*سماح خليفة
خاص ( ثقافات )
عندما بدأت قراءة هذا الكتاب قفزت إلى ذاكرتي مباشرة أغنية “الحلم العربي”؛ فقد استطاع المؤلف “فراس حج محمد” أن يأخذ بأيدي الكتاب من أطراف الوطن العربي؛ ليرسم خريطة الأدب الحديث الذي ينتشر بوضوح في عصر الإنترنت بأقلام من سوريا، ولبنان، والعراق، ومصر وليبيا وفلسطين، وتونس. فقد جمعهم في هذا الكتاب ناشئين كانوا أو كبارا، متمرسين في الكتابة أو حديثي العهد بها، وسمح لنفسه قراءة كفّ كل كاتب منهم، ومعرفة الطالع من نصوصهم السردية التي تتأرجح في أشكال السرد الحديث ما بين القصة القصيرة جداً والومضة القصصية والمقالة النقدية؛ ليصوغ قراءاته في مقالات مختلفة على اختلاف النصوص السردية وباختلاف مواضيعها السياسية والاجتماعية والثقافية، وعلى اختلاف أفكار الكتّاب وتوجهاتهم كما يظهر في الجزء الأول من كتابه، فدبّ الحياة في أرواح الكُتّاب والنقاد.
لقد أثارت بعض مقالاته النقدية حفيظة بعض الكتاب؛ ففتحت المجال للحوار الثّري الهادف، وخلقت ردود أفعال متنوعة حول قراءاته في نصوص القصة القصيرة جدا المدروسة في هذا الكتاب، مما أوجدت ما يعرف بالميتانقد ليرد بدوره في الأجزاء التالية من كتابه على ما كتبه القراء والكتاب من نقد في نقده، أو ما كتبوه من ردود على مقالاته كما ظهر في الجزء الثاني من كتابه، في مقالة الكاتبة التونسية منجية بن صالح في ردها حول ما كتبه الكاتب حول قصة “باب” للكاتبة هالة مراد، وكذلك تفاعل القراء حول مقالة “العلاقة بين الناقد والمبدع كيف يجب أن تكون”.
انتقل المؤلف في القسم الثاني من كتابه للحديث حول القصة الومضة وما يحتاجه كتابها من خبرة وتأنٍ والتقاط صورة للمشهد الغني بالتأويل والتفسير الذي يفرض الشك في نفس القارئ لعدم قبوله اليقين القائم على تأويل القارئ المعرفي مع تذكر شيء مهم وهو ضرورة توفر عناصر القصة القصيرة الرئيسة. وكذلك لا يتوانى الأستاذ فراس عن توضيح العناصر الرئيسة التي يجب أن لا تغيب عن أي ومضة أو قصة قصيرة جدا، ألا وهي الحدث المصوغ بلغة عالية التوتر والحساسية، وكذلك الشخصيات بغض النظر عن عددها. وأن أهم ما يميز الومضة أو (ق.ق.ج) ويعطيها سببا للحياة والحيوية، هو الشك وتجنب اليقين في النص؛ فتجبر القارئ على المشاركة في تأويل النص حسب وجهة نظره ومخزونه المعرفي.
كما وبين الكاتب ص109 كيف يجب أن تكون العلاقة بين الناقد والأديب، وهي متفاوتة بين مد وجزر ولكن ما يجب أن يحكمها هو الاحترام والتقدير؛ لأهمية كل طرف وعلاقة التكامل بينهما؛ فلا قيمة للأدب بدون نقد، ولا قيمة للنقد بدون أدب، وقد ركز على رأي الناقدة إيمان بجاوي بضرورة النظر بجدية لأهمية كلا الطرفين، وعدم الاستهتار بقيمة الناقد كما فعل عفويا الكاتب عباس طمبل الملك.
وفي ص111 عرض مقالة أخرى لإيمان بجاوي يُؤكد فيها أهمية النقد والناقد؛ لإعطاء قيمة للنص الأدبي وكذلك العلاقة بين الناقد والكاتب والقارئ، والفرق بين نقد القارئ العادي الذي يقيّم النص على أساس أحكام ذوقية بالمدح أو الذم، وبين القارئ الناقد الذي يحلل الأبعاد الجمالية والرمزية للنص ويقيمه علميا، وطرحت عدة تساؤلات حول القارئ والناقد والهدف من الكتابة، هل هو الإبداع أم الرواج والشهرة؟ وكذلك هدف الناقد؛ هل هو النقد الشفاف أم النقد المروِّج لكاتب ما أو شاعر ما؟ وهل إذا كنا نشهد انحدار الإبداع وزمن المجاملات؟
ويعود بنا المؤلف مرة أخرى ص113 إلى مساجلة حادة، دارت بينه وبين أ.فاطمة نزال، حول نص الأديبة هالة مراد؛ ليضطر في النهاية إلى إبداء رأيه في النقد الذي كُتب في نص “باب” للأديبة هالة مراد، ألا وهو: “لا يوجد موضوعات شريفة وأخرى حقيرة أو مسفة في الأدب، فكلها أفكار، يحق للكاتب أن يطرحها بغض النظر عن الحساسية الفكرية التي توحي به مثل تلك النصوص، فهذه أفكارنا نحن البشر شئنا أم أبينا ويحق لنا التعبير عنها، ويكون المعوّل على طريقة التناول والأسلوب، ليس هذا الموضوع وحسب، وإنما كل الموضوعات مهما كان اختصاصها وحقولها المعرفية!”.
وأيضا ص115 يعرض الكاتب قراءة نقدية للكاتبة منجية بن صالح التونسية حول نص “باب” ومعارضتها الشديدة لما كتبه. وأما الكاتب واثق طه الفلسطيني فيبدو أنه متفق مع الكاتب من خلال مقالته ص117
أما القسم الثالث فيعرض المؤلف مقالات للأدباء حول قصته “رغوة في البال” ثم قراءات حول تلك القصة، وللأمانة، فأنا قرأت هذا النص أكثر من مرة؛ حتى أرهقني، وأنا تائهة بين أربعة شخوص وليس ثلاثة كما أشار الكاتب، تجمعهم علاقة جدلية وثيقة ربما تكون قريبة وأحيانا بعيدة، هذه العلاقة التي يتمخض عنها نفس بشرية معقدة وسط معاناتها بين الوجود واللاوجود، وحقيقة أنا لا أجد كلمة تفي حق الأستاذ فراس في وصف الإبداع الذي تملكه في كتابة نصه هذا.
وبعد قراءتي للقراءات التي كُتبت حول هذا النص، أُرهقت أكثر من شدة إعجابي بتلك القراءات التي استطاعت أن تغوص في النص ثم تشرحه تشريحا؛ فتسلب العقل والحس الإنساني، منتجة رغوة فريدة من نوعها في ذاكرة الإنسان وقلبه.
وأما الروائي المصري فؤاد نصر الدين فيكتب قراءة مقارنة بين قصتين عن العطر، الأولى لفراس حج محمد بعنوان “العطر القاتل!” والثانية للكاتبة المصرية أمينة خليل بعنوان”عطر” مظهرا الروعة في كل قصة مع الفارق في التفاوت في اللغة والديناميكية القصصية وفنيتها.
وفي القسم الرابع ومن خلال السجال الذي دار بين الكاتب فراس حج محمد والكاتبة سماح عبد الحليم حول ومضتين، إحداهما أصلية والأخرى مسروقة، وضّح الأستاذ فراس ضرورة إنصاف الكتّاب مهما كانوا مبتدئين أو غير معروفين، ووجوب أن يأخذ هؤلاء حقهم من التقدير والنقد، وهذا ما فعله الأستاذ فراس عندما نقد ومضة لكاتبة ترفض الكشف عن هويتها فهي مجرد هاوية متذوقة للأدب.
“ملامح من السرد المعاصر” في هذا الكتاب أجد أن الأستاذ فراس قدّم ما هو مميز وجدير بالقراءة والتوغل في أعماقه لكل القراء والكتاب، على اختلاف مستوياتهم واهتماماتهم الأدبية، حيث يجد القارئ نفسه يقطف من كل بستان زهرة برائحة مميزة.
الكتاب من منشورات موزاييك للترجمة والنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2015.