تونس.. جدل ومقاربات فكرية حول الإنترنت والمثقف


* لطفي العيادي


خاص ( ثقافات )
في إطار تنشيط الحياة الثقافية بمدينة طبرقة السياحية شمال – غربي العاصمة التونسية والتي تشهد نشاطا مكثفا في هذه الفترة على الصعيدين المؤسساتي و الجمعياتي بمناسبة الأيام الثقافية على غرار جمعية التاريخ و الآثار و المكتبة العمومية محاضرة حول “تاريخ طبرقة في العهد الإسلامي” نظمت المندوبية الجهوية للثقافة و المحافظة على التراث بجندوبة بفضاء مدرسة الصيد البحري ندوة فكرية تحت عنوان : – المثقف و الأنترنات – لتدارس أوضاع المثقف وعلاقته بالأنترنات هذا المجال الحيوي الذي أصبح الفضاء الأكثر شيوعا للاستعمال لاسيما لدى الشباب و أهمية الترشيد و التأطير من أجل الاستفادة من الخدمات التي يوفرها هذا الفضاء الافتراضي في مختلف المجالات لضمان تواصل أجدى وأكثر إيجابية هذه الندوة تأتي في إطار الشراكة بين المندوبية الجهوية للثقافة و المحافظة على التراث بجندوبة و مختبر البحث العلمي- الثقافات و التكنولوجيا و المقاربة الفلسفية – الفيلاب – بجامعة تونس .استهلت رئيسة الجلسة د. فاطمة أحمد درويش المحاضِرة بجامعة القديس يوسف بالمعهد اللبناني لإعداد المربين و لها بدورها في هذه الندوة بمداخلة تحت عنوان : تحديات المثقف العربي حيث استهلتها بعرض برنامج أشغال الندوة الفكرية ثم تقديم الأساتذة المحاضرين وعناوين محاضراتهم وهم على التوالي :
1- د. نديم منصوري: أستاذ علم الاجتماع بالجامعة اللبنانية و النائب بمجلس النواب بالجمهورية اللبنانية المكلف بالمؤتمرات و الندوات وصاحب المؤلفات : – سوسيولوجيا الأنترنات – الثورات العربية بين المطامح و المطامع – الاستحمار الالكتروني بمحاضرة يتناول فيها بالدرس تعريف المثقف الشبكي ودوره في التغيير.
2- د. جوهر الجموسي: أستاذ جامعي متخصص بعلم الاجتماع بالمعهد العالي لفنون الملتيميديا بجامعة منوبة – تونس و رئيس الجمعية التونسية لقانون الأنترنات و الملتيميديا صاحب مؤلفات عدة منها: – الثقافة الافتراضية – المجتمع الافتراضي – مدخل إلى قانون الأنترنات و الملتيميديا وآخرها الافتراضي و الثورة.حيث طرح في محاضرته إشكالية: الأنترنات ومفارقة المثقف و الثقافة
3- د.أحمد مفلح تخصص العلوم الاجتماعية والكاتب الفلسطيني ومدير التحرير المساعد بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ببيروت – صدر له كتاب سوسيولوجيا المثقفين العرب و عنوان محاضرته دور المثقف العام في التغيير و مدى استشراف المثقف وتوقعه للثورات العربية .
وبين الدكتور نديم منصوري في مفتتح مداخلته أن عصر المعلومات اتسم بالسرعة في التعامل مع المعلومة المتاحة لدى النخب المثقفة ومنه ميز بين مثقفين شبكيين و غير شبكيين وعرض تعريفا ضافيا للمثقف الشبكي بما هو ذاك المثقف الفاعل في الشبكة وفي منبع محتواها و المنظم لإدارتها واستعرض له أربعة أصناف:
1- المثقف التكنو شبكي: هندسة و تطوير البرمجيات
2- المثقف الويكي شبكي وهو ما بات يعرف بالمدون أو صحافة التطوع
3-المثقف الثوري الشبكي 
4- المثقف الفيلسوف الشبكي :دوره يتمثل في وضع إطار مفاهيمي للمجتمع الافتراضي وهو الباحث عن مجتمع ما بعد الخيال
وأبرز أهم التحديات التي تواجه المثقف الشبكي وهي:
1- مفهوم الاستحمار الالكتروني ومخاطره و يتمظهر في: – القوة الناعمة المعتمدة من قبل الإدارة الافتراضية – حرب المعلومات – التجسس الإلكتروني التي ترصد له الأموال الطائلة وأشار إلى أن كثير من الناس يحملون – تحت وطأة هذا الاستحمار الالكتروني- إلى الاعتقاد في أن الرخاء الاقتصادي مرتبط بالرخاء الالكتروني
2-الانتشار الالكتروني ومخاطر الجماعات التكفيرية ولعل أخطر الأشكال التي تعتمد في تجنيد العديد من الشباب بما أطلق عليه تسمية الجهاد الالكتروني أو الاستئصال الالكتروني وإزاء ذلك استعرض المحاضر الدور المفترض للمثقف الشبكي و المتمثل في :
– – تكريس الأمن الالكتروني ذات بعد قيادي وعسكري
– العمل على تأمين سلامة المعلومات المتبادلة عن بعد ضمن فريق عربي متخصص لمكافحة جرائم الفضائح وذلك بوضع تشريعات قانونية وزجرية ضابطة للفضاءات الافتراضية و استخدامات الأنترنات عبر اتفاقات دولية
– تحديد فكري ووضع أسس ومبادئ نظرية لهذا المجتمع الجديد
– وضع أطر عامة توفر بعض الحلول لما أوصلتنا إليه شبكة النات.كسيطرة القوى الغربية على المجتمعات في العالم من الناحيتين الثقافية و الاجتماعية عبر وضع استراتيجيا كاملة و فاعلة ومنظمة .
وعلى إثر ذلك تناول الدكتور جوهر الجموسي مطارحته إشكالية الأنترنات ومفارقة المثقف و الثقافة في عرض لجملة من المسائل كتحولات المثقف بعد الثورات العربية وموت المثقف الإيديولوجي وثقافة التضاد و المثقف البديل وأشار المحاضر إلى أن المثقف الذي عهدناه شهد انزياحا في التمثّل و التعريف بينه وبين مثقف اليوم فضلا عن الانكسار الحاد في الصورة النمطية إذ لم يعد ممكنا وضع جسور بين الإيديولوجي والمثقف الجديد واستعرض أصنافا من المثقفين الجدد كالمدون والفرد الافتراضي و القائد السياسي الافتراضي ضمن ثقافة خفية الاسم لا مكانية ولا زمانية ، بلا ذاكرة ولا تاريخ لذلك تحتاج هذه الثقافة العابرة إلى مثقفين عابرين ينحصر وجودهم في لحظة عبورهم وقد لا تربطهم بالضرورة أية روابط . ومع تنامي استخدام الأنترنات دعا إلى استخدام تكنولوجيا أشد دقة لأن تكنولوجيا المعلومات و الاتصال همشت الثقافة وجعلتها مكملا صناعيا للثقافة الزائفة التي تبيح كل جائز وجائر مما أدى إلى تقلص الإبداع الإنساني الفطري مقابل التصنيع الثقافي الآلي وفي جديثه عن المجتمع التونسي قبل ثورة 2011 أوضح أن المثقف الكلاسيكي كان غائبا تماما وقد تكون النخبة معايشة للأزمة ومنسجمة معها بينما شهد بعد الثورة ميلاد نخبة اكتسحت الفضائيات العامة لتؤسس فضاءات جديدة بمدوناتها الشخصية وبذلك تحول المجتمع الافتراضي إلى مجتمع نخبوي داخل المجتمع نفسه أما النخب التقليدية فقد صارت بدورها افتراضية وخيالية.
وفي مداخلته أشار الدكتور أحمد مفلح الفلسطيني ضمن التساؤل المطروح عن مدى توقع المثقف العربي للتغيير من خلال الثورات العربية مضيفا أن هذا المثقف العربي لم يتوقع التغييرات التي ستحدث ، ذلك أنه لم يكن يراهن على تطور المجتمع بقدر مراهنته على النظام أن يغير نفسه بنفسه فمن جملة 16 دراسة أنجزت سنة 2010 و تطرقت إلى إمكانية حدوث حالة تغيير ،إثنان فقط ذكرا ضرورة أن تكون هناك ثورة تتيح التغيير واستنتج من ذلك غيابا كليا للمثقف العربي في مجتمعه الشيء الذي مكن الشباب الشبكي من ملء هذا الفراغ وطالب أن تكون للمثقف صلات بالجمهور في دلالتها العامة وأن تكون أفكاره مبدعة وخلاقة لها صلة بالحياة حتى ينفذ إلى المجتمع وأن يتعاقد مع الأفكار وناقل لها لتغيير واقع ما ، غير أن المساحة المتاحة له ضيقة و يحجب عنه المتلقي ولكن حين نتحدث عن الأنترنات فإننا نتحدث عن فضاء جديد يمكن المثقف من تبليغ صوته وقد أثارت هذه الأفكار المطروحة و المقاربات المقترحة جملة من التفاعلات بين المشاركين ساهمت في إثراء النقاش فقد شبه أحدهم في مقارنة طريفة حالة النظرة السلبية و الرفض للأنترنات بفترة رفض عدول الاشهاد الذين يحررون العقود بخط اليد زمن اختراع الآلة الراقنة معتبرا أن ممانعتهم لا معنى لها و أن العقود اكتسحها الرقن مقابل انقراض النسخ بخط اليد وهو نفس المصير الذي ينتظر الأنترنات فهي لغة العصر و رأى آخر أن الأنترنات مكمل للإعلام الفاسد و أن المثقفين يحتاجون للأنترنات فقط لدعم ظهورهم وأن الثورات العربية مفتعلة ومتحكم بها من الخارج بينما قابله رأي آخر يؤول الثورات إلى تنامي الوعي الجماعي منذ ما يزيد عن سبعين عاما وأن النتائج المحمودة هي تثقيف الناس حول المسائل الدينية المحرجة بدل تبني التطرف في إطار الفهم الهش لحضارتنا العربية الإسلامية و أشارت الدكتورة فاطمة أحمد درويش إلى أن غموضا كبيرا يعم علاقة المثقف بالأغلبية وعلاقة الأنترنات بالعلوم الصحيحة في كيفية الانتقال إلى المجال الرقمي .ومن خلال رده على إمكانية زوال المثقف النمطي بيّن الدكتور جوهر الجموسي أن ثقافة العابر تعادل ثقافة الراهن و أن المثقف الراهن إنما يعكس اليومي فهو مرتيط بمقاربة فلسفية تقليدية وعما إذا كانت هناك مقاربة بين المثقف النمطي في اليلاد العربية وفي الغرب؟و تساءل أستاذ التاريخ بمعهد طبرقة محمد اليحياوي عن كيفية إنتاج مثقف شبكي بدل المثقف الكلاسيكي الذي يعتبر فجوة في الجيل لأنه لم يواكب الوتيرة السريعة التي تستلزم التعامل مع الجيل الرقمي فالمقاربة إذن هي أن هناك جيل رقمي وواقع فرض نفسه وأشار أحد المحاضرين إلى خاصيات الجيل الرقمي الذي لا تهمه المقالات الطويلة بقدر أهمية الصورة التفاعلية ، وبناء على ذلك على المثقف الشبكي اليوم أن يتخلى عن المقالات الطويلة والاقتصار على السطر الواحد مضيفا أن الواقع كان صعبا بسبب الرقابة الإدارية و الأمنية وحتى الرقابة الذاتية و الخوف فالأنترنات كذلك موظفة أمنيا وعسكريا وسياسيا وهي ليست عربية بالأساس فهي صناعة غربية محكومة بالموزعات الكبرى في العالم تمتلكها القوى العظمى وتتحكم فيها الصهيونية وهي من يديرها وتخضعها إلى عمليات تجسس فاقت المليار عملية في مجملها لذلك لابد من الاستعداد السوسيولوجي للاستعمار الجديد عبر شبكة الأنترنات ولعله الجانب الأسوء و السلبي إلى جوانب أخرى جد إيجابية وختم النقاش بمسألة أولوية الرؤية الأخلاقية للأنترنات عند العرب في حين تحظى المشاغل المعرفية و المعلوماتية و الإستراتيجية أولوية قصوى لدى دول أخرى في العالم فالحروب القادمة سوف تكون من أجل المعلومات لا من أجل المستعمرات على حد قول الدكتور جوهر الجموسي .
________
*كاتب تونسي

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *