قراءة: أسامة حبشي*
خاص ( ثقافات )
صدر مؤخراً من المجلس الأعلى للثقافة كتاب “مصر في الأساطير” للباحث عمرو عبد العزيز منير أستاذ التاريخ بجامعة جنوب الوادي، وهذا الكتاب بمثابة دراسة ملحمية في حب مصر، وأيضاً يعد كاشفاً للعلاقة الغامضة التي تربط أهل مصر بأرضها ومحبتهم المعقدة للأرض والتاريخ دون تعصب أو عنصرية.
مصر مهد الحضارات والتاريخ، كانت ولم تزل محوراً مهماً في كل الثقافات والمعتقدات الأخرى، سواء على المستوى الغربي أو العربي، ومصر التي تنبثق أهميتها من أنها أولى خطوات التاريخ، ومن كونها ذلك البلد الذي تعرض لكم من التشوهات والتمسح فيه بشكل لم ينله أي بلد آخر على مستوى العالم، ومنذ البحث في اسمها الذي تراوح نسبه في روايات عدة منها الرواية الأولى التي تعود باسم مصر إلى مصرايم “مصر بن حام”، أو التي تعود بها إلى اليونانيين “وكانت مصر دار الفراعنة واسمها مقدونية”، أو الرواية الثانية التي تعود بمصر لأصول يمنية نسبة لسبأ الأكبر أو حمير وكهلان، وهناك الروايات الأخرى التي تُرجع الاسم إلى وجهة نظر لغوية كما وضح الجاحظ – على سبيل المثال- “إنما سميت مصر بمصر، لمصير الناس إليها واجتماعهم بها، كما سمي مصير الجوف مصيراً ومصراناً لمعبر الطعام”، وحتى عند علماء الآثار اختلفت نسبة الاسم حيث يقول البعض إن أقدم اسم كان “KEME” كيمي”، أو KEMET “كيمت” وهناك من يصوتها “كام” KAM، أو “خام” KHAM. ومن الواضح أن العرب الفاتحين قد بهرتم مصر مثلما بُهر بها الغزاة من فرس وآشوريين ويونان ورومان، وهذا ما انعكس في كتابات الرحالة والمؤرخين، مؤكداً أن الأساطير والحكايات المرتبطة باسم مصر كالنهر لا تكف عن السريان التنازع على نسبة أصول المصريين سواء إلى الحاميين، أو اليونانيين، أو العرب.
أما المادة الفلكلورية التي تدور حول فضائل مصر، باعتباره نوعاً من التأليف الجامع ما بين التاريخ والأساطير والموروث الشعبي والموروثات الثقافية المتنوعة في القرن الثالث الهجري، كانت كالمرجع لكل الرحالة والمؤرخين العرب، وبصفة عامة فإن الأساطير والحكايات التي تناولت الحضارة المصرية القديمة وإنجازاتها قد بقيت رغم عوادي الزمن، وخير دليل على ذلك الأهرامات “أما الأهرام والبرابي فإنها من عجائب البلدان وغرائب البنيان” التي بهرت الجميع ببنائها الهندسي الرائع، مما جعلهم ينسبون بناءها مرة للسحر ومرة بحادثة الطوفان الشهيرة، ومرات على أنها مقابر ليس إلا، أو أنها للعبادات.
الكنوز والملوك المصرية كانت لها أيضاً المكانة في الأساطير العربية “ويقال إن غالب أرضها ذهب مدفون، حتى قيل إنه ما فيها موضع إلا وهو مشغول بشيء من الدفائن”، و”الطلسمات بأرض مصر والشام كثيرة ظاهرة الأشخاص، غير أن أفعالها قد بُطلت لتقادم العهد”. والثابت من هذا كله أن مصر اشتهرت في أول الأمر بالسحرة والساحرات خاصة، ما أدى لسيطرة الخرافة والأساطير على عقول الناس في ما يتعلق بالبحث عن الذات من خلال المال والثراء” اعلم أن كثيراً من ضعفاء العقول في الأمصار يحرصون على استخراج الأموال من تحت الأرض”.
إن مصر- كما يقول قاسم عبده قاسم- طوال تاريخها القديم بهرت العرب والإغريق، وتودد الإسكندر الأكبر إلى شعبها حين زعم أنه ابن الإله آمون، وتبنى البطالمة الديانة المصرية القديمة، بكل ما تحمله من أساطير، وأيضاً السلالة البطلمية تمصراً وصارت ثقافتها هي ثقافة كل المصريين، وحين جاء الإسلام تصحبه اللغة العربية، امتزج ما جاء به بتراث مصر العريق، ولم يتنكر العلماء والباحثون لتراث مصر ولأن الأساطير تحمل الذاكرة الاجتماعية وتعبر عن العقلية التي صاغتها، فقد كان طبيعياً أن نجد في الأساطير العربية أصداء تتعلق بمصر، ذلك البلد العريق القديم قدم الحضارة نفسها، إنها أولى خطوات التاريخ بلا شك.
وأخيراً فمن الندرة أن نجد كتاباً أكاديمياً تاريخياً بهذه الدقة وهذا البحث والدأب، وأيضاً بهذا التشويق وكأننا نقرأ رواية تاريخية ممتعة وثرية في آن، إنه كتاب العشق التاريخي لمصر من خلال رحلة البحث عن مصر في الأساطير العربية.
ــــــــــــــــــ
* روائي مصري