عام سقوط المثقف العربي


*أميرة المضحي

الثقافة العربية كرست الضياع والتمزق وتقف اليوم عاجزة حتى عن فهم ما يحدث، وهذا العام أكد لي نظرتي حول الأعوام الخمسة الدامية، فعام 2015 هو عام الضياع بلا شك، فكل شيء يضيع من بين أيدينا ونحن مشغولون بصراعات تشي بالوصول إلى الهاوية، بينما يُباد تاريخنا وحضارتنا وإنجازاتنا الإنسانية ومُدننا، فما الذي سينتجه ضياعنا على الأصعدة كلها ثقافيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا سوى المزيد من التمزق والتطرف والضياع.

هذا العام هو أيضا عام سقوط المثقف/ة العربي والذي أثبت للمرة الواحدة بعد الألف أنه مثقف سُلطة، وبأن آراءه، وخياراته، وأفكاره لا يمكن أن تخرج عن الهامش المحدد له سلفا، فأصبح المثقف اليوم ملكيا أكثر من الملك في بعض الأحيان. أي أن الثقافة يقودها مثقف منحاز إلى السقوط، والحروب، والموت، والكراهية، بدلا من الانحياز إلى النهضة، والسلام، والحياة، والمحبة. فكل ما جرى ويجري يثبت صحة مقولة أدونيس بأن الحداثة وراءنا.
نحن لا نمتلك ترف الوقت الذي يتسرب من بين أيامنا، بينما الإنسان والأوطان على وشك الانهيار، والناس يواجهون كل شيء بسخرية وبخوف، فأصبحت ثقافة الشارع مزيجا بينهما، فهل هو إنكار لكل ما يحدث؟
قراءاتي تنوّعت هذا العام بين الرواية والسير الذاتية والكتب الفكرية والنقدية، ووجدت الأهم بالنسبة إليّ “الرواية المفقودة” وهي سيرة غير مكتملة لوزير الخارجية السوري السابق فاروق الشرع، وفي الكتابة الإبداعية كتاب “ما وراء الإبداع” للروائي إبراهيم عبدالمجيد، وفي السياسة كتاب “من يمتلك العالم” وهو مجموعة مقالات ومحاضرات لنعوم تشومسكي، في النقد “ذروة الحياة” للناقد السعودي عيد الناصر، وفي الفلسفة “الوجودية منزع إنساني” للفيلسوف الوجودي جان بول سارتر، و”العقد الاجتماعي” للكاتب والفيلسوف جان جاك روسو، وكتاب “المسلمون بين التقريب والوحدة والفتنة” للسيد هاني فحص، وكتابي الدكتور مصطفى محمود “حوار مع صديقي الملحد” و“رحلتي من الشك إلى الإيمان”، وكتاب “اللاهوت العربي وأصول العنف” للمفكر يوسف زيدان، والذي يعقد فيه مقارنة بين الأديان الإبراهيمية الثلاثة التي يراها ديانة واحدة بتجليات عدة، في محاولة جادة وموضوعية لمعرفة لماذا حدث ويحدث كل هذا العنف في بقعة جغرافية تتالى عليها الأنبياء والرسل.
في الرواية أجد رواية “الطنطورية” لرضوى عاشور من أجمل ما قرأت، كما قرأت روايتي “محال” و“جونتنامو” ليوسف زيدان و”قواعد العشق الأربعون” للروائية التركية أليف شافاك و”في الهُنا” لطالب الرفاعي و”مقهى الشباب الضائع” للروائي الفرنسي باتريك موديانو ورواية “القندس” لمحمد حسن علوان، ومن إصدارات هذا العام قرأت الرواية الأخيرة للأديبة غادة السمان بعنوان “يا دمشق وداعا” التي أعتبرها الأهم على مستوى الذكريات والحنين واللغة، في الرواية تستكمل السمان حكاية بطلتها والتي بدأتها في رواية سابقة صدرت عام 1997؛ تتقاطع حكاية زين الخيال مع حكاية كاتبتها والتي وصلت إلى لحظة التمرد الحاسمة عندما ودعت دمشق في زمن الستينات، معبرة عن حنين لا يمكن لها إخفاءه عندما كتبت في الفصل الثاني من الرواية “ليس بوسع أحد ذاق ماء نبع الفيجة أن يمتلك مناعة ضد الحنين”، وفي ذات الفصل تقول “حبي لدمشق يذلني”.
الفكر العربي في مأزق، في ظل انخفاض سقف الحرية الحقيقية وتوحش الرقابة وزيادة منع الكتب، والذين يتصدرون المشهد الثقافي والإعلامي يقودون العقل الجمعي نحو الوهم والتسطيح وغياب العقل، في لحظة تاريخية فارقة نقف فيها نحن شعوب المنطقة على المحك.
___
*العرب

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *