جيف هالبر: حرب على الشعب ــ إسرائيل والفلسطينيين والتطويع عالمياً
jeff halper, war against the people: israel, the palestinians and global pacification. pluto press, london 2015. 340 pp.
_______
الكاتب، أستاذ الأنثروبولوجيا، معروف في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 لمشاركته في إعادة بناء منازل الفلسطينيين التي هدمتها قوات العدو، وأيضاً بصفته عضو «اللجنة الإسرائيلية ضد هدم البيوت» (ICAHD).
مع أن سلطة محمود عباس أثبتت أخيراً مقدرتها على محاصرة الشعب الفلسطيني ومنعه من التحرك ضد العدو الصهيوني، إلا أن خبرة العدو الإسرائيلي في هذا المجال تبقى أوسع بكثير، ما جعلها مهمة لكل الأنظمة المثيلة له في العالم. فقد تمكن من تطوير منظومة تحكم في الأراضي الفلسطينية المحتلة صارت محل طلب الحكام الحريصين على حماية أنفسهم من غضب شعوبهم. وبكلمات مختصرة، تمكن العدو الصهيوني من «عولمة» فلسطين، أي جعل فلسطين في كل مكان. الكاتب يطلق على تلك المنظومة اسم securatic، أي «أمنقراطية»، وهي نحت من كلمتي أمن وديموقراطية.
وصل الكاتب إلى استنتاجه عندما بحث في أسباب نفوذ كيان العدو العنصري في دول مثل الهند والبرازيل ونيجيريا، على سبيل المثال حيث لا مكان فيها للوبي صهيوني أو رشى أو صهيونية مسيحية للتأثير في السياسة.
رأى أن السبب يكمن في أن الصهاينة ربطوا أنفسهم منذ البدايات بقوى الهيمنة في العالم؛ مثلاً: مشاركة الاستعمارين البريطاني والفرنسي في العدوان على مصر عام 1956.
ومع اختلافنا مع الكاتب في هذا الأمر، فتأسيس كيان العدو كان مشروعاً استعمارياً منذ البداية، كما بيّن إيلان بابه في كتابه المعروض في هذا الملحق، إلا أننا نجد عرضه لتحوله إلى مصدر لتقنية الأمن وتحوله إلى دولة أمنية، مثيراً للاهتمام. يستذكر الكاتب تحذيرات الرئيس الأميركي السابق الجنرال آيزنهاور من تحول المجتمع الصناعي العسكري في بلاده إلى راسم لسياستها، وهو ما ينطبق عليه وعلى كيان العدو. يلحظ هيمنة خمس مؤسسات هي «العسكرتاريا» والمراقبة والاستخبارات والاستخبارات الداخلية وقوى حفظ النظام (MISSILE, military, internal security. survillance, intelligence, law enforcement) على الولايات المتحدة وبقية دول الغرب الاستعماري. وكيان العدو تمكن من إتقان كل ذلك إلى حد الكمال من خلال تحويله الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى معمل لتجاربه في هذه الميادين.
يشدد المؤلف على أن واشنطن هي التي تقود ما يسميه صناعة التطويع العالمية (pacification industrie)، لكن كيان العدو يعدّ متقدماً في هذه العسكرة. يشير إلى أنه يخصص نحو 8% من الدخل القومي للمجهود الحربي، أي أكثر من مصاريف واشنطن نفسها، ما جعل «مؤشر العسكرة العالمي /GMI» يصنفها منذ عام 2007 أكثر دول العالم عسكرة، علماً بأن المؤشر يعتمد على المقارنة بين الدخل القومي من جهة، ومن جهة أخرى الميزانية العسكرية وميزانية الصحة وأعداد القوات شبه العسكرية مقارنة بأعداد الأطباء وأرقام الأسلحة الثقيلة المتوافرة، مقارنة بعدد السكان. رغم مقدرات كيان العدو العسكرية الكبيرة، فإن الطبيعة الجديدة للحروب تجعل خبراتها القمعية ضد الفلسطينيين في أراضي الـ 67 أهم بما لا يقاس لأهمية مسألة ضبط الأمن في الأرض التي تم احتلالها خلال الحرب، وهو ما يملكه. فقد عمل على تطوير علاقة الشرطة بالجيش في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، ويجد الكاتب مثالاً لذلك في «حرس الحدود».
جيف هالبر يوسع بحثه للتعامل مع أهمية هذه الخبرات للرأسمال العالمي وتطلعه المستمر للانتشار والتوسع، والتحكم في مناطق النفوذ الجديدة. فحالة الطوارئ العالمية المرافقة لما يسمى الحرب على الإرهاب، التي لا نهاية لها، تجعل خبرات العدو مصدر اهتمام كل القوى القمعية في العالم؛ وفي مقدمها نظام الوهابيين التكفيري في السعودية. نقطة أخيرة نود الإشارة إليها في هذا العرض المختصر، هي تأكيد الكاتب أن كيان العدو يعدّ الفلسطينيين ثروة لا يمكن التفريط بها لأن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 تشكل المعمل الأهم لتجاربه في حقل الدولة الأمنية، وأن تجارة تكنولوجيا وتقانة التطويع مصدر أساسي من مصادر الدخل القومي.
_______
كلمات
العدد ٢٧٥٨