“نهر على سفر” يتدفق بالمكتب الثقافي المصري في الكويت





خاص ( ثقافات )
أقام المكتب الثقافي المصري في دولة الكويت، أمسية حول كتاب أدب الرحلات “نهر على سفر”، للكاتب والرحالة أشرف أبو اليزيد، بدعوة من المستشار الثقافي الدكتور نبيل بهجت، وبرعاية وحضور السفير المصري ياسر عاطف، والسيدة عقيلته. وقد ناقشت الكتاب الأديبة هدى الشوا، والناقدان الدكتور محمد عليم والدكتور نزار العاني، وقدم الكتاب وأدار الأمسية الروائي إبراهيم فرغلي.
في كلمته الاستهلالية رحب السفير بالحضور ودعاهم للاستمتاع بالآراء الثرية والمناقشات حول الكتاب، كما كانت مداخلاته خلال الأمسية زادا للحضور تمتعوا خلاله بمعرفته الواسعة، وحسه النبيل، وروحه الفكهة.
وبدأ برنامج الأمسية بعرض فيلم قصير (3 دقائق، 27 ثانية) عن الكتاب والمؤلف للمخرجة فاطمة الزهراء حسن، وهو قصيدة كتبها مؤلف الكتاب خصيصا للفيلم، الذي قام بمونتاجه الفنان رائد مهدي، وقد وزعت نسخ من الفيلم على الحضور، بأربع لغات هي العربية، والإنجليزية، والألمانية (بترجمة حسن حميدة)، والكورية (بترجمة كيم إيه رام).
في بداية إدارته للأمسية عرف الروائي إبراهيم فرغلي بالمؤلف، الذي نشر استطلاعاته المصورة عن 33 بلدًا في مجلة العربي والدوريات الثقافية، وقدم للمكتبة العربية نحو 30 كتابا بين التأليف والترجمة، كما قدم للتلفزيون سلسلة من اللقاءات مع أيقونات الثقافات غير العربية في برنامجه (الآخر). ففي الرواية كتب : شماوس، 2008، حديقة خلفية، 31، 2011، وفي الشعر أصدر وشوشة البحر، 1989، والأصداف، 1996، ذاكرة الصمت ، 2000، فوق صراط الموت، 2001، وذاكرة الفراشات، 2005م. كما قدم عددا من الدراسات والترجمات منها سيرة اللون ـ دراسات في الفن التشكيلي المعاصر، 2003، مذكرات مسافر، رحلة شيخ الأزهر مصطفى عبد الرازق إلى أوربا ، 2008، والشيخ مصطفى عبد الرازق مسافرا ومقيما ، 2009، وعبث الشباب ، تحقيق لجريدة بيرم التونسي الشباب، ، 2008 وترجمة أنا والسوريالية، لسلفادور دالي 2010، وديوان ألف حياة وحياة ، للشاعر كو أون 2012 ، وديوان قِديسٌ يحلق بعيدًا، للشاعر الكوري تشو أو ـ هيون ، 2013، نون النسوة … نهر الفن، سير ذاتية، 2013، كما نشرت مكتبة الإسكندرية موسوعته الثقافية المصورة طريق الحرير، 2013. وقد ترجمت مختارات من أعماله الأدبية إلى الإنجليزية والتركية والفارسية والكورية والإسبانية.
وقال فرغلي إن رحلة كتاب نهر على سفر بين قارات آسيا وأوربا , وإفريقيا وامريكا اللاتينية، هي رحلة شاسعة يلتقي فيها القارئ بثقافة وخصوصية مدن يتوقف فيها أشرف ابو اليزيد متأملا واقع الراهن وعلاقته بجذور التاريخ، ومستشرفا المستقبل أيضا، ملقيا الضوء للقارئ عن بعض التجارب المستقبلية الملهمة في تلك الحضارات خصوصا من ساعدته إرادة النهضة في تحقيقها كما في المانيا وكوريا وإسبانيا. أو راسما بورتريهات لشخصيات من التاريخ يتتبع آثارهم في الدول التي يزورها مثل السلطان أكبر في أجرا بالهند، جد شاه جهان مؤسس تاج محل، أو أحمد بن فضلان ، العالم الإسلامي الذي زار روسيا في القرن العاشر وقدم نموذجا لحوار الحضارات. وغير ذلك مما يفيض به الكتاب. وبشكل شخصي تعجبني لغة الكتاب التي تستلهم الأدب لتصف الواقع، ثم تعود لصفحات التاريخ، وبحيث تبدو كل رحلة كنسيج لغوي يناسب طبيعة الرحلة. لغة رحالة أديب يمزج فنون السرد والشعر مع التدوين والتوثيق والوصف الذي يتسم بالبراعة. 
وفي قراءتها لكتاب ” نهر على سفر” أكدت الأديبة هدى الشوا إنها لم تتردد حينما دعاها أشرف أبو اليزيد لتقديم قراءة لكتابه؛ ” أولا لأني من أشد المعجبين بدور المكتب الثقافي المصري التنويري في الكويت منذ قدوم سعادة السفير ياسرعاطف ( وبالمناسبة السفير خريج الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وهي جامعتي أيضا)، ومنذ تولّي الدكتور نبيل بهجت مهام الملحق الثقافي، (وقد التقيت بالدكتور نبيل أول مرة في أمسية عرض خيال الظل التي كان يقدمها في البيت الأثري، بيت السحيمي، في القاهرة القديمة۔ وأتمنى أن ينقل تجربته المبدعة في عالم خيال الظل لتقديم عرض في الكويت… مستطردة بقولها “ولعل القاهرة و آثارها وشواهدها و نهرها الخالد النيل، هي التي تمدك يا أشرف بهذا الزاد في تقصي الآثار و البلاد والعباد في الافاق، خاصة في دروب الشرق، ولعل نهرالنيل هوالذي أوحى إليك بعنوان كتابك “نهر علي سفر”. و هل اختيارك صورة غلاف كتابك لجوقة من الحسناوات التتريات يرفلن بأثوابهن السماوية الحريرية إلى جانب بركة ماء، بالقرب من قصر حجري، ما هوإلا محاكاة لمشهد مماثل من فن المنمنمات الفارسية و منمنمات بخارى وسمرقند و طشقند برسوماتها التي تصور قصص الحرب و الحب و حكايات الأميرات السابحات في برك الماء في حدائق تظللها الأشجار المزهرة؟ ۔۔هذه المنمنمات التي طالما أسرتك فكتبت عنها استطلاعك آلأخير في الكتاب: “ُفن المنمنمات: الأدب والتاريخ والأسطورة”
ثم أشارت هدى الشوا إلى أنها تود التركيز على ثيمة واحدة في قراءتها لكتاب”نهر علي سفر” وهي ثيمة “المُعاينة” وعلاقتها “بالاستطلاع”. هذان المفهومان اللذان رسختهما مجلة العربي في تاريخها الاستطلاعي الحافل. فمن أهم شروط الاستطلاع هو أن يكون المستطلع معاينا، والمعاينه هي الرؤية بالعين المجردة والمشاهدة الحية، والرحّالة المستطلعون، مثل أشرف أبو اليزيد يسيرون على تقليد قديم أرساه الرحالة القدامى من أمثال ابن جبيروابن فضلان وابن بطوطة، وسار عليه مستطلعون معاصرون من مثل سليم الزبال ومحمد المخزنجي ومحمد المنسي قنديل، فكانت استطلاعاتهم نوافذ مشرعة لنا نحن القراء نطل من خلالها على آثار وبلاد وعباد ومخلوقات وموجودات، نكتشف الآخر، وفي مرآة الآخر نرى ونكتشف أنفسنا.
وقسمت الشوا تطبيق “المعاينة” ليجمع ثلاث مستويات من الخطاب: أولا النظر والمشاهدة المباشرة، ثم التدوين، ثم مستوى التحليل والتعمق في إضفاء شيء من روح المستطلِع في السرد، فتصبح المعاينة أشبه ببوح فلسفي، له جمالية فنية، وهذا ما يجعل قراءة الاستطلاع أكثر من مجرد تلقي معلومات جغرافية أو تاريخية تقريرية، بل تصبح قراءة أدبية فنية: 
“هذه هي الفلسفة التي نهجها أبو اليزيد في أسفاره وتجواله، ففي الاستطلاع الأول من كتاب “نهر على سفر”، “قرطبة: القلعة الحرة” يستحضر الكاتب معالم مدينة قرطبة وتاريخها الأندلسي بوصف يجمع بين مستويات مختلفة من المعاينة قائلا في وصف المدينة: ” نصل إلى إحدى بوابات المدينة: المسماة بوابة إشبيلية.. وهي بوابة ضخمة، مفتوحة وآمنة أغرتْ أسراب الحمام لتهجع على جدرانها في سلام، بينما تعبرها الفتيات على أجنحة الضحكات إلى مقاعد الدراسة، وتمر المياه في دعة ترسم على وجهها صورة لحجارتها”… هنا يرصد الكاتب بعين الكاميرا، لوحة فنية، مفعمة بالحركة و الصوت لبوابة المدينة المشرعة على الحياة، وصورة لحجارة الجدران منعكسة على وجه الماء. لا يمكن لأحد أن يلتقط هذا المشهد ويحوله سرديا، إلا بعد المعاينة والمشاهدة الحية، لالتقاط التفاصيل الحياتية الحية التي تحيط بالأثرالجامد وهو الباب، أو المسجد، أو المبنى أو المتحف، ثم سكب شيء من روح الفن فيه. فوصف المسجد الكبير والأعمدة القرطبية، ومعاينة عناصر العمارة الإسلامية من النقوش والزخارف الورقية والأفاريز تأخذ حيزا من الشرح، ولكن عندما يخرج الكاتب إلى ساحة يرى أشجار النارنج في الصحن، و تلفت انتباهه بضع ثمرات فيصفها قائلا “أينعت وحان قطافها، فلما لم تمتد إليها يدٌ، سقطتْ بمفردها” قد تمر على القارئ العابر دلالة وصف ثمار النارنج في صحن المسجد، ربما تهمّه أكثر تفاصيل المسجد، ولكن بالنسبة لي، هذا السطر يعكس المستوى الثالث من المعاينة، بعد المشاهدة الحرة، ثم التدوين، و هي لحظة خلوة، التقاط نفس، جلسة تأمل، ربما تحت شجرة ظليلة، يضاف إليها شيء من فئ الروح، ،لحظة أثارتها حبات الثمار الساقطة، مما يجعل القراءة مفعمة بالتمثيل الجمالي للحياة، بما فيها اللحظة الذاهبة إلى الزوال والعدم۔
وتكتب هدى الشوا عن استطلاع آخر “تتارستان …كتاب البهجة والأشجان” حيث يكون للكاتب موعد مع طيف من أطياف التاريخ القديم. هنا يصل أبو اليزيد ليقف على ضفاف نهر الفولجا، في جمهورية تتارستان إحدى جمهوريات روسيا الاتحادية اليوم، كما وقف من قبله الرحالة ابن فضلان الذي انطلق في القرن العاشر من بغداد بصحبة وفد من الروس والترك و الصقلاب في “استطلاع” إلى ملك البلغار في الشما:
“هنا نقرأ استطلاعا يمزج بين رحلة تستلهم الماضي من سرديات وقائع كتاب ابن فضلان وتربطها بالمشاهدات العصرية: فيصف أبو اليزيد مظاهر ومعالم عاصمة تتارستان قازان، ويصف قرية البلغار التاريخية حيث يدهشه متحف ابن فضلان هناك ۔۔و في تماهي بين الرحّالتيْن تكوّن الطبيعة الغرائبية، من نهار لا يغيب في بلاد الشمال، مصدر تعجّب للرحالة أشرف أبو اليزيد كما بعثت على الدهشة في نفس الرحالة القديم، فيقول أشرف: ” فاجأتني السحب المضيئة، وهي ما فاجأت ابن فضلان”، وبين معاينة ابن فضلان لغرائب و عجائب بلاد الشمال، ومعاينة أشرف أبو اليزيد الراهنة، يتركنا هذا الاستطلاع في شوق للسفر إلى تلك الأصقاع. وهذا ما يتكرر في استطلاعات الكتاب،: لقاءات واشتباكات مع الحجر ومع البشر، في آفاق تمتد بين النهر والبحر، بين الوادى والجبل، من أسواق كوريا الجنوبية إلى معابد كوجرات الهندية، من زيارة إلى سجن نلسون مانديلا في جزيرة روبن ايلاند في جنوب أفريقيا وسرد يكشف ممارسات عنصرية ما زالت تحدث في تلك البلاد ، إلى أمسية شعرية في سجن في كوستاريكا يعكس أن الفن والأدب حق للجميع، حتى للسجناء.. نرى معه، نسمع معه، بل يدعونا إلى مأدبة لحم تمساح مع قبائل الزولو مصحوبة بأنغام قرع الطبول!..أينما ولينا وجوهنا العين ترى، الأذن تسمع، والقلم يسجل… 
وتسجل الشوا ملاحظة مهمة حول الاستطلاع في ختام الكتاب، ” فن المنمنات ۔۔۔الأدب والتاريخ و الاسطورة”۔۔ هذا النص، الذي فاز بجائزة الصحافة العربية من نادي دبي للصحافة 2015، يستهل في مدينة سمرقند، أوزبكستان. يرى أشرف أبو اليزيد فنانا منحنيا فوق مخطوط ، يرسم منمنمة بريشته الدقيقة التي ” يسكب فيها عصارة الفن”.. هذه المشهدية تكون مفتاحا لسردٍ يشرح يوثّق فيه تاريخ فن المنمنمات على مر العصور، كقارئة كنت مستمتعة بهذه المعلومات، ولكنني افتقدتُ رؤية وجه ذلك الفنان السمرقندي في ساحات المدينة. وأين ذهب كاتبنا المشّاء بعد ذلك؟ أين عيناه الراصدتان لثمرة تسقط، لضحكة فتاة تتصاعد، لشكوى سائق تاكسي أو ثرثرة أمين مكتبة؟ افتقدت رائحة مائدة العائلة الكورية التي انضم إليها الكاتب في مدينة جوانج جو، والتعرف إلى أنواع المخللات الكورية..والذهاب معه إلى دار الأوبرا للاستمتاع بعرض موسيقي يجمع كواكب من الشرق. شعرتُ أن هذا الاستطلاع الأخير حُرم من المستوى الثالث من”المعاينة”، المستوى النفسي، الفلسفي، بفقد العنصر الذي تتطلبه الكتابة الميدانية: المشاهدة الحية. كان مقالا صحفيا ثريا، بلا شك استحق جائزة الصحافة ، ولكنني افتقدت إلى روح المستطلع، الذي عوّدنا أشرف أبو اليزيد بسكب عصارتها في كتاباته ۔ وختاما، إن دل هذا الشعورعلى شئ فإنما يدل على أهمية محافظة مجلة العربي على استمرارودعم الاستطلاعات الميدانية كركن أساسي في أبواب المجلة العريقة، وضرورة إطلاق المستطلع لارتياد الآفاق، للسفرالفعلى على النهر. 
وتعقيبا على تلك الملاحظة، كشف الرحالة عن سر الموضوع الأخير، الذي كان فصولا من كتاب له عن المنمنمات، خص به مجلة العربي، كهدية حين تعذر وجود استطلاع مصور، وهي الهدية التي كوفئت قدريا بالجائزة المرموقة. 
أما الدكتور محمد عليم فتناولت ورقته عددا من العناوين الكاشفة والمفسرة، حيث تحدث عن سمات الكتابة في أدب الرحلة لدى أشرف أبو اليزيد، وتناوله للحدث الواقعي من منظور الأديب، متجاوزا للتأريخ، إلى مخاضات الرؤية في سياق سردي يعبر عن صاحبه، كما تميز باستحضار الممفارقة، كما في رحلتيه إلى قرطبة وتتارستان، مثالين، كما لم تتوقف الجرعات الثقافية على المعلومة أو حتى المعرفة لنوع واحد، ولكن يتداخل فيها التراثس بالتاريخي بالمعلوماتي، عن المدن والطرقات والبيوت والأشجار والبشر ومختلف الكائنات. ورأى الدكتور عليم أن أعلى حالات الأدبية تأتي حين يمتزج التاريخي الماضي بالتوثيقي الحاضر، وتبرز ذات الكاتب ورؤيته الخاصة (ص 54).
وقال عليم أن هناك في “نهر على سفر” للكاتب أشرف أبو اليزيد خبرة بالقاريء، تسجلها نسب استقصاء المعلومات، رغبة في اصطحاب ذلك القاريء إلى عالم الكاتب، كما أن الوصف لا يأتي مجردا ولكنه اشتباك مع الرؤية الكاتبة في سياق أدبي. كما أن أشرف أبو اليزيد لا تستغرقه حالة سردية تخرجه عن سياقه الأصلي.
وقدم د.نزار العاني قراءته الخاصة بالكتاب بقوله إن أشرف أبو اليزيد؛ الشاعر والروائي والصحافي ، سافر كثيراً وأفرطَ في السفر، لكنه في كتابه ( نهرٌ على سفر) فعلَ ما يحلو لنا أولاً ، وربما ما يحلو لنفسه ثانياً ،إذ إنه اعترف أمام القارئ / الكاهن : “حين يسافر المرء يعيد اكتشاف ذاته” ، وأضيف أنا : ويسمح للآخرين من اكتشاف مغزى السفر النهائي ، واكتشاف دخيلة المسافر وبواطنه ،وفي هذه الورقة محاولة لفعل ذلك .
واستعان الناقد بمهنته الطبية وميزان الصيدلاني الذي رافقه طويلاً ، والمنهج العلمي الراقد والممسك بتلابيب دماغه ليسرد معلومات الكتاب؛ 336 صفحة من القطع الصغير، حوالي 60 ألف كلمة، مرصّع بـ 65 صورة فوتوغرافية توضيحية ،وبعضها يضع الجمال رهن عينيك ، فتغلقهما على حلم ، ودزينة من اللوحات. وأن هذه الإستطلاعات (الإستطلاع مصطلح من ابتكار أحمد زكي أول رئيس تحرير لمجلة العربي حيث يعمل كاتبنا وعلى صفحاتها نشر وينشر استطلاعاته ، إذ رأى الدكتور زكي أن في مصطلح ريبورتاج عُجْمَة منفّرة فطاوعته ثقافته اللغوية على ابتكار هذا المعادل) الثلاث عشرة دزينة مكتملة من الأماكن والمدن في إحدى عشرة دولة هي وفقاً لترتيب تناولها: إسبانيا، ألمانيا، إيطاليا، تتارستان، بلغاريا، الهند، كورياالجنوبية، أوزبكستان، الصين، كوستاريكا، جنوب أفريقيا . ومَرَد عدم تطابق عدد الإستطلاعات (13) مع عدد الدول (10) هو زيارتان إلى الهند ، وبحث معمق واحد عن فن المنمنمات ومدارسه وخصائصه رأى فيه المؤلف رحلة واستطلاعاً وأضافه إلى سِفْر رحلاته.
وقال الناقد إن المساحة المفترضة لهذه الدول تتجاوز 15 مليون كم مربع وعدد سكانها أدنى من ثلاثة مليارات نسمة بقليل وينفتح التاريخ على مُتّسعٍ من الزمن. والعينات العشوائية التي ترصدها الإستطلاعات تشي ولو قليلاً بالخصائص النفسية والحضارية لهذه الجموع الغفيرة من البشر، وتتلمّس عبقرية هذه المساحات إن كان للمكان عبقرية كما يقول جمال حمدان، ورقم الكتاب في سلسلة كتاب العربي التي بدأ صدورها عام 1984هو 101 ، وكأنه وداعاً للمئوية الأولى وفاتحة للمئوية الثانية ، وبذلك يضيف أشرف أبو اليزيد إسمه إلى قائمة طويلة من أسماء بعض المشاهير الكبار الذين ساهموا في إصدارات هذه السلسلة ، وهم مع حفظ الألقاب : أحمد زكي، عبد الحليم منتصر، فاخر عاقل ،فؤاد زكريا، محمد خليفة التونسي، شاكر مصطفى، أحمد بهاء الدين، نقولا زيادة، جابر عصفور، زكي نجيب محمود .. وهذا إنجاز لـ “أشرف” يضاف إلى الجوائز التي نالها .
ويخرج العاني من إهاب العلم ، إلى ضفتي النهر الذي على سفر، ليفسر شكل الماء ويتذوق طعمه ويتزمزم بنداوة برودته إن حاصرنا القفرْ، فيقول :
“في توصيفي لمؤلف الكتاب أنه شاعر وروائي وصحافي ، والذي في نفسي وليس في نفس يعقوب أن الثلاثة هم الذين ألفوا الكتاب وليس واحداً منهم . وأشرح باختصار . في السيرة الذاتية الملحقة في ذيل الكتاب يسجل أشرف أبو اليزيد أن أول إطلالاته الأدبية تمثّلت بديوان شعر عنوانه “وشوشة البحر” وكان ذلك عام 1989 وهو في السادسة والعشرين من العمر ، ويبقى تابعاً مطيعاً للشعر إلى عام 2005 حيث يُصدر خامس ديوان له بعنوان “ذاكرة الفراشات”، وبعد ذلك يُصدر عام 2008 أول عمل روائي له ، وفي مسيرته الحياتية والمهنية ارتحال دائم من الترجمة إلى التفرغ للصحافة الثقافية والكتابة للطفل وعن التشكيل والنقد وممارسة التحقيق وملاحقة ضجيج الندوات والمؤتمرات . الرجل يُفصح عن طينته وهو لا يثبت على صراط ! إنه باختصار كما قال عز الدين اسماعيل : “قلق الإبداع” . كل هذه الفعاليات تتشابك في ورشة عمل نفسيّة وفكرية لتورط صاحبنا “أشرف” في الخروج من درب الإمتثال إلى جنس أدبي محدد ، وتدفعه إلى الدخول في متاهة الترحال التي أطلق شرارتها الأولى هيرودوت ، وماهذا الكتاب الذي أقدمه لكم سوى الصدى لتلك النقلة السحرية من السراط المفضوح المعالم، إلى المتاهة المترعة بالعجائب والدهشة.وأصحبكم لنتملّى قسمات الثلاثة في “أشرف” واحد ، أو الواحد “أشرف” في ثلاثة أو أكثر ، وسأسرد الأمثلة على عَجَل .
ويرى د. نزار العاني إن عنوان الكتاب هو العتبة . “نهرٌ على سَفَر” : في العنوان إيحاء ورمزية وضربٌ على مقولات هيراقليطس وحديثه عن النجوى والتبدلات وأن لا شيئ ثابتاً في الحياة سوى ثابت التغيير. في العنوان نلمح غواية الشعر:
“نجلس في أفياء النص ونقرأ تجليات الكاتب الشاعر : ( الفلامنكو فن تحتسيه المدن الإسبانية مع خبز الحياة ..فتاة من كتاب الأندلس ..الاقدام ستنسج في رقصتها إيقاعاً ظل يحلم به قبل أن يولد ..لعلّ العرق الذي تدحرج قطرة قطرة ، مثل نهر الذهب ..لعل الموسيقى التي حركت الجسد كتبها زرياب .. ولعلّ الثوب الذي ترتديه من شجرة قطن نبتت بذرتُها في الشرق ).ص15 ومئات الجمل التي تزهو بشعريتها وتهجس بجماليات اللغة والحرف المستسلم للطراوة : ( تعبرها الفتيات على أجنحة الضحكات/شريان تجري به دماء من طيور وزهور/كأن في الحجر حياة/هل تحاول برلين تجفيف الدموع؟/ بعيداً عن الموت تبهجنا الحياة …..) واختيار الجذاذات الشعرية مفتوح على مدى الصفحات .
نمضي وئيداً ليقصَّ علينا الكاتب الروائي : (مُضاءً كان الطريق من المطار إلى قلب المدينة ! سألت متعجبا:هل جاء الفجر؟ فكانت الإجابة الأكثر عجباً : ذلك هو ليل المدينة، مضيء دائماً، وكأن الشمس لا تنام في تتارستان ، وإنما تغفو بنصف عين ، أو تكاد، وماهي إلا ساعتان حتى بكّرت الشمس بالخروج إلى عملها ) ص 81
ويقول د. العاني إنه في “أدب الرحلات” عموماً لا مفرَّ من السرد . هذا الجنس الأدبي في جوهره نُزوعٌ مُضمر للقص ، وسقوط طوعي في فخ “الحكي” الذي يرى فيه غارثيا ماركيز الإكسير الروائي . ودون الإستغراق في اقتناص الشواهد ، تبدو الآلاف من كلمات الكتاب سلسلة طويلة من الحكائيات حول كل شيء :الثقافة ، الفنون، العمارة، الآثار، الفكر، الإقتصاد، التعليم، الأطعمة، التضاريس، التاريخ، القوميات، الأزياء، الأديان، القبور، الصناعة، التقاليد،الأدب،المواصلات، السياسة وحين أقول كل شيء فأنا أعني ما أقول ، أي من بطل كمال الأجسام أرنولد شوارزينغر إلى جمال عبد الناصر ونيلسون مانديلا ، ومن أسماء الطيور في الشعر والكتب إلى صعود وسقوط الممالك ، ومن الرقش والزخرفة إلى شطف الألماس بماكينات الليزر:
“ولأن الحكي عن أي شيء ، وكل شيء ، يحتاج إلى دُرْبة صحافية عالية ورفيعة فإن ثالث الواحد المتعددحاضرٌ في شخص سندبادنا الجالس بيننا ،من وكالة رويترز إلى مجلة أدب ونقد ونزوى سابقا ، والعربي حالياً ، تبدو جعبة الكاتبالصحافي مليئة ومزدحمة بكل أنواع الحكي وإليكم فيما يلي الشاهد والدليل على نمو غريزته الصحافية: (في المدرسة المسماة آسيس ودياني ، يسلمني ملصق صغير إلى دائرة الخطر المحيطة بالبنات في كوجرات : اختفاء أكثر من 40 ألف فتاة ،لماذا؟ويقدم الملصق صورة بيانية للعدد المفقود سنوياً ،بين 976 فتاة في سنة 1961 و 933 في سنة 2001 . الفقر والمرض ، وربما الجريمة، تقف جميعاً وراء تسرب البنات من المدارس..) ص 130.
أختصرُ كل هذا الإسهاب بجملتين أو ثلاث مفيدات : الموشور “الأشرفي” ثلاثي الأوجه ، الشاعر والروائي والصحافي ، وأحيانا الرباعي والخماسي ، ساهموا جميعا في تحرير هذه الرحلات التي كانت شاقة على الكاتب ، الممتعة دون شك للقراء ، وقام الموشور بتحليل ضوء السفر الوحيدإلى مهرجان من ألوان المعرفة وسحر الفنون وجاذبية التجوال في دروب الحياة الواسعة .
ويختتم د. نزار العاني قراءته بقوله :
“قدم أشرف أبو اليزيد كتاباً مهضوماً وفاتحاً لشهيّة القراءة ، وحفر إسمه عميقاً بين القلة من الأدباء المصريين الذين كتبوا في هذا الجنس الأدبي : حسين فوزي بسندبادياته ، أنيس منصور بجولته التي لا تنسى حول العالم ، الظريف محمود السعدني وسخريته من الصعلوكي في بلاد الأفريكي وجمال الغيطاني الذي أيقظ هذا الجنس الأدبي من كسله وغفوته عبر أكثر من عمله، ثم يتساءل الناقد:
“هل اكتشف الأديب أشرف أبو اليزيد ذاته من خلال تجواله المرهق ؟ هذا ما لا أدريه !
الثانية : هل اكتشفتُ أنا مغزى السفر حين وضعت “جندولي” في النهر المسافر؟ أقول نعم، إذ لولم يسافر ديكارت كثيراً لما توصل إلى الكوجيتو القائل (أنا أفكر ، إذن أنا موجود) وليته قال (أنا أسافر،إذن أنا موجود) . ثمّ هل اكتشفتُ أنا دخيلة مسافرنا أبو اليزيد وبواطنه ؟ أقول ربما ، فكاتبنا مسكونٌ بالشغف المعرفي، والتفتيش عن الجمال، والرهان على التقدم، والإيمان بدور الثقافة والفن، وهو مجتهد وصبور وطموح ويعرف ماذا يفعل وكيف يفعل.
ومن بين ملاحظات إبراهيم فرغلي تساءل عن تناول الرحالة لمدينة قرطبة رغم أنه يشير أنه لا يريد الخوض في الكلاشيهات الشائعة ولكنه كررها، لأنه يتحدث عن الحضارة الأندلسية باعتبارها حضارة عربية مستلبة بينما هي في الواقع مرحلة تاريخية غزت فيها الحضارة العربية إسبانيا. لم تكن هناك إشارة لهذا في النص. وقال إن الاهتمام بشكل عام يبدو ميالا لاستعراض كرنفال عن المدن المزارة، وتاريخها ووقائع إحصائية لكن لا تشعر بنبض الناس إلا الماما كما في كوجرات، الذي بدا فيه جليا الاقتراب من نبض الناس أكبر ما أعطى ملمحا من لحم ودم للبشر هناك. أما في في جوانج جو، فظن أن الأسئلة التي يطرحها الموضوع حول الديمقراطية كان يحتاج تدخلا أو إعادة نظر لتأمل تجربة جوانج جو وأحداث 18 مايو، مقارنة بما يحدث في عالمنا العربي اليوم، وأراد أن يعطي للجمهور فكرة عن تجربة المسرحية التي كتب عنها في نص الرحلة. 
وبعد أن وجه شكره للحضور النوعي الذي ضم دبلوماسيين وإعلاميين وأدباء وطلابا، من الكويت ومصر وسورية وتركيا وإيران والهند، قال أشرف أبو اليزيد إنه لم يحاول في رحلاته المدونة أن يختار الجانب الإيجابي في مقاصده، ليكون قارئه أمام تجارب منجزة وريادية ونموذج في التقدم والتنمية البشرية لاستخلاص الدروس، عوضا عن أن يكون هجَّاء، أو مادحا، لذلك تعد الرحلة عنده وثيقة تاريخية بلغة الأدب.
وحين تناولت بعض التعقيبات طرائف وأسرارا، قال مؤلف الكتاب إنه يحب الرقم 13، فقد اختار 13 رحلة ليضمنها الكتاب، من بين 13 سنة قضاها في العربي، وإن ذلك له أصداء في يوم ميلاده 13 مارس، وسكنه في القاهرة بالطابق الثالث عشر، وإقامة المسية في مقر المكتب الثقافي المصري بالجابرية في الفيلا رقم 13!
وعما إذا كان اكتشف ذاته في رحلاته كما سعى، قال أشرف أبو اليزيد إن الرحلة لم تنته، وإنه يحاول التجديد دائما، وقد انتقل بالرحلة من سيرة مكان، إلى سيرة إنسان، يعبر الأزمنة والأمكنة، لذلك كانت الرحلات الأخيرة تقتفي آثار أعلام، تركوا بصمتهم التاريخية والفنية والمعمارية تتحدى السنوات وتبقى شاهدة على خلود هذه الشخصيات، بتأثيرها التاريخي والمجتمعي.
وردا على سؤال عن المدينة التي يحب أن يزورها، ولم يزرها بعد، قال إنه يود أن يرى مدينة فاضلة، يتحقق فيها العدل، ويعم عليها السلام، وتنتشر بها ألوان الأرض الخضراء والمبهجة ، وحين يعثر على تلك المدينة فإنه سيود زيارتها والإقامة بها. 
وقال إن استطلاع قرطبة ـ مثالا ـ رسالته يوحي بأن نترك الماضي فلا نعيش على أطلاله للأبد، ونعيش الحاضر، وأن ذلك الآني والمعاصر بصوره الإيجابية موجود، لكن الكاتب لا يميل إلى أن تكون اللغة السياسية لغة مباشرة، وإنما تفهم من سياق النصوص. كما أشار إلى أنه مثلما يذاكر الرحالة المعاصرون قبل سفراتهم، فإن الرحالة القدماء كانوا يفعلون بالمثل، ولذلك تواترت أخبار القدماء ونصوصهم في الرحلات التالية، وكانت هناك، مثالا، أهوالا وغرائب وعجائب في رحلة ابن فضلان، سبق ذكرها في نصوص سبقته.
واختتم بالإشارة إلى المسرحية التي عاشها في عاصمة الثقافة الآسيوية؛ جوانج جو، في رحلة بدأت أمام مقبرة النصب التذكاري لضحايا 18 مايو. كأن الشمس غابت كي تفسح للغيم مكانا ترشرش منه قطرات المطر فوق التماثيل الضخمة والخضراء لعدد من الجرحى من شباب النساء والرجال الذين حملوا لافتات وأعلام كوريا. لا بد أن من بينهم شبابا مثل مين ـ وو، وشقيقه. صمتٌ يلف المكان وصرخات المطر تدق خفيفا فوق النصب التذكاري والعشب الأخضر. صمت جعلني أحاول الإصغاء له وأنا أغمض عيني ، لأحلم، فأجدني ـ عندما فتحتهما ـ أمام تلك التماثيل وشخوصها على قيد الحياة، تمضي قدما واحدا تلو الآخر ، تترك أماكنها وتدعوني ومن معي من الجمهور لمتابعتها، في حين يدوِّي صوت عال لامرأة في ملابسها العسكرية، يقول أشرف أبو اليزيد:
“اكتشفت حين فتحت عيني أنني لم اعد في حديقة المقبرة، بل هو المساء بمدرسة جوانج چو الثانوية للبنات حيث تعرض مسرحية مستوحاة من حياة أولئك الذين شاركوا في ما نعرفه في الوقت الحاضر باسم حركة جوانج چو الديمقراطية .كل كتب التاريخ و فيما يتعلق بمدينة جوانج چو تقول إنها مسقط رأس الديمقراطية الكورية، حيث تظاهر أهل المدينة للاحتجاج ضد الأحكام العرفية ومن أجل حرية الصحافة. مشاهد الحركة و الهجمات العسكرية عليها، حية، لكن حتى الآن لا أحد يعرف من أعطى الأمر للجنود لاطلاق النار على هؤلاء الضحايا. على الرغم من أن انتفاضة جوانج چو الديمقراطية لم تجلب الديمقراطية مباشرة الى كوريا الجنوبية، بل احتاج الأمر إلى حركات أخرى أدت في نهاية المطاف إلى بلد ديمقراطي نعرفه اليوم، إلا أنه عام 1993 أعلن الرئيس كيم يونغ سام موقفه في خطاب : إن الدماء التي سالت في جوانج چو في عام 1980 هي حجر الزاوية في ديمقراطية هذا البلد. تحولت طوابق مدرسة جوانج چو الثانوية للبنات إلى طبقات من التاريخ، أو عقود من الزمن، أو مشاهد انتقال من النظام العسكري إلى سواه، وكنا قد تلقينا إشارة تحذير قبل دخول المسرح بأننا قد نعاني من لحظات يكتنفنا فيها الظلام وهي التي كانت في الواقع تعادل السنوات المظلمة للديكتاتورية التي تحكم البلاد. في الطابق الزمني الأول، لم نكن نتخيل ضخامة هذا المشروع الفني. بدأ هذا المشروع كجزء من برنامج معهد التنمية الذي استضافه مسرح الفنون الآسيوية في مجمع الثقافة الآسيوية بجمهورية كوريا . وفي إطار بعثة لتطوير الفنون الآسيوية ، تم إنتاج العمل المسرحي الفريد الذي يحمل عنوان (ذات يوم، ربما)، من قبل مجموعة من الفنانين والخبراء الدوليين من مجمع الثقافة الآسيوية في كوريا ، ومتحف الفن ، كوتشي ، ومتحف القرن 21 للفن المعاصر ، في كانازاوا في اليابان . و(احلم، فكِّرْ، تحدَّثْ( dreamthinkspeak ، وهي شركة بريطانية تعد المنتج الرئيسي. اسمحوا لي أن أعترف أنه عندما تم حظر استخدام الكاميرات لدينا اندهشت ، و شعرت بالأسف ، حيث يجب أن يرى القراء صورة مع الكلمات لبعض المشاهد من العمل الذي نكتب عنه. ولكن ، عندما كنا نعبر العقود والطوابق، كان لزاما أن نرى أن مثل هذا الأداء فريد من نوعه ، ويجب الحفاظ عليه، لإعطاء كل جمهور جديد نظرة الدهشة الطازجة. غرف التحقيقات التي تسيطر عليها الشرطة مليئة بالشباب الذين وقعوا في الأسر، يتأرجحون بين الاستجواب والتعذيب للاعتراف ببعض الجرائم التي لم يرتكبوها. اخترع المخرج هذه الطريقة عبر إظهار غرف بشكل منفصل يمكن أن تعطيك مشهدا لا يراه الآخرون… 
هذا الابتكار كان إحدى حيل المخرج البارز وهو يثبت أنه إذا لم نتمكن من رؤية الصورة كاملة ، فنحن ما نزال قادرين على اكتشاف الحقيقة، حتى عندما غطى فريق من الممثلين والممثلات أعيننا بغمامات سوداء، كنا قادرين على الاستماع إلى أولئك الذين يعانون، وأصوات أجسادهم تتحرك، وقد يكونون قتلى، وربما يؤخذ بهم مسحولين إلى غرف التعذيب. مرت كل تلك السنوات لتصبح كوريا ، مثل جميع البلدان المنفتحة تحت مظلة الأسواق المفتوحة، جميع العلامات التجارية تعبر الحدود تمهد طريق الحرير للعولمة. ويرسلنا المخرج الكبير إلى مستوى أعلى، وطابق آخر، وعقود جديدة من مراكز التسوق، وألعاب الفيديو المتاجر والمقاهي (حيث يتم تقديم المشروبات الحقيقية مع الكعك الحقيقي!) . كما لم يسمح الصور بدأت في رسم المشهد، وأنا أسأل نفسي: هل كان ذلك المشهد هو ما حلمت به حركة 18 مايو الديمقراطية؟ هل هذه هي الديمقراطية؟ أن نشترك معا في السلوك نفسه بالسعي لشراء المنتجات العالمية ذاتها؟ العديد من الأسئلة والقليل من الإجابات، كنتُ أتأرجح في أفكاري بين حلم جوانج چو وكابوس الحقيقة. طيلة العرض نتابع سيدة عجوزا وهي تجر عربة يد تقليدية، إنها تسير ويساعدها الجمهور في تخطي الطوابق، وكنت أشعر أن السيدة هي كوريا نفسها ، وهي معنا تبحث في تلك العقود الثلاثة الماضية. وصلنا إلى الطابق الأخير لنشعر ببعض الاسترخاء، حيث تضاء الشموع أمام صور ضحايا 18 مايو. في جميع الغرف كانت هناك السيدات اللواتي تقدم لنا الحلويات والمشروبات ، و حتى سألتني أن أغني بينما كانت تؤدي حركاتٍ راقصة، في نهاية الأغنية هتفت والجنسياتُ كلها تردد ورائي: تحيا بلادي. كما الإنتاج، كان الجمهور متعدد الجنسيات. بدأنا نشعر بنبضات قلوب أولئك الضحايا الغائبين، وحين عدنا إلى أماكنهم على خشبة المسرح بالطابق الأول أصبحنا في مكان أولئك الذين كانوا في المشهد الأول ، فكنا نحن تلك التماثيل ذاتها، في حين وضعت مئات الشموع على المقاعد، التي كانت تستقبل الجمهور، تبادل للأماكن، ومزيد من الذكريات.
وقرأ أشرف أبو اليزيد قصيدة الفيلم التسجيلي ويقول فيها: ولي قلبٌ إذا خَفَقَ رأيتَ صدَاهُ بالقَمَرِ / بَنَى جِسْرًا إلى جُزُرٍ بها الغجري والتَـتَري / ومجدافَا مراكبِهِ ثنائي الشِّعْرِ والنَّثْر / وعن اسْمي ستسْأَلُنِي؛”أنا نهرٌ على سَفَرِ” / أغنِّي الآهَ في الهِنْدِ فيرقصُ في الحشا وتَرِي / يُجيبُ الليلُ في السِّنْدِ مُنَمْنَمَةً من الدُّرَرِ / أنا البوذيُّ في الصين، وفي كوريا سَمَا قَدَري / أنا الملاحُ للأبد؛ أنا”نهرٌ على سَفَرِ” / أنا السلطانُ في “أجْرَا” أنا الدرويشُ والقَدَرِيْ / أنا “الرُّومي”، في دربي حَريرٌ طابَ بالشَّجَرِ/ أرى الموسيقى في الحَجَرِ / أرى الخَلاقَ في البَشَرِ / أنا الإنسانُ، ترحالٌ وحلٌّ، “أنا نهرٌ على سَفَرِ”.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *