريخ والمجتمع الفلسطيني، ليجمع بين المَعارض والبرامج التعليمية والمشاريع البحثية، وليكون مكانا للإلهام والحوار والتفكير، ويسعى أيضا للتواصل من خلال المنصات الرقمية والشركاء الدوليين مع الفلسطينيين أينما كانوا في العالم، ومع أولئك المهتمين بالقضايا الفلسطينية.
ويسعى المتحف الفلسطيني أيضا إلى أن يصبح كيانا قادرا على تجاوز الحدود السياسية والجغرافية، مقاوما للتفرقة الاجتماعية والقيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي وتفرضها دول المنطقة، على الحركة والتنقل، وقادرا من خلال شراكاته المحلية والإقليمية والدولية، أن يربط الفلسطينيين من جميع أنحاء العالم لمقاومة العزلة والتفرقة والتشتيت.
قديم/ حديث
◗ لماذا فضل القائمون على المتحف أن يوثق تاريخ فلسطين الحديث بدلا من التركيز على تاريخها القديم؟
– تاريخ فلسطين الحديث، هو امتداد للتاريخ القديم، وما يحدث اليوم هو نتاج أحداث الأمس. سيعود المتحف بالذاكرة الفلسطينية الى عام 1750بشكل أساسي، وهو تاريخ حديث-قديم، لكن مجال اهتمامه لن يقتصر على هذه المرحلة فقط.
◗ ألبوم العائلة فكرة لافتة، كيف ومن أين جمعتم الصور وما تفاصيل هذا المشروع؟
– أصبح هذا المشروع جزءا من مشروع أكبر وأكثر طموحا، وهو الأرشيف السمعي البصري الفلسطيني، والذي يسعى لتطوير البنية الرقمية القادرة على حفظ، ليس الصور الشخصية فحسب، بل أرشيفات الصور والأفلام والملصقات والتسجيلات الصوتية التي تمت لفلسطين وتاريخها وثقافتها بصلة. والمشروع في طور التنفيذ حاليا.
◗ تصميم مبنى المتحف ليس عاديا ويعتبره البعض تحفة معمارية. حدثنا عنه.
– بساطة الطرح المعماريّ وأناقته، إضافة إلى انسجام ودمج البناء مع محيطه الطبيعي، كل تلك العوامل أهَّلت المكتب المعماري الإيرلندي-الصيني (هينغان بينغ) للفوز بالمسابقة التي أطلقتها مؤسسة التعاون عام 2011 لتصميم المتحف.
كانت الفكرة الأساسية لخطة التصميم المقترحة هي تتبّع المشهد الطبيعي للبيئة المحلية ومحاكاة الخطوط الهيكلية لمدرّجاتها البارزة والانسياب ضمنها، وخلال تنفيذ هذا التصميم، كان المخطط يتكيّف ويتماشى مع ما تفرضه طبيعة الأرض.
استُلهِمَ تصميم المبنى من المشهد المحلي الذي يساهم العنصر البشري بتشكيله في فلسطين، ملامسا هذا المشهد في جميع عناصره التي تحكي كل واحدة منها قصة الإنتاج والثقافة والبيئة والوضع الاقتصادي والتدخل البشري، ومثلما تحمل أي مدينة تاريخها معها؛ يحمل المشهد البيئي الذي ترسمه المدرجات الطبيعية المتتالية (السناسل) تاريخه معه، ليكون النهج الذي اتبعه المعماريون هو الاستفادة من هذا التاريخ الذي تشي به المدرجات الطبيعية، وإقامة المتحف داخل هذا الموقع ليبدو جزءاً من بيئته الحاضنة، وذلك من خلال توظيف بعض العناصر التي يزخر بها الموقع، لغرض إيصال الحكاية الأشمل التي تحملها هذه الثقافة شديدة التنوع.
المشهد المحلّي، الحجارة، والإضاءة الطبيعية؛ هي العناصر الثلاثة التي تشكل المواد الأساسية التي ركَّز عليها التصميم ووظفها في البناء، كي يحافظ المبنى خلال مرحلة تشغيله على علاقة دائمة ولكن متغيّرة تربط مع تلك العناصر الرئيسية.
انسجام مع الطبيعة
ويتابع القطان: ما يجعل المتحف الفلسطيني فريداً في عمارته وطرحه الجمالي؛ هو التشابك والتداخل المنسجم مع الطبيعة، إذ لا يكتمل التمتع بالجمالية المعمارية للمبنى وفكرة تصميمه، دون التمتع باستكشاف الطبيعة الجبلية الفلسطينية بجولة في حدائقه. وليكتمل التآلف مع الطبيعة والمكان قامت المهندسة الأردنية لارا زريقات بتصميم حدائق المتحف، ولأن فلسطين تتميّز بوفرة نباتاتها الأصلية والوافدة، ولأن المشهد الفلسطيني المحلّي يُعتبر نتاجاً للمشهد البيئي الطبيعي ونباتاته الأصلية، جنباً إلى جنب مع المشهد الثقافي بجزئه المشتق من النباتات التي تنمو في هذه البيئة والتقاليد المتعلقة بها، جاء تصميم الحدائق ليدمج ما بين الثيمات التي تعبر عن المشهد الثقافي وتلك التي تعبر عن المشهد البيئي الطبيعي، وذلك من أجل خلق حالة خاصة بالمتحف الفلسطيني، تسرد قصتها من خلال مكوناتها المحلية.
كذلك، يتوج المتحف الفلسطيني قربه وانسجامه مع الطبيعية والبيئة، باعتباره أول مبنى أخضر سيحصل على الشهادة الفضية للريادة في تصميمات الطاقة والبيئة في فلسطين LEED، ويحرص على أن يكون نموذجاً يحتذى في الاستدامة البيئية، من خلال الالتزام بمعايير الأبنية الخضراء العالمية. ليكون أول مبنى في فلسطين يوفر في استهلاك الطاقة بنسبة تصل إلى %27.2 وفي استهلاك المياه بنسبة %37 التي تعد من المقاييس العالية عالمياً.
قضية العالم
◗ حصول المتحف على عضوية المجلس العالمي للمتاحف إنجاز مهم، إلى أي مدى تشكل هذه العضوية حماية للمتحف من أي عراقيل يمكن أن يضعها الاحتلال على عمله، وما أهمية هذه العضوية في التعاون مع المتاحف العالمية؟
– ان عضوية فلسطين ضمن منابر دولية، برأينا تزيد من تسليط الضوء على القضية الفلسطينية، وتضعها على أجندة الرأي العام العالمي، فالقضية الفلسطينية لم تعد قضية فلسطين وحدها، بقدر ما هي أيضا قضية العالم بأكمله.
ندرك أن الاحتلال الاسرائيلي، لم يلتزم بأي من قوانين الشرعية الدولية أو الاتفاقات والمعاهدات، الا أن هذا لن يمنعنا من مواصلة كل المحاولات لنكون جزءا من المنظومة الدولية، ولم يعد بإمكان الدول أن تعمل فقط ضمن حدودها الجغرافية أو السياسية.
طبعا بالضرورة لهذه العضوية أهمية في التعاون مع المتاحف الأخرى، حيث ان العضوية ليست مجرد اشتراك، بل أيضا المشاركة في المؤتمرات والحلقات الدراسية، والتي من خلالها تتسع شبكة علاقاتنا، ونتبادل من خلالها الخبرات والمعارف، كما نأمل في المستقبل القريب أن نشارك بأوراق عمل وابحاث، من شأنها أيضا تعزيز مكانة فلسطين وقضيتها وثقافتها في المنابر والمحافل الدولية.
◗ يفتتح المتحف في الذكرى القادمة للنكبة بمعرض يحمل عنوان «أبداً لن أفارق»، هذا المعرض ما أنشطته وما الرسالة التي يحملها؟
– لقد قمنا بتأجيل مشروع «أبداً لن أفارق» وسيتم افتتاح مبنى المتحف الفلسطيني في 18 مايو الجاري دون معرض افتتاحي. ونقوم حاليا بالاعداد للمعرض الافتتاحي والذي من المتوقع أن يكون مع بداية شهر أكتوبر 2016، وسيتم الإعلان عن فكرته قريبا.
________
*جريدة القبس

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *