غونتر غراس ومواجهة ماضٍ لا يمضي



*محمد الحمامصي


يعد كتاب «غونتر غراس ومواجهة ماضٍ لا يمضي»، لمؤلفه الكاتب والمترجم سمير جريس، أول كتاب بالعربية يتناول أدب الألماني غونتر غراس، حيث يستعرض أهم المحطات في حياة الكاتب الحاصل على جائزة نوبل، ويقدم رؤية نقدية لأبرز أعماله، لا سيما تلك المترجمة إلى العربية. ويفرد المؤلف فصلا عن علاقة غراس بالعالم العربي، وتحديدا من خلال الرحلتين اللتين قام بهما غراس إلى اليمن في مستهل الألفية الثالثة.
ويرى أن المقولة التي لاحقت المتنبي تنطبق تماماً على روائي ألمانيا الأشهر غونتر غراس الذي ملأ دنيا الأدب في ألمانيا وخارجها، وشغل الناس بأدبه ومواقفه السياسية، منذ أول أعماله: رواية «طبل الصفيح»، ويؤكد أن غراس هو الكاتب الحداثي في ألمانيا..
والوجه الأبرز للأدب الجديد بعد الحرب العالمية الثانية، وأكثر الكتّاب الألمان تأثيرا في الأدب العالمي، لذلك غدا النموذج والمعلم بالنسبة إلى عديد من الأدباء في العالم، مثل: جون إرفينج.
أما في المنطقة العربية فارتكزت شهرة غراس أساساً على مواقفه السياسية المناصرة لحقوق الإنسان والداعمة للعالم الثالث. ويقول الكاتب: وبالرغم من ترجمة عدد من أعماله إلى العربية، أظن أنه لم يقرأ على نطاق واسع..
وأن الكتّاب العرب لم يتأثروا به، ولم يصبح مرجعا لهم أو نموذجا، على عكس الانتشار الكبير الذي حققه عدد من كتّاب أميركا اللاتينية في العالم العربي، مثل ماركيز وبورخيس ويوسا. ويتابع: أعتقد أن ابتعاد القراء العرب عن أعمال غراس يرجع، من ناحية، إلى ضخامتها وتعقد بنيتها والتصاقها بالتاريخ الألماني واحتشادها بالتفاصيل، كما يعود إلى نوعية الترجمات العربية من ناحية أخرى.
هذا ما تظهره أرقام مبيعات أعمال جراس المترجمة إلى العربية، لا سيما أشهر رواياته «طبل الصفيح» التي ظلت طبعتها الأولى التي أنجزها حسين الموزاني نحو خمسة عشر عاما في الأسواق قبل أن تعيد دار الجمل طبعها.
كما يلفت المؤلف إلى أنه تتضح قلة الاهتمام بغراس عربيا في عدم وجود كتب تتناول حياته أو أعماله، فهذا أول كتاب يصدر بالعربية عن صاحب ثلاثية دانتسج.
يقول المؤلف، إن غونتر غراس لم يعرف إلا القليل عن الأدب العربي، رغم انه زار مصر في عام 1979 بدعوة من معهد غوته، حيث عُرض الفيلم الذي أخرجه فولكر شلوندورف عن رواية «طبل الصفيح». في تلك الرحلة، استضافه قسم اللغة الألمانية بكلية الألسن..
ونظمت ندوات عديدة مع الكاتب، شارك فيها طلبة الكلية وأساتذة القسم الذي كان يرأسه آنذاك الأستاذ الدكتور مصطفى ماهر، بعد ذلك بسنوات، زار غراس اليمن مرتين في مطلع الألفية الجديدة، وعندما سأله المؤلف في صنعاء عن الأعمال التي قرأها بالعربية، قال له إنه لم يطالع إلا بعضا من روايات نجيب محفوظ، كان واضحا لكل من رافق غراس في اليمن أن العمارة التقليدية هناك التي أطلق عليها غراس «قصيدة من طين»، هي التي فَتَنَت قارع «طبل الصفيح»، وأثارت اهتمامه أكثر من الأدب العربي.
في المقالة الأولى من الكتاب تناول المؤلف بدايات غراس في دانتسج وفترة الحرب العالمية الثانية التي أثّرت عميقا في حياته، وشكلت مواقفه اللاحقة بخصوص الديكتاتورية والمقاومة، ولفهم المشهد الأدبي في ألمانيا وقت ظهور غراس، خصص المؤلف مقالة لـ «جماعة 47 الأدبية» المشهورة، حيث قرأ غراس في عام1958 فصلين من مخطوطة «طبل الصفيح». وفي المقالات اللاحقة تحدث المؤلف بالتفصيل عن ثلاثية دانتسج «طبل الصفيح» و«قط وفأر» و«سنوات الكلاب» لأنها العمل الأساس في شهرة غراس في العالم.
ويلفت المؤلف أن لغراس معارك عديدة مع الرقابة والمجتمع المحافظ، ومع القضاء في ألمانيا خلال سنوات الستينيات بالقرن ال20، بعد أن وجهت له اتهامات بالإباحية والاستهزاء بالكنيسة الكاثوليكية وبأنه يمثل خطرا على الشبيبة، ولهذا خصص مقالة لهذا الموضوع، كما كتب مقالة أخرى عن نشاط الكاتب السياسي خلال الحملات الانتخابية التي خاضها لصالح الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة فيلي برانت.
وأثار كتاب «أثناء تقشير البصلة» 2006 ضجة كبيرة بعد اعتراف غراس للمرة الأولى بانتمائه في سن السادسة عشرة إلى فرقة الحماية الخاصة بهتلر، المسماة بسلاح الـ «إس إس» التي صُنفت بعد الحرب كمنظمة إجرامية، بعد صدور الكتاب أعلن عدد من المثقفين العرب تضامنهم مع كاتب «طبل الصفيح» في وجه ما اعتبروه حملة ضده. ولكن، هل كان هذا التضامن في محله؟ وهل كان سياق النقاش الألماني واضحا بالنسبة إليهم؟
عن هذه الأسئلة يجيب المؤلف في الفصل الخاص بـ «تقشير البصلة». بعد ذلك تجدد الجدل حول غراس في ألمانيا عندما كتب قصيدته الشهيرة «ما ينبغي أن يُقال»، إذ هاجم فيها إسرائيل التي «تهدد السلام العالمي الهش بطبيعته». أما آخر مقالات الكتاب فخصصها المؤلف للحديث عن غراس الشاعر، وهو جانب مجهول لدى كثيرين، كما ان الشعر هو الرفيق الذي لازمَ غراس منذ بداياته الفنية وحتى وفاته.
____
*البيان

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *