عبداالله الساورة
الساعة السادسة والنصف صباحاً يرن الهاتف من مكان بعيد، يحمل الهاتف، وتنتابه ردة فعلٍ طبيعية، من يتصل في هذا الصباح الباكر، يأخذه شيء من الجزع والاهتمام لمعرفة صوت ابنته وهي تقول له:
– أبي عليك أن تكتب خطاباً آخر.
– لماذا؟
– لأنهم منحوك جائزة سرفانتيس، تقول باولينا وهي تبكي فرحاً.
بهذا الخبر الصغير والصباحي والمنتظر طويلاً يفوز الكاتب المكسيكي فرنادو ديل باسو بجائزة ميغيل سرفانتيس لسنة 2015، وهي الجائزة الأدبية الأكثر أهمية ووجاهة ورفعة بين الجوائز الإسبانية على الإطلاق، وتمنح «لمساهمته في تطوير الرواية الجامعة بين التقليد والحداثة، كما فعل سرفانتيس لحظتها. تمتلئ رواياته بالمخاطر التي تعيد خلق الحلقات الرئيسية في تاريخ المكسيك، مما يجعلها أساسية». حسب الأكاديمية إيناس فرنايز أودونيس، رئيسة لجنة التحكيم. يقول انطلاقا من منزله بكوادلاخرا «إنه اعتراف كبير لكل هذا الجهد الذي بذلته طيلة ستين عاماً من أجل الكتابة، واعتراف للكتب الرئيسية لبيوغرافيتي».
الكاتب المكسيكي ديل باسو طور أدباً حيث «يأخذ المخاطر بشكل مبتكر، عمله جزء من تاريخ أدب أمريكا اللاتينية». يتحصل الفائز بالجائزة على مبلغ مهم يقدر بـ125.000 يورو، سيتم منحها في حفل خاص في 23 نيسان/أبريل 2016 في جامعة قلعة دي هيناريس.
الكاتب المكسيكي رقم ستة الذي ينال هذه الجائزة إلى جانب أوكتافيو باث 1981، كارلوس فونتين 1987، سرجيو بيتول 2005، خوسي إيمليو باتسيتكو 2009، إيلينابونيا تُوسكي 2013.
يشكل ديل باسو، الرسام والدبلوماسي والأكاديمي والمستمع في أغلب أوقاته بالراديو، والصحافي والسارد والكاتب للمقالات الصحافية، جزءاً مهماً من جيل الكتاب لأمريكا اللاتينية في منتصف القرن العشرين، حيث يدير حدود الأدب باللغة الإسبانية كما يقول عن نفسه «أنا جزء من ذيل الأزهار» دلالة عن تواضعه الكبير. إنه كاتب لروايات رمزية مثل خوسي تريغو (1966)، بالينورو المكسيكي، (1980)، «أخبار الإمبراطوية» (1987)، «لِيندا 67»، «قصة جريمة» (1995)، «حكايات متناثرة» (1999). كما له العديد من الكتب الصحافية المشتركة من بينها «ندوة الشتاء»، «أنا رجل الحروف»، «سفر بمحاذاة دون كيشوت»، «تحت ظل التاريخ : مقالات حول الإسلام والهوية»، وهو من الكتب المهمة ذات العمق الفكري.
وتنوعت كتاباته الإبداعية ومن أشهر مسرحياته «لوحة بعشرة ألوان» (1992)، «سونيتات الحرب واليومي» (1958)، كما له العديد من الأعمال القصصية والشعرية للأطفال من بينها ديوان «من الألف إلى الياء». أدب ديل باسو يذهب أبعد من عناوينه الرئيسية، ويعيش بشكل رمزي في لندن ويحدث صوته صخباً قويا في الثقافة والأدب في كل الأرجاء، جريء أكثر مما يتصور البعض، أسلوبه أنيق ومكثف ويحرك التعقيدات لأبطال رواياته، ويعرض على النور الفرع الأمريكي الذي يختلط مع الجذع الأوروبي، الذي يظهر كل مأساتها وكل أحلامهم في توازن مختلٍ.
تأثر الكاتب ذو العمق التاريخي بكتاب كبار أمثال فلوبير، سوفكليس ورابلي، سترني، فولكنر… ومن بين أصدقائه الكتاب في أمريكا اللاتينية فهو معجب بخورخي لويس بورخيس، أليخو كاربنتي، غارسيا ماركيز، وصديقه المفضل كارلوس فونتيس.
عمقه التاريخي واطلاعه الواسع على تاريخ المكسيك قديماً وحديثاً، أما بالنسبة للتاريخ المعاصر فهو حذّر جداً «أضحت المكسيك بلداً خطيراً، وتُشعر الأغلبية بالفزع، زيادة تقلقني كثيراً الرشوة في بلدي»، يعلق عما تعيشه المكسيك من مخاضات قوية. ولكن ما يحز في نفس الكاتب أن يسمع بعض أسماء القرى النائية فقط زمن الكوارث «يحز في نفسي وأنا أتجاوز الثمانين من العمر، أن أتعلم أسماء القرى التي لم أتعلمها أبداً في المدارس، فقط حينما يحدث ظلم هائل … ياله من عار ! العار أن نتعلم أسماءها فقط حينما يعبرون إلى تاريخنا كشعب غارق في التراجيديا». روايته الشذرية «المكسيكي» (1980) مرتكزة على سنوات الشباب، حينما أراد أن يكون طبيباً، كل هذه الأحلام في الرواية. بينما روايته المفضلة «أخبار عن الإمبراطورية» يقول عنها «منذ صغري يشدني الانتباه إلى تاريخ قصة الإمبراطور المكسيكي ماكسي ميلانو هاسبورغ الذي حكم لمدة ثلاث سنوات انطلاقاً من عام 1864، رفقة زوجته كارلوتا، والإمبراطور الأشقر الذي أطلق النار وأضحت زوجته حمقاء تائهة». هذه تيمة الرواية على امتداد ألف صفحة، وهي من الروايات الأكثر مقروئية في المكسيك. للإشارة فقد فاز بهذه الجائزة السنة الماضية الكاتب خَوَّان غويتسلو المقيم في مراكش، وتم إحداث الجائزة عام 1976، وفاز بهاالكاتب خورخي غوين.
للكاتب مواقف سياسية واضحة وجرأة وشجاعة مثقف لا يهاب ساحات الوغى، فيصف الرئيس المكسيكي على هذا النحو «لدينا رئيس غير مثقف، ولا يبدو أن لديه مستشارين جيدين». ذاك هو المثقف الملتزم بقضايا شعبه وليس أشباه المثقفين في العالم العربي ممن يطبلون بالطبل والمزمار في حل الرئيس… وفي ترحاله وتلك قضية أخرى.
_______
*القدس العربي