*يوسف عبد العزيز
تلقيّنا في الأردن خبر رحيل الشاعر جوزف حرب، بمزيد من الألم والحسرة، فهذا الشاعر الكبير الذي زار الأردن مراراً، وقرأ قصائده في مهرجانات جرش وعمّان والفحيص، يُعَدّ واحداً مهمّاً من عشّاق الجمهور الأردني، الذي فُتِنَ بشعره وأحبّه. ليس هذا فحسب، فجوزف حرب هو من ذلك الطراز الرفيع من الشّعراء، الذي كان يجمع في شخصيّته، بين الشعرية العالية ورهافة الروح الإنسانية النبيلة. بالإضافة إلى ذلك كلّه، فهو واحدٌ من تلك الثّلّة من الشعراء المخلصين للشعر، أولئك الذين حدبوا على قصيدتهم، وقطّروها، حتى كانت على ما هي عليه من جماليات مدهشة وحضور لافت.
عدّد جوزف حرب في الموضوعات التي كتبها في شعره، فكان يكتب في القضايا الوطنية والقومية والإنسانية، وفي الوقت نفسه في القضايا الذاتية والوجودية. لقد كتب في كلّ تلك القضايا بمثابرة، وحسّ شعريٍّ عالٍ. أجمل ما كتب جوزف كان في الحب، فقد ابتكر هنا قصيدة الأعماق، تلك القصيدة الفائضة بالأحلام والأحاسيس، وقد فعلت قصيدة الحب لدى جوزف فعلها لدى القرّاء والمشاهدين، حين غنّت العظيمة فيروز عدداً كبيراً من قصائده العاطفية، فكانت سبباً في سعادة أجيال من العشّاق في العالم العربي.
مما يلفت النّظر أيضاً في تجربة هذا الشاعر الكبير، هو هذا التّنقّل الحاذق في كتابته الشعرية، بين اللهجتين العربية الفصيحة والعاميّة اللبنانية، إذ استطاع بمهارة فائقة أن يزاوج بينهما، ويزجّ بهما، في تيّار الشعرية المتدفّق. مثل هذا الأمر يمكن أن يشكّل صعوبة للشعراء الذين يكتبون هذين النوعين من الشعر، بحيث نرى في حالات كثيرة طغيان نوع شعري على آخر، لكنّ جوزف كتبهما بالسوية والشاعرية نفسها.
لعلّ الجنوب اللبناني الذي نشأ فيه الشاعر وترعرع، حيث الطبيعة الساحرة وجرابها العظيم المحتشد بالألوان والأزهار والنجوم والغيوم، كان سبباً واضحاً في تلك المشهدية الأخّاذة التي تَسِمُ شعره. عمل جوزف في كتابة القصيدة، كان شبيهاً بعمل الفنان التشكيلي، حيث نلاحظ في قصيدة جوزف الألوان والخطوط والمشهد العام الذي يتشكّل في اللوحة القصيدة، عن شغفه بالجنوب، وصلته الروحية به يقول جوزف: “أتحدّرُ من شجرٍ شرسٍ، وصخورٍ غامقةٍ، وينابيعَ كمهرٍ برّيٍّ، من أينَ إذن جاءَ سنونو الحقلِ وأصبحَ كفّيَّ؟ ومرَّ ندى الأعشابِ وصار دموعي؟ من أينَ أتت أديرة النّسّاكِ إليّ؟ وكان ضباب الوديانِ بخوري؟ وأصابعُ زيتون الليلِ شموعي؟”.
_______
*(السفير)