خمس سرديات في القائمة القصيرة لـ’جائزة فوكنر’




*تحسين الخطيب


عقب فوز روايتها “آصرة الدم” بجائزة الكتاب القومي الأميركية للعام 1978، دعيت الروائية ماري لي سيتل (1918- 2005) لتنضم إلى هيئة التحكيم النهائية للجائزة ذاتها في العام 1979.
وقررت لجنة التحكيم في تلك السنة منح الجائزة لتيم أوبرايان عن روايته “الذهاب خلف كاسياتو” بدلا من جون إيرفنغ الذي كانت روايته “العالم بالنسبة إلى غارب” تحقق مبيعات متفوّقة. ونتيجة لهذا القرار الذي جعل من رواية غير معروفة على الصعيد “التجاري” تقفز إلى صدارة العناوين الأدبية، ثارت ثائرة حيتان صناعة النشر في نيويورك، لاغين الدعم الذي كانوا يقدمونه إلى الجائزة، ومتدخلين بقوة لدى القائمين عليها لتغيير قواعد التصويت.
وكردة فعل على هذه الحادثة غير المسبوقة، أطلقت ماري سيتل وبعض أصدقائها، في العام 1980، بتشارلوتس فيل، في فرجينيا، جائزة تنافسية مخصصة لفن القص عرفت باسم “جائزة فوكنر”، بالشراكة مع رابطة القلم الدولية، وتخليدا لذكرى الروائي الأميركي وليام فوكنر، حائز جائزة نوبل في الأدب للعام 1949.
كان الهدف الرئيسي من هذه المبادرة، إطلاق جائزة قومية تعترف بالقَص الأدبي المتفوق، جائزة متحررة من أي مشروطيات قد تفرضها جماعات الضغط في صناعة النشر، وتمنح من طرف لجنة تحكيم يديرها روائيون وقاصون فقط، مما يجعلها أكبر جائزة يديرها “النظراء” في البلاد كلها.
مذّاك، والجائزة تواصل تحقيق حضورها كواحدة من أبرز الجوائز الأدبية، ليس في الولايات المتحدة فحسب، وإنما في العالم المعني بأفضل الإبداعات السردية، سواء كان مؤلفوها كتابا حققوا النجاح، أو أصحاب أسماء مازالت تتلمس طريقها.
ومنذ العام 1982، ترأس المجلس التنفيذي لمؤسسة الجائزة الروائي روبرت ستون (صاحب “راية من شروق الشمس” التي ترشحت لجائزة البوليتسر للعام 1981) حتى وفاته في العام الماضي.
وقبل بضعة أيام، أعلنت المؤسسة عن قائمة قصيرة تضم خمسة كتب تتنافس على الجائزة لهذا العام “أطعمة لذيذة” لجيمس هانام، و”السيد الطبيب وحرمه” لجولي إيروموانيا، و”المتعاطف” لفيت تان نغوين، و”نار مندوسينو” لإليزابيث تالنت، و”متحف الماء” للويس ألبيرتو أوريا.
أطعمة لذيذة
منذ صدور “أطعمة لذيذة” وهي تتصدر قوائم أفضل الكتب. تتناول الرواية حكاية دارلين، الأم والأرملة التي تعود إلى المخدرات حزنا على موت زوجها. وذات يوم، تختفي دون أن تترك وراءها أثرا يقود إليها، تاركة ابنها الصغير، إيدي، يبحث عنها بفزع شديد. ثم تلتقط دارلين شركة “الأطعمة اللذيذة”، وهي شركة مشبوهة، فتحبسها ضد إرادتها في مزرعة غامضة، وتجبرها على العمل الشاق في الحقول للحصول على الطعام وتأمين المخدرات التي تحتاجها. ولا تجري أحداث الرواية على لسان الأم وابنها وهما يكافحان ضد أولئك الذين يسعون إلى استعبادهما فحسب، بل تتعداه إلى أن تصبح “المخدرات” نفسها شخصية ثالثة تسرد بعض فصول الرواية على لسانها.
وليست الرواية “حكاية عن موت الحلم الأميركي، بل إضاءة حول الأوهام التي تحيط به، والجحود الذي يسمح لنا بأن نؤمن ببراءته”. كما أنها “حكاية جسورة وفاجعة… تسعى إلى أن تكون مجازية، ولكنها تكشف عن رعب حقيقي تمتد جذوره إلى العبودية. وبعبقرية لافتة، يخلق هانام استعارة للتجارة بالبشر، والنظام الصناعي في الزمن الحاضر، والآثار المهلكة للحرب على المخدرات، وجشع المجتمع في حاجته إلى “مساواة” يتم تقديمها بأقل كلفة ممكنة”.
وقد سبق لجيمس هانام، والذي يعمل أستاذا للكتابة الإبداعية في معهد برات في بروكلين، أن أصدر روايته الأولى في العام 2010، بعنوان “ويقول الله لا”.
تقارير المتعاطف
“المتعاطف”، هي الرواية الأولى لفيت تان نغوين، وقد سبق لها أن فازت بجائزة “مركز القَصّ للرواية الأولى” في العام 2015، وبميدالية أندرو كارنيغي للإبداع القصصي في العام 2016، وبجائزة الأدب القصصيّ التي يمنحها اتحاد المكتبات الآسيوية الباسيفيكيّة، على حد سواء.
تتناول الرواية، على شاكلة روايات الجاسوسية، نهاية الحرب الفيتنامية، والأجواء التي تسود سايغون، إثر سقوط حكومة جنوب فيتنام في العام 1975.
بطل الرواية ضابط من جنوب فيتنام، مجهول الاسم في الحكاية، ينحدر من أصول فرنسية وفيتنامية، كان يواظب على كتابة التقارير أثناء الحرب إلى زملائه في شمال فيتنام، ولكنه لا يهجر هذه العادة حتى بعد وصوله إلى منفاه الأميركي، بعد أن وضعت الحرب أوزارها.
وعن السبب الذي دفعه إلى كتابة رواية من هذا النوع، قال نغوين في مقابلة معه “بدأت بفكرة عن أحد الجواسيس. فحين كنت يافعا وأقرأ كتبا حول الحرب الفيتنامية، عثرت على مثل هؤلاء الجواسيس الشيوعيين بأماكن مختلفة في جنوب فيتنام.
رغبت في كتابة رواية كانت على وشك أن تكون مجابهة مباشرة مع السياسة والتاريخ والحرب، ولكنني أردت كتابة رواية ممتعة. خلصت إلى نتيجة أن وجود أحد الجواسيس سوف يسمح لي بأن أفعل كل تلك الأشياء جميعها”.
وعن فكرة اختياره لجاسوس ذي خلفية عرقية مختلطة، يقول “إنه تجسيد حرفي لتلك الفكرة القائلة إن الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقي التوأمان البتة. ستسمح لي أصوله المختلطة بالحديث عن الكولونيالية الفرنسية على نحو واضح. وتتيح لي الحديث عن عنصرية الفرنسيين والفيتناميين تجاه بعضهم البعض على حد سواء، وتجاه أولئك الأوراسيين الذين سقطوا بينهم. وسيكون قادرا، على الصعيد الشخصي، على اختبار تلك التوترات الثقافية والسياسية والعنصرية، وستدفعه إلى التعاطف مع الضحية ورؤية المسألة من جوانب عدة. فالتعاطف مع الضحية هو الذي يجعله ثوريا”.
وأمّا فيت تان نغوين، فهو من أصول فيتنامية، يعمل أستاذا مساعدا للإنكليزية والدراسات الأميركية والإثنية بجامعة جنوب كاليفورنيا. صدر له في العام 2002، “العِرق والمقاومة: الأدب والسياسة في أميركا الآسيوية”. يعكف حاليا على إنجاز “لا شيء يموت البتّة: فيتنام وذاكرة الحرب”، وهو كتاب نقدي سوف تنشره مطبعة جامعة هارفارد في غضون العام الحالي.
متحف الماء
كتاب لويس ألبيرتو أوريا هو ثاني مجموعتين قصصيتين تتنافسان على الجائزة. ويعد أوريا، المولود بتيخوانا في المكسيك لأب مكسيكي وأم أميركية، واحدا من الأصوات الأدبية البارزة، فقد تنافس كتابه “أوتوستراد الشيطان” على جائزة البوليتسر العريقة للأعمال غير القَصصية في العام 2005، وفاز بالجائزة الأدبية التي تمنحها مؤسسة لانن العريقة.
كما حظيت روايته التاريخية، “ابنة الطائر الطنّان” (2005)، والتي يسرد فيها -على شاكلة روايات الواقعية السحرية- حكاية جدته التي تملك القدرة على الشفاء، بحفاوة نقدية واضحة، وحققت مبيعات كبيرة. وفي العام 1994، نالت مجموعته الشعرية “حمى الكائن” جائزة كولورادو للكتاب وجائزة كتاب الولايات الجنوبية على حد سواء.
وأمّا “متحف الماء”، فهي مجموعته القصصية الثانية، بعد “ستة أنواع من السماوات” في العام 2002. يحتوي الكتاب على ثلاث عشرة حكاية لا نهايات سعيدة لها، تنهل من إرث كاتبها المختلط، وتدور معظم أحداثها في “الغرب الأميركي المتناقض، تلك المنطقة التي يحدق بها الجفاف والفقر وصراع الهويات”.
ففي قصة “أمابولا” (وهي كلمة أسبانية تعني: خشخاش، وقد سبق لهذه الحكاية أن فازت بجائزة إدغار ألان بو للقصة القصيرة في العام 2010)، تتجلى أطوار العنف والصراعات التي تؤججها العقلية التقليدية المحافظة، حين يقف رجل أعمال مكسيكي بعناد ضد علاقة الحب التي تجمع ابنته الصغرى بصديق ابنه الحميم.
وفي “أناشيد الصبيّ الحزينة”، على سبيل المثال، تتجلى تلك اللحظة الوجودية التي يفقد فيها الفرد حريته في الاختيار. نعثر على جوي، وهو ابن فرد من عصابة دراجات نارية يدخل السجن بعد إطلاقه الرصاص، يطلب منه أحد أصدقاء والده القدامى أن يساعده على سرقة العائلة الثرية التي يعمل لديها، ويتوجب عليه أن يقرر في التو واللحظة وإلا تعرض لمصاعب جمة. إنّ قراءة “متحف الماء” أشبه ما تكون “بالإنصات العميق إلى ألبوم أغان رائعة على طريق طويلة موحشة”.

عسل إليزابيث
كانت إليزابيث تالنت قد توقفت عن النشر منذ صدور مجموعتها القصصية “عسل” منذ نحو عشرين عاما. وتقدم تالنت في هذه المجموعة الجديدة عشر حكايات “عن رجال ونساء يجابهون ضعفهم في أزمنة شخصية متحوّلة، زيجات متداعية، وأناس تطاردهم ذكريات عشق قديم” عبر “لحظات من التشظى والانكسار” تصور، بخيال جامح ونابض بالحياة، “مفازة النفس الجوانية، مثيرة على نحو بارع ذلك التوتر الكهربي لعواطفنا الغائرة”.
إنها مجموعة عن توق المرء إلى ألا يكون وحيدا، وعن إقامته الطارئة بين الرغبة والخذلان.
ولدت إليزابيت تالنت في الثامن من أغسطس لسنة 1954. وصدرت روايتها الأولى، “قطع المتحف”، في العام 1985. وفي العام 1983، صدرت مجموعتها القصصية الأولى “في طيران متلاحق”. تعمل أستاذة في جامعة ستانفورد منذ العام 1994.
وأمّا آخر كتب القائمة القصيرة للجائزة “السيد الطبيب وحرمه”، فهو الرواية الأولى لجولي إيروموانيا المولودة في وسط غرب الولايات المتحدة، لأبوين هاجرا من نيجيريا.
تتركز الحكاية حول إيفي وجاب، وهما نيجيريان تزوجا على الطريقة التقليدية، يشرعان في حياتهما معـا في نبراسكا، بكذبة شنيعة؛ أن جاب طبيب، على الرغم من أنه لم يكمل دراسته الجامعية البتة.
ثم شيئا فشيئا، تصبح زوجته متواطئة معه، وعن سابق إصرار، حتى تظهر زوجته السابقة، شيرلي، والتي كان متزوجا بها من أجل الحصول على الإقامة، في واجهة الأحداث فتقلب مخططات جاب وزوجته رأسا على عقب.
تعمل الروائية جولي إيروموانيا أستاذة مساعدة للإنكليزية والأدب الأفريقي فـي جامعة أريزونا. وهي منهمكة الآن في الاشتغال علـى روايتهـا الثانية، “فصل من ضياء”.
_______
*العرب

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *