طارق بن زياد فاتح الأندلس.. مات متسولا!


*رشيد فيلالي


في تصوري أن شخصية طارق بن زياد تبقى لغزَ الألغاز لدى الباحثين والدّارسين لسيرته، فهذا القائد البربري العظيم تعددت الروايات حول مكان ولادته وإلى أي أرض ينتمي.
مع ذلك، تكاد تجمع الروايات على أنه بربري من شمال إفريقيا، رغم إصرار بعض المراجع البريطانية مثل موسوعة كامبريدج على كونه عربيا، بالنّظر إلى اسمه واسم والده، وما يهمنا نحن في هذه الوقفة هو تلك الخطبة التّاريخية التي ألقاها على جنوده الذين كانوا في غالبيتهم السّاحقة من البربر حديثي العهد بالإسلام والعربية(عام 711م)، علما بأن الأمازيغ البربر، حتى اليوم، فيهم من يجهل العربية ولا يفقهها جيدا.
والسّؤال في هذه الحالة هو: كيف تواصل هؤلاء الجند مع ما قاله طارق بن زياد في خطبته لحظة تعبئة جنوده لفتح الأندلس؟ والأقرب إلى المنطق والواقع أن تلك الخطبة نُسبت إليه ولم يلقها إطلاقا، ولاسيما وأنها في غاية الفصاحة وبيانها من السّحر ما يخطف الألباب ويستحيل أن يرتجلها قائد عسكري لم يشتهر عنه تعاطيه للأدب والشّعر، ومن هنا يمكن أن نضيف إلى حياة طارق بن زياد لغزا آخر، يُضاف إلى حياته الصّاخبة المليئة بالمآثر الجليلة والمآسي أيضا، خاصة حين نعلم أن قائده موسى بن نصير (640-716) أعمته الغيرة من إنجازاته وشجاعته الفريدة من نوعها وطمع في المغانم التي أحرزها، حتى أنه أمره بأن يوقف زحفه على الأراضي الإيبيرية إلى غاية التحاقه به والاستفادة من المغانم.
لكن طارق بن زياد، بحنكته ودهائه الحربي، علم بأن توقيف القتال سوف يشكل خطرًا على جنوده، كون الإيبيريين سيستجمعون قواهم ويباغتونه وجنوده، فيتحطّم كل ما أنجزه في وقت قصير، وعليه فقد واصل فتح بلاد الأندلس وكان يظنّ أنه حين يصل قائده موسى بن نصير سيشرح له موقفه ويقنعه، غير أن موسى بن النصير لم يصغ له عندما التقاه ووبّخه بعنف، حيث بصق على وجهه وضربه بالسّوط وزجّ به في السجن.
واستطاع طارق بن زياد أن يراسل الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك ويشتكي له ما قام به قائده موسى، وعندها أنصفه الخليفة وأمر موسى بن نصير أن يطلق سراحه ويواصلا معا فتح الأراضي الإيبيرية، قبل أن يرحل بعدها طارق بن زياد إلى سورية، وبعد موت الخليفة الوليد، لم يُعرف مصير هذا القائد البربري الفذّ، وذكرت مصادر بأنه توفي متسولا في شوارع دمشق في حالة يرثى لها، عام 720م..
وتذكرني هذه الحادثة المريعة للقائد الكبير طارق بن زياد بعدد كبير من العلماء والفنانين والشعراء والفقهاء الذين ماتوا شرّ ميتة، رغم ما قدموه من أعمال جليلة يشهد لهم التاريخ بها، ومن هؤلاء الفقيه المالكي الشّهير عبد الوهاب بن نصر، الذي رغم مكانته العلمية الكبيرة كاد يموت جوعًا في بغداد، حتى أنه هجرها مكرها إلى مصر الفاطمية، وفي طريقه التقى بأبي العلاء المعري الذي كان يعرف قدره، فقال عنه بيت شعر، اختصر فيه رأيه فيه حيث قال:
«إذا تفقه أحيا مالكا جدلا/ وينشر الملك الضليل إن شعر»..
والمسكين حين بلغ مصر عام 1030، وهو عام وفاته كذلك، استقبل استقبالا باهرًا يليق بمقامه العلمي، رغم كونه سنيا والمصريون حينها تحكمهم سلطة تدين بالمذهب الإسماعيلي الشيعي المتطرف، المهم أن العلامة عبد الوهاب بن نصر ومن شدّة جوعه اشتهى أكلة فارق بعدها الحياة، وحين كان على فراش الموت قال: «لا إله إلا الله، إذا عشنا متنا!».. فتأمل.
___
*نفحة

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *