خاص ( ثقافات )
صدر حديثاً عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن الرواية الثانية للروائي أحمد فرّاس الطراونة بعد روايته الأولى “وادي الصفصافة” الحائزة على جائزة الدولة التشجيعية للآداب 2009 .
الطراونة الذي يرى أن الكتابة لحظة نور يصطاد فيها الكاتب فكرته فيضعها على جمر الوعي كي تستقيم وليمة يرسلها على موائد الورق ليختلف عليها ضيوف الإبداع، يؤكد أن هذه الرواية رغم قصرها إلا أنها تكثّفت على مدار ثلاث سنوات من ألم الجروح النازفة في هذا الوطن الكبير الذي لا يكل عن النزف بلا أمل.
ويضيف الطراونة: “أكتب هذه الأرض وهذا الإنسان البريء الذي ما يزال يجثو يقبلها ويعضّ عليها بالنواجذ، هذه الأرض الأم، هذه الأرض الحياة والعاطفة المتأججة، أكتبها بلغتها البكر وأمسح عن وجهها التراب الذي تراكم عليها بفعل النسيان، لأقدمها للعالم بصورتها الجميلة رغم ما يعتريها من خوف من المجهول، بحروف أقرب للمصابيح التي تفتش في لحظات الظلام الدامس عن مفاتن جسد يئن من ظلم ذوي القربى.
ويزيد الطراونة: أحاول أن أرفع صوتي وسط هذا الخراب الروحي، وهذه العفونة التي بدأت تجتاحنا من كل الجهات، وألقي هذه الأسئلة الجريحة المحشرجة في وجه هذا الترف الكاذب من الثقافة والسياسة، ولا أنتظر إجابات لأن الزمن الذي نعيشه يوغل في الإعتام الشديد على خشبة المسرح ولن يجيب على أي سؤال”.
وحول ما يقدّم في روايته الجديدة التي جاءت في (224 صفحة من القطع المتوسط) يقول الطراونة: “لا أتعمّد كتابة ما مضى كما هو لأنني لا أكتب سيرة، لكنني أكتب ما مضى وأصوغه كلحظة قادمة؛ بلغة أدبية قادرة على كسر هيمنة اللحظة التاريخية التي تسيطر، وإعادة بعثها بعيداً عن تلك القيود التي تخنقها، أعيدها كما أحلم بها وأفتح أسئلتها العميقة على كل الإجابات”.
ويرى الطراونة أن البحث عن الحقيقة يدمي القلب بالجراح، فكلما حاولت أن تخيط جرحا بالكتابة يفتح لك آخر، فتغوص في حلقة من المجاهيل والاحتراقات، وكلها تزرع فيك غواية الأسئلة البكر وتبعد عنك مفاتيح الأمل بالإجابة، فالخربة المهجورة التي أعدت بعثها هي أنا، وهي قريتي، وهي بلادي التي عاث فيها المفسدون وشوهوا وجهها بالتنقيب عن كل ما هو جميل لسرقته تحت حجج واهية، وهي لا تكفّ عن اتهامهم بالعقوق، لكنهم يضعون أصابعهم في آذانهم.
ما يدور الآن في الوطن الكبير هو ما يدور في خربة “نخل” المهجورة التي تدور فيها أكثر أحداث الرواية، ثم لتخرج وتجوب العالم ثم تعود إليها، ولا يظهر في هذا المشهد البائس إلا متصيدي الفرص من التجار والمثقفين وباعة الوطنية الزائفة.
يرحل أحمد بطل الرواية في مجاهيل الفقر والحرمان ناثراً أسئلة غائرة في جبين هذا المشهد الفقير ثقافياً واجتماعياً وسياسياً إلى حد لا يتجاوز وجبة “خبز وشاي” راسماً معالم طريقه التي تنازعه فيها الفقر والخوف والجشع لينتهي في غرفة محكمة الإغلاق كقبر أغلق قبل آلاف السنين، لتفتح ذاكرته على كل تلك الحياة المؤلمة رغم قصرها.