“لوليتا” … بين نابوكوف وكوبريك




*وليد سليمان


لم يحقّق الكاتب الروسي فلاديمير نابوكوف الشهرة العالمية التي طالما سعى إليها إلا بعد صدور روايته “لوليتا”، وبعد أن كتب عديد الروايات بالروسية والفرنسية دون أن يلاقي اهتماما يذكر انتقل للكتابة باللغة الأنجليزية مباشرة بعد أن استقر في أمريكا.
وبعد أن رفض أربعة ناشرين أمريكيين نشر رواية “لوليتا” المكتوبة أصلا بالأنجليزية، قبلت دار “أوليمبيا بريس” للنشر المخطوط، وصدر الكتاب سنة 1955 محدثا ضجّة كبيرة أدّت إلى منع الرواية في عديد الدول الأوروبية. وكان موريس جوريدياس الذي يدير هذه الدار الباريسية معروفا بكثرة القضايا التي كانت ترفع ضدّه بسبب محتوى كتبه الخادش للحياء حسب مقاييس ذلك الوقت.
من الحظر إلى المجد الأدبي
كان على نابوكوف أن ينتظر سنة 1958، ليتم رفع الحظر عن “لوليتا”، التي أنصفها القضاء ونشرت بشكل رسمي في أمريكا. وقد عرفت هذه الرواية سيئة الذكر نجاحا باهرا في الولايات المتحدة الأمريكية أولا، حيث بقيت طيلة 180 يوما ضمن قائمة الكتب الأكثر مبيعا، ثم في بقية دول العالم حيث تجاوزت مبيعاتها 15 مليون نسخة.
تتناول رواية “لوليتا” غراميات همبرت همبرت، الأستاذ الجامعي الأربعيني الذي أجّر غرفة لدى الأرملة شارلوت هايز، ثم وقع في غرام ابنتها دولوريس هايز أو لوليتا التي لم يتجاوز عمرها الاثني عشر عاما. لتحقيق مآربه من الطفلة، استغلّ همبرت حبّ الأم له، وتزوّج منها كي يصبح قريبا من لوليتا. وحين اكتشفت الأرملة، من خلال يوميات همبرت، اللعبة القذرة التي لعبها قرّرت الهروب من المنزل وتقديم شكوى للشرطة، فدهستها سيارة ولقيت حتفها…

“لوليتا” من الرواية إلى الفيلم…
خلال صيف سنة 1959، اتصل المخرج الأمريكي ستانلي كوبريك بنابوكوف، وطلب منه كتابة سيناريو مقتبس من الرواية التي كان قد اشترى حقوقها سنة 1958. وهو عرض قبله نابوكوف الذي اشتغل على السيناريو طوال ستة أشهر.
عندما شاهد نابوكوف الفيلم بعد الانتهاء منه بعد أشهر، كانت مفاجأته كبيرة، فكتب: “ردة فعلي الأولى إزاء الفيلم كانت خليطا من الغضب، والندم، واللذة رغم كل شيء.” والسبب في ذلك هو أن كوبريك لم يستخدم إلا جزءا يسيرا جدا من السيناريو الذي اشتغل عليه نابوكوف طيلة أشهر. وهو ما عبّر عنه الكاتب كما يلي: “خلال عرض خاص، اكتشفت أن كوبريك كان مخرجا كبيرا، وأن شريطه “لوليتا” هو شريط من أعلى طراز مع ممثلين رائعين، وأنه لم يستعمل إلا مقاطع نادرة من السيناريو الذي كتبته.”
تم تصوير فيلم “لوليتا” في بريطانيا التي انتقل ستانلي كوبريك للعيش فيها بعد أن غادر أمريكا نهائيا، والتي سيعيش فيها حتى وفاته وينجز فيها بقية أفلامه. وقد قامت شركة أنجليزية بإنتاج الفيلم بدعم من الحكومة البريطانية، وهو ما دفع كوبريك لاختيار الممثليْن البريطانييْن بيتر سيليرز وجيمس ميسون للتأكيد على الهوية البريطانية للشريط.
وهكذا لم يكن الشريط يحتوي على تلك الأجواء الشبقة التي تزخر بها “الموتيلات” الأمريكية (أي تلك الفنادق التي تنتشر على الطرقات ويقضي فيها المسافرون ليلتهم بعد أن يضعوا سياراتهم في مكان مخصص لها). وكان قسم كبير من الرواية يدور في هذه الأماكن التي تتميز بها أمريكا عن باقي الدول.
اختيارات موفّقة
إذا كان اختيار كوبيرك للممثلين موفّقا تماما (شيلي وينترز في دور شارلوت هايز أمّ لوليتا، وسيو ليون في دور لوليتا، وبيتر سيليرز في دور كلاير كيلتي)، فإن الممثل الكبير جيمس ميسن قد تميّز بشكل خاص في دور همبرت همبرت. كما أن اختيار الممثلة سيو ليون، ذات الـ14 عاما، للقيام بدور لوليتا كان اختيارا صائبا وكشف عن موهبة كبيرة في التمثيل، كما مكّن الفيلم من الإفلات من الرقابة نظرا لأن الممثلة كانت تبدو أكبر سنّا.
الحقيقة أن استقبال النقاد للفيلم لم يكن متحمّسا مثلما كان الشأن مع أفلام كوبريك السابقة، ورغم ذلك فإن للفيلم الكثير من المعجبين الذين يستمدّون هذا الإعجاب خاصة من انبهارهم بستانلي كوبريك وشخصيته الخارجة عن المألوف.
نذكر أن رواية “لوليتا” قد اقتبست سينمائيا في مناسبة ثانية سنة 1997، وقد قام بإخراج الشريط الذي يحمل العنوان نفسه أدريان لين وقام بأدوار البطولة فيه: جيريمي آيرونز وميلاني غريفيث ودومينيك سواين. وقد صدرت الرواية بالعربية عن دار الآداب سنة 1988.
_______
*المصدر: مدونة أوكسجين

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *