*مريم الساعدي
يظن البعض ممن هيأت له الظروف الموائمة لوضع أفكاره بين دفتي كتاب، مطبوع اسمه على غلافه، ويباع في المعارض والمكتبات، مع احتفالات توقيع هنا وهناك، أنه أصبح مستغنياً عن القراءة، وعن تقدير مواهب الآخرين، وعن الإحساس بأنه ربما لا يكون كاتباً جيداً حقاً، وأن كل هذا يمكن أن يكون مجرد احتفالية إعلامية لها حساباتها الخاصة لا تخص إبداعه بالضرورة.
أتجول في المدونات الإلكترونية أحياناً. حين يسكن قلبي ضجر وجودي، يحيلني إلى دوامة أسئلة مرهقة على شاكلة: من أنا؟ وماذا أفعل هنا؟ وماذا فعلت بهذا العمر؟ وماذا لو مت الآن؟ ولكي أهرب من هكذا أسئلة أدفن رأسي في شاشة الكمبيوتر. ولحسن الحظ فالشاشة كبيرة وواسعة، تغطي رأسي تماماً، بحيث لا أضطر لرفع رأسي وتحية الآخرين في كل مرة يعبر فيها أحدهم. ففي لحظات كهذه لا أستطيع رؤية الناس؛ الأسئلة الوجودية الملحّة في فترة النهار الساطع تحيلك لكائن غريب ثقيل الوجود، ولكي لا أزعج أحداً بما أشعر، أدفن رأسي في شاشة، أقلب في مواقع الجرائد، ثم أذهب إلى المدونات الشخصية، في هذه المدونات تجد ما هو أسمى، ما هو أجمل وأرقى بكثير جداً مما يمكن أن تقرأه في الكثير من الكتب والجرائد والمجلات. كتابات رائقة بديعة، مزيج من موهبة خلاّقة، واشتغال صبور متفانٍ على الذات الكاتبة بقراءات متأنية، وتأمل صافٍ شفيف في حركة الوجود. حين أبحث عن أصحاب هذه المدونات، وغالباً أسماؤهم مستعارة، لا أجد أن لهم كتباً مطبوعة، ولا مقالات منشورة في صحف رسمية. إنهم يكتبون بتجرد مثل طيور حرة تحلق في الفضاء الإلكتروني. لا يبتغون شهرة ولا اعترافاً من أحد، حروفهم خالصة بلا شوائب التفكر فيما يمكن أن يعجب المؤسسة أو يغيظ المجتمع، يكتبون لأنفسهم بحرية، تغسل روحك وتشتاق مع حروفهم لنفسك الأولى التي نسيت أين أضعتها. هكذا كتابات تقول لك، أيها الكاتب الذي وجدَت كتبه طريقها إلى دور النشر، ومقالاته طريقها إلى الجرائد الرسمية، انتبه، تفكر، وانظر لنفسك جيداً، أنت لا تحظى بهذه الفرص لأنك الأفضل، ولكن لأنك الأوفر حظاً فقط. يقينك بهذه الفكرة قد يعيدك لسيرتك الأولى، الأكثر طهراً، ونقاءً، والأكثر شبهاً بك. حينها قد تعود إلى أرض الكتابة مواطناً مخلصاً بلا خيانات.
_____
*الاتحاد