يوحنا المعمدان يقدم رأسه على طبق دمشقي في مسرحية ‘سالومي’ السوريالية



كندة قنبر

واشنطن – بعد شهر من الإقبال الكبير على مسرج شكسبير الشهير في واشنطن، انتهى عرض مسرحية “سالومي” وهو عمل مسرحي من إخراج المخرجة المعروفة يائيل فاربر، وهي مخرجة يهودية من جنوب أفريقيا والتي تعرف بصوتها النسوي الثائر وسورياليتها بالإخراج المسرحي وكسر النمطية والصمت الذي تعتبره تعبيرا سياسيا في المحرمات والقضايا الملحة.

شارك في العمل المسرحي “سالومي” الذي اجتذب إليه المشاهدين بقوّة وكان وما يزال حديث الأوساط الثقافية في العاصمة الأميركية مجموعة من الممثلين العرب والأميركيين المعروفين على مسرح البرودوي الشهير. وأعطي دور البطولة وهو دور “يوحنا المعمدان” للممثل السوري رمزي شقير، أما دور “الأميرة سالومي” فكان من نصيب الممثلة الأسترالية من أصول لبنانية نادين معلوف.
ولعب دور “هيرود” الممثل المغربي إسماعيل قناطر. ورافق العمل المسرحي غناء أوبرا حيث شاركت فيه كل من المغنية السورية لبانة قنطار والمغنية الكندية تمار إيلانا. لم تقتصر المشاركة السورية على التمثيل والغناء بل على إعداد النص واختيار الموسيقى والأغاني والتي كانت مستوحاة من الموروث الثقافي العربي القديم والحديث. كان دور الفنان رمزي شقير باللغة العربية وغنت المغنية لبانة القنطار أغاني للمغني السعودي الراحل طلال مداح.
لغات عدة
احتوى نص مسرحية “سالومي” على عدة لغات منها اللغة الإنكليزية والعربية والعبرية والآرامية. وتعدد هذه اللغات في هذا النص المسرحي المستوحى من العهد القديم وزمن الاحتلال الروماني لبلاد الشام، جعل من الماضي حاضرا في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد تحولات سياسية وجغرافية واجتماعية في ظل الثورات العربية والحرب الناشبة في سوريا والعراق وفلسطين. دخل جميع الممثلين خشبة المسرح بحركة بطيئة على وقع الطبول والأضواء الخافتة، يوحنا المعمدان مسجّى خارج خشبة المسرح بين الجمهور. الأميرة سالومي مقيدة العنق واليدين بالحديد وروحها الميتة تلبس ثوبا يوحي بأنه كفن أبيض رثّ. امرأتان تلبسان خمارا، عمدت المخرجة إلى إخفاء ملاحمهن، دخلتا بصمت ودون أضواء. أصوات رجال الدولة والدين والباعة تطغى على كل المشهد، ليخرج صوت روح سالومي وتقول إنها ستبدأ الحكاية من نهايتها.
ظل إدوارد سعيد
تقول مخرجة العمل يائيل فاربر في مقابلة نشرت على كتيّب المسرحية إنها تأثرت بأدب إدوارد سعيد وتناولت قصة من التاريخ المنسي وإعادة كتابتها وإخراجها بشكل جعلها تحاكي مشاهد اليوم عن قضية المرأة التي تعيش تحت احتلال ما أو تحت قيود اجتماعية أو سياسية في بلد أو مجتمع ما، لتلقي الضوء على دور المرأة لتكون عنصرا قياديا أو تأخذ دورا رياديا في مجتمعها. فجسدت هذا الفكرة عن طريق دور سالومي للتحول من امرأة مذنبة في القصة التاريخية إلى رمز للثورة وجعلت من مياه البحر الذي كان يدعى بحر الموت بحر للحياة.
الأميرة سالومي تاريخيا هي ابنة الملك هيرودس الثاني وحسب المؤرخ اليهودي يوسيفوس فلافيوس عاشت في فترة ما بين السنة الرابعة عشرة إلى الحادية والسبعين بعد الميلاد وكانت قد تزوجت من هيرودس فيلبس الثاني وبعد وفاته، تزوجت من أرسطوبولوس كلخيس الذي كان ملك كلخيس وأرمينيا. أما عند العهد الجديد، “سالومي” هي ابنة هيروديا التي كانت على علاقة مع أخ زوجها هيرودس والتي اعتبرها يوحنا المعمدان “النبي يحيى” إنسانة خاطئة وهي من دفعت ابنتها إلى طلب رأسه عندما رقصت لعمها الرقصة المعروفة “برقصة الشيطان”. لم تختلف القصة كثيرا عن قصص الأنبياء في الدين الإسلامي، فسالومي هي السيدة التي وقعت في حب النبي يحيى وأرادت أن تقبّله فرفض واعتبرها إنسانة ملعونة كأمّها، فأمرت بقتله.
يوحنا الدمشقي
قصة يوحنا المعمدان الدمشقي والذي مازال ضريحه موجودا إلى يومنا هذا في المسجد الأموي في دمشق التي تشهد أعنف الأزمات الإنسانية والسياسية بعد انطلاق ثورة شعبها منذ خمس سنوات، انعكست على الممثلين السوريين بشكل خاص، حيث قال الممثل رمزي شقير لـ”العرب” إن سوريا لم تغب عنه أثناء أدائه دور يوحنا المعمدان وخاصة في مشاهد التعذيب في أقبية السجون، كان يغني أغنية الفنان السوري سميح شقير “يا حيف”. وأضاف قائلا “عندما كنت ملقى على الطاولة في مشهد التعذيب، لم يغب عن ذهني ووجداني المعتقلون السوريون في سجون الأسد وداعش”. وجسّد الفنان شقير دور يوحنا المعمدان على أنه ممثل للشعب المقهور في الضواحي والمحفز على الثورة التي بدأت من الضواحي وليس المدن أو العاصمة.
أما بالنسبة إلى المغنية لبانة القنطار والتي افتتحت الغناء بأغنية “مقادير” للفنان السعودي طلال مداح قالت لـ”العرب” إنها استطاعت أن تعبّر بموروثها العربي عن الحالة التي كانت تعيشها في أحداث “سالومي” حيث كانت المرأة السورية حاضرة معها، المرأة التي دفعت الثمن الأكبر في الحرب في سوريا.
يعد هذا العمل المسرحي الأول للقنطار والتي اعتبرته عملا يحمل الكثير من التحدي والصعوبة.
إضاءة بسيطة، كراس وطاولات خشبية تارة تستعمل لاحتفال رجال الدولة والدين وتارة تستعمل للتعذيب والتنكيل. سُلّم خشبي يرتفع إلى السماء ومن ثمة ينزل بنا إلى سجون الأقبية المظلمة. ستائر تنزل ومرة أخرى تُرفع بها الأرواح الراقصة إلى الأعلى وبعدها تنزل على الأرض في تأثير يعبّر عن اقتراب انفجار البركان. ورمال تجسّد الأرض ومياه ترمز للتعميد والتطهير في المغطس في نهر الأردن الذي يدّعي الكل الحق فيه. أمطار تنهمر في نهاية العرض على المرأة الغانية تاريخيا والتي جعلتها فاربر في هذا العمل رمزاً للثورة بعد صرخة يوحنا المعمدان الدمشقي الذي أنهت حياته في المسرحية قائلا “افعلها يا أخي، ولتشتعل الثورة”.
_______
*العرب

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *