*خالد عزب
شرع عدد من المجموعات الناشطة على «فايسبوك» في العالم العربي في تحويل الكتب الصادرة قديماً وحديثاً، إلى ملفات رقمية تجعلها متاحة عبر ذلك الموقع الشبكي. وزاد الأمر توسعّاً بأن شمل الرسائل الجامعيّة، بل شرع بعض الباحثين في إرسال أعماله لذلك النوع من الـ»غروبس» Groups، مقابل الحصول على مراجع أو مصادر في مواضيع يهتم بها أو يُجري بحوثاً عنها.
وتكشف تلك التفاعلات عجز دور النشر العربية عن مواكبة متطلبات هؤلاء الباحثين، وهو الأمر الذي جعلته كثير من دور النشر الدوليّة مجالاً لعملها، بل عملت على تطويره بطريقة تتماشى مع إيقاع التقدّم التقني، خصوصاً في المعلوماتية والاتصالات المتطورة.
لا أسماء مستعارة
يبرز بين ذلك النوع من المجموعات العربيّة التي أخذت في الظهور في شكل وازن على «فايسبوك»، «تجمّع مؤرخي ومحبي التاريخ الإسلامي» الذي يضم قرابة 11 ألف باحث من مصر والعراق والأردن والسعودية وغيرها. وتولّى أولئك الباحثون تبادل رسائل جامعيّة حول موضوعات يصعب العثور على مصادر عنها بالطرق التقليدية. ومن المستطاع إعطاء نموذج على ذلك بموضوع الطقوس الجنائزية في بلاد الرافدين أثناء الألف الثالث قبل الميلاد، وهي مقال للباحثة إيمان حسين من «جامعة القادسية» في العراق.
وثمة «غروب» عربيّة مشابهة برزت أخيراً على «فايسبوك»، تحمل اسم «تاريخ وآثار دولة المماليك». وتضم المجموعة باحثين من مصر ولبنان والأردن وسورية والعراق، وصل عددهم حاضراً إلى ما يزيد على 17 ألف باحث. ويلفت في تلك الـ»غروب» أنها وضعت قواعد لانتماء الأعضاء إليها، وطريقة عملهم معها، من بينها الإصرار على مجانيّة ما تقدّمه المجموعة وما يظهر على صفحتها في «فايسبوك»، التي تعرّف عن نفسها بوصفها صفحة علمية ببلوغرافية.
وتشدّد أيضاً على أن هدفها يتمثّل في تقديم يد العون للباحثين في الوطن العربي، عبر توفير مصادر ومراجع عربية وأجنبية، مشيرة إلى أنّها لا تقبل الأسماء المستعارة.
برزت أهمية تلك الـ«غروب» مع اندلاع الحرب السورية وصعوبة الوصول إلى الرسائل والكُتّاب السوريّين. ومثلاً، هناك رسالة الباحـــث شادي الخطيب المعنونة «تطور الصيدلة في مصر في عصر المـــماليك» التي نوقشت في «جامعة حلب»، والتي كانت من أكثر الرسائل الجامعية التي لاقت طلباً من الباحثين.
وفي سياق متّصل، اتّجه مدراء تلك المجموعة إلى الإعلان عن إصدارات جديدة من الكتب، على غرار الإعلان عن صدور ترجمة كتاب «الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي مؤسّس مصر الحديثة» للمؤلف هنري دوديل، وهو من منشورات «المركز القومي للترجمة بالقاهرة».
ويلفت في عمل تلك المجموعة، اهتمامها الفائق بتبادل الكتب النادرة (بعضها مفقود من الأسواق منذ مدّة) بين المنتسبين إليها، خصوصاً تلك التي صدرت في العراق ويندر وجودها حاضراً في المكتبات العامة والخاصة. ومن الأمثلة على ذلك، ومن بينها كتاب الدكتور محمد حسين الزبيدي «إمارة المشعشيّين: أقدم إمارة عربية في عربستان».
في السياق عينه، اتّجهت بعض المجموعات إلى دور تملك فعاليّة كبيرة في تعضيد حركة التأليف والنشر في الوطن العربي، كـمجموعة «المقرأ خانة» التي وصل عدد منتسبيها إلى ما يزيد على عشرة آلاف منتسب. وتنشر مقتطفات من الحِكَم وسير العلماء وأغلفة الكتب، خصوصاً الإصدارات الأشد حداثة. وبرزت أيضاً مجموعة «نادي تبادل الكتب الإلكترونية» الذي يضم ما يزيد على 20 ألف عضو.
حال عربيّة مختلطة
يتوزّع النشر الرقمي العربي على فئات متنوّعة. إذ يعنى بعضها بتوزيع الكتاب المطبوع عبر شبكة الإنترنت، لعل أبرزها موقع «نيل وفرات» الذي أصبح أيقونة في ذلك المجال، بل شجعت تجربته عدداً من الموزعين على الولوج إلى مجال توزيع الكتب والترويج لها عبر شبكة الإنترنت، على غرار مواقع «جوميا» Jumia و»سوق» Souq (ضمن نشاط الموقعين في التجارة الإلكترونيّة) و«جمالون» Jamalon المتخصّص في الكتب العربيّة.
والأرجح أن تلك المحاولات استُهلّت في العام 2012، وتصاعدت في العام 2013، لكن عملياتها تواجه صعوبات تتعلق بضعف بنية تلك الشركات، وتعدّد مكتباتها، وارتفاع تكاليف الشحن التي تضيف عبئاً على سعر الكتاب.
وتعمل الفئة الثانية من النشر الرقمي في توزيع الكتب بصيغ رقمية. وتواجه مشكلات تتعلق بالاستفادة من تقنيات هدفها ضمان عدم سرقة الكتب الرقميّة من جهة، وإتاحتها بصورة مجانيّة عبر الإنترنت من جهة ثانية، وهو ما يراه الناشر الأصلي إهداراً لحقوقه.
في السياق، دخلت شركة «فودافون- مصر» عوالم النشر الرقمي منذ فترة ليست ببعيدة. وتميّزت تجربتها بأنها تحاول إتاحة الكتاب العربي رقميّاً عبر الأجهزة اللوحية «تابلت» Tablet والتطبيقات المخصّصة للهواتف الذكيّة.
وعلى رغم صعوبة الحكم على المدى الكامل لنجاح تلك التجربة التي بدأت في عملها منذ العام 2012، خصوصاً أنها تستخدم تقنيّات نوعيّة تعتبر جديدة بالنسبة لكثيرين من الناشرين. ويلاحظ أيضاً أن «فودافون- مصر» أتاحت الآلاف من الكتب العربيّة الموجودة على موقع «كُتُب غوغل» Google Books على منصّاتها، من دون الحصول على حق الإتاحة من عددٍ كبير من الناشرين العرب، وهو أمر يتفق مع طريقة عمل «كُتُب غوغل»، لكنه ربما يثير استياء بعضهم بطرق متعدّدة.
تجربة سعوديّة
في سياق النشر الرقمي العربي، هناك مواقع تسعى إلى بناء قواعد للمعلومات عن الكتب وتسويقها. ويبرز في ذلك الصدد، موقع «دار المنظومة» الذي تأسس في الرياض العام 2004. وفي العام 2015، ظهرت مجموعة من المواقع الشبكيّة العربيّة التي تمثّل منصات لقواعد معلومات متخصّصة في البحث والاسترجاع. وتشمل قائمة تلك المواقع – القواعد، «إديو سيرش» Edu Search المتخصّصة في المعلومات التربوية، و «إسلامِك إنفو» Islamic Info المهتمّة بالعلوم الإنسانية والقانونية، و «إيكو لينك» Eco Link، وهي قاعدة معلومات عن الاقتصاد والإدارة، و «هيومن إندي» Human Indy المتخصّصة بالعلوم الإنسانية، و «دار المنظومة» التي تعنى بالرسائل الجامعية، و «آراب بايز» Arab Base المهتمّة باللغة والأدب.
الأرجح أن الخدمة الأكثر أهمية في ذلك السياق، هي تلك التي يقدّمها موقع «المنظومة» عن الرسائل الجامعيّة، استناداً إلى قاعدة معلومات تضم ما يزيد عن 70 ألف رسالة من 170 جامعة وكلية في الوطن العربي.
وسعياً منها الى تخطّي عقبات البيروقراطية في الجامعات العربية، لجأت «دار المنظومة» إلى مخاطبة الباحثين مباشرة. وتنافسها في ذلك المجال، شركة «آسك زاد» Ask Zad المصرية التي تضم قاعدتها ما يزيد عن 7 آلاف رسالة من أكثر من 100 كلية ومعهد عربي، و24 ألف كتاب و191 دورية، مع كشّاف الرقمي يضم قرابة 300 ألف عنوان. وفي المجال عينه، تبرز منصّة «المنهل» التي تقدّم خدماتها في النشر والتوزيع الرقمي للمكتبات والأفراد. وبلغ عدد المكتبات التي تشترك في تلك المنصة، قرابة 450 مكتبة من 140 دولة، مع الإشارة إلى أن تلك المنصة تحتوي أيضاً كتباً ودوريّات ورسائل جامعيّة.
في السياق عينه، يمكن الإشارة إلى وجود مكتبات رقمية لعدد من المؤسسات الثقافية في العالم العربي، لعل أبرزها مشروع «دار» dar، وهي مكتبة رقمية تحتوي على 24 ألف كتاب، أطلقتها «مكتبة الإسكندرية».
ولعل أشد ما يؤرق حركة النشر في الوطن العربي، تصاعد دور المكتبات الرقمية الأهلية، التي يعمل فيها متطوعون وتهتم برقمنة الكتب الصادرة عن دور نشر عربية، كـ «مكتبة المصطفى» و «المكتبة الشاملة» وغيرهما.
وفي تفاصيل تلك الصورة، تبرز ضرورة صنع أقنية للتوزيع الرقمي المنخفض التكلفة، إضافة إلى قصور القوانين في معظم الدول العربية عن التعامل مع تلك الظاهرة. وفي حال تعديل القوانين لتكون صارمة للتعامل مع هذا الوضع، وحجب وزارات الاتصالات تلك المواقع، ربما يظهر طلب على مواقع آخرى تحترم حقوق الملكية الفكرية للمؤلف والناشر.
_________
*الحياة