أوراس زيباوي
لا تزال الحضارة المصرية القديمة حاضرة في المشهد الثقافي الفرنسي على رغم مرور أكثر من قرنين على اكتشافها، ولا يمر عام إلا وتصدر مجموعة من الكتب الجديدة حولها، وكان آخرها سلسلة جديدة أطلقتها جريدة «لوموند» الفرنسية بالتعاون مع دار «ألتايا» تحت عنوان «إيجيبتومانيا، كنوز مصر القديمة».هذه السلسلة يشرف عليها الكاتب والصحافي المولود في مصر روبير سوليه والذي عمل سنوات طويلة في الجريدة الفرنسية وكان من المشرفين عليها.
والسلسلة، كما أعلنت الجريدة، ستتكون من 32 كتاباً مصوراً مع نصوص علمية تؤرخ لهذه الحضارة وتكشف أبرز ملامحها. وبهذه المناسبة، أقيمت في «معهد العالم العربي» في باريس ندوة لإطلاق هذه السلسلة الجديدة والتعريف بها شارك فيها كل من روبير سوليه وعالمة الآثار الفرعونية غيميت اندريه والأمين في مجلس التراث جان مرسيل إيمبير.
وكما بيّن المشاركون في الندوة فإن افتتان الفرنسيين بمصر قديم. عندما قام الجنرال بونابرت بحملته الشهيرة على مصر عند نهاية القرن الثامن عشر اصطحب معه الى جانب العسكريين جيشاً من العلماء تجاوز عددهم المئة وستين عالماً لأن أهداف الحملة لم تكن فقط سياسية بل أيضاً ثقافية. وخلال إقامتهم في مصر، عمل العلماء الفرنسيون على رصد الواقع المصري في كل المجالات فأنجزوا الخرائط ورسموا بدقة كبيرة الصروح المعمارية بأمر شخصي من بونابرت. وقد صدرت أعمال هؤلاء في كتاب ضخم رائع ذات طابع موسوعي ويحمل عنوان «وصف مصر». ولم تتوقف مساهمة الفرنسيين في اكتشاف الكنوز المصرية بعد انتهاء الحملة، وهنا برز دور العديد من العلماء وفي مقدمهم جان فرنسوا شامبليون الذي تمكن من فك أسرار اللغة الهيروغليفية وكان بذلك المؤسس لعلم الحضارة الفرعونية.
أما العالم أوغوست مارييت فهو أمضى الجزء الأكبر من حياته في مصر ويرجع له الفضل في تأسيس المتحف المصري ووضع التشريعات الأولى لتنظيم الآثار المصرية. ويوجد اليوم في متحف «اللوفر» جناح مصري يستقطب ملايين الزوار سنوياً، وقد لعب هذا الجناح دوراً مهماً في تحفيز الفرنسيين على زيارة مصر للتعرف إلى معالمها، كما بينت عالمة الآثار الفرعونية غيميت أندريه. غير أنّ صورة مصر قد تبدلت في أعين الفرنسيين منذ الثورة التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك. فلقد اكتشف هؤلاء ان مصر ليست فقط الشمس والصحراء والنيل والحضارة القديمة العريقة، بل أيضاً واقع آخر عبّر عنه الشعب الذي يعاني من الفقر والبطالة ومشاكل اجتماعية وسياسية كبرى، وانفجار الوضع الأمني والسياسي، وكلّها عوامل أدت الى عزوف السياح عن زيارة مصر.
ولكن يبقى لمصر سحرها الخاص، وما قيام جريدة «لوموند» اليوم بإصدار هذه السلسلة الفنية عن مصر القديمة إلاّ شهادة جديدة على أن هذا البلد ما زال حاضراً في فرنسا، وأنّ الفرنسيين ينتظرون تحسن الأوضاع الأمنية حتى يواصلوا زياراتهم له. هذا الولع بمصر لا ينحصر في فرنسا والفرنسيين وحدهم، لكنه يطاول كذلك شعوباً أخرى، والدليل هو انتشار الأبنية التي تستوحي المعابد الفرعونية في العديد من الدول، ومنها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة. كما أنّ مصممي الأزياء والملصقات الدعائية في العالم أجمع يستوحون من الحضارة الفرعونية ومن أشهر ملوكها وملكاتها، وينطبق ذلك على النتاج السينمائي العالمي منذ فيلم «كليوبترا» الذي قامت ببطولته ليز تايلور مع ريشار بورتون.
أما بالنسبة الى الفنون التشكيلية فالأمثلة كثيرة عن استيحاء الفنانين، سواء كانوا من الكلاسيكيين أو من رواد الحداثة، من فنون مصر وجمالياتها النادرة في النحت والرسوم الجدارية وتلك المنفّذة على ورق البردى.
____
*الحياة