قيمنا اليوم.. هل هي صناعتنا؟


سعيد الشّيخ*


خاص ( ثقافات )

بتنا نحن العرب لا ننتج قيمنا، وهذه خلاصة قد لا تروق لكثيرين، وأنا لست سعيداً بهذا الاستخلاص الذي يدعو إلى الخوف والقلق على مستقبل الثقافة العربية. ومنبع هذا القلق أننا نعيش بلسان عربي في مجتمع نسميه بالمجتمع العربي، ولكن باتت تحكمنا فيه مجموعة قوانين غير مكتوبة جلّها مستوردة نرددها على مسامع بعضنا من دون كثير من التفكير. ومنا من يرددها للاستهلاك ولطلب رضى قوى نمنحها التفوق علينا دون أن ندري.

إن نظرة متفحصة في الخطاب الإعلامي العربي، سنجد اقتباساً ممنهجاً في ترديد جمل ومفردات جاءت من الغرب الصناعي، وهي تعبر عن مفاهيم ومعايير لها خصوصيتها الاجتماعية والثقافية في تلك المجتمعات. وليس من الحصافة أن نأخذ بها كقوالب جاهزة ونسقطها على مجتمعاتنا العربية تضر أكثر مما تنفع في المشهديْن الاجتماعي والثقافي.
منذ عهد قريب لم تكن الثقافة العربية تحتوي على مفردات القاموس الذي يستعمل اليوم كلمات مثل: حقوق المرأة، وحقوق الطفل، وحقوق الإنسان، وأخيراً الديموقراطية.
لم تكن لدينا هذه المفردات ليس لأننا مجتمع متخلف أو جاهل، بل لأننا منذ أن دفنّا الجاهلية مع نزول القرآن الكريم، كانت لنا قيمنا ومعاييرنا التي تكفل وتحمي حقوق المرأة وحقوق الطفل على قدر واحد، ولنا قدوة في الشورى بمقابل الديموقراطية. النظام العائلي الغني بالمودة والرحمة القائم على روابط تشع بالمحبة والحنان، أمر غير موجود في الغرب الذي يفتقد أيضاً إلى ما عندنا من وافر التقدير والاحترام للكائن الأنثوي.
إذاً؛ ما كنا نحن العرب نحتاج إلى هذا الصداع في ترديد مفردات قاموس الحقوق هذه التي صنعها الغرب لنفسه وهو في حالة الانتقال من الهمجية إلى التطور، لأنه حقاً يحتاجها لوقف هدر الحقوق الإنسانية في المجتمعين الأوروبي والأميركي اللذين كانا يحتاجان بالفعل إلى زخم في الأخلاق بعد العصور الهمجية التي عاشاها.
لا تحتاج الرواية العربية التي تكتب هذه الأيام إلى هذا الكم الهائل من الحشو في إعلاء شأن قيم الغرب، حتى جعل بعض الكتاب هذه القيم أيقونات مقدسة. في حين هي موجودة عندنا بشكل أو بآخر بالفطرة منذ وعينا بالوجود ووعينا بالنصوص القرآنية.
وعلى هؤلاء الكتاب أن لا ينسوا بأن المعايير الغربية لحقوق الإنسان التي يكيلون لها المديح كانت ولا زالت عرضة للتلاعب، ويزج بها في بازارات سياسية تخدم سياسات رسمية ولا تخدم بالفعل قضايا الإنسان التي يتم تجزئتها أحياناً بشكل عنصري، وتعمل على تفريغ مضامين سامية لشعوب تناضل من أجل حرية واستقلال أوطانها وتكافح للحفاظ على خيراتها ومقدّراتها. 
هذه ليست دعوة إلى التزمُّت، بل هي دعوة صريحة إلى تقديم القيم التي تناسب خصوصية مجتمعاتنا ضمن عملية تأخذ مسارين، واحد فكري والآخر إبداعي يهدفان إلى إعلاء الشأن الثقافي العربي في رؤاه ومضامينه المتقدمة في حقوق الإنسان وفي ما يمكّنه المنافسة والتأثير.. لقد تأخرنا كثيراً في صناعة ملابسنا وسياراتنا وحواسيبنا، أفلا نسارع إلى إبداع وتطوير قيمنا ومعاييرنا الإنسانية التي تؤهّل لنا موطئ قدم في هذا الكوكب؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب فلسطيني.

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *