لعنة بايرون.. في أنانيته القوية


عادل العامل
يورد أندرو ماكونيل ستوت في كتابه الصادر حديثاً ( الشاعر ومصاص الدماء ) الظروف والعلاقات الشخصية والشهوانية التي أدت إلى ما يصفه مايكل ديردا في عرضه للكتاب بصحيفة الواشنطن بوست، بأشهر أمسية ماطرة في الأدب الرومانسي. فقد التقى لورد بايرون وجماعة من الأصدقاء يوم 16 حزيران 1816 في فيلا دايوداتي في سويسرا حيث أعلن بايرون: “سيكتب كل واحد منا قصة أشباح”. وكانت الجماعة تضم بايرون، والشاعر والسياسي الراديكالي بيرسي بايش شيلي، وعشيقته المراهقة وزوجة المستقبل، ماري، وطبيب بايرون، جون بوليدوري ( 20 عاماً ). وفي اليوم التالي، خربش بايرون ” ثمانية أوراق ” حول أوغسطَس دارفيل الغامض، ثم توقف؛ وعمل بوليدوري في كتابة حكاية مماثلة، متبنياً ربما بعض أفكار مرضاه ثم نسي كل ما يتعلق بها. ولم تثابر سوى ماري، وأنتجت على مدى الـ 18 شهراً التالية تحفتها الأدبية ” فرانكينشتاين “.ويرى المؤلف أن تلك اللعنة ما هي إلا أنانية الشاعر القوية وقسوته السايكولوجية نحو أولئك الذين من حوله، خاصةً كلير الهائمة به وبوليدوري الشاب. وقد راح ضحيةً لها هؤلاء وآخرون لهم صلة بالشاعر، بدءاً بالطبيب بوليدوري الذي اضطربت أحواله، وأصيب بالصدمة حين قرأ قصته تلك، “مصاص الدماء”، منشورة باسم بايرون، وما هو أسوأ أن “مصاص الدماء” أثبتت أنها عمل ناجح للغاية وقد تُرجمت إلى لغات عديدة، لكن “بولي”، كما كان بايرون يدعوه، لم يحصل على سنت واحد أبداً. وانتهى به الأمر إلى الانتحار بالسم وهو في سن 25 عاماً بعد أن طرده بايرون، وراح إلى إيطاليا ثم عاد إلى بريطانيا من دون أن يحقق أي نجاح. وماتت ماري وأخت كلير فاني بجرعة زائدة من اللودونوم. وأغرقت هارييت، زوجة شيلي، نفسها بعد معاناة طويلة. وتوفي ثلاثة من أطفال ماري الأربعة من شيلي وهم صغار. وماتت أليغرا ابنة بايرون بالتيفوس وعمرها خمس سنوات. وغرق شيلي وصديق له وهما في زورق في خليج لا سبيزا، بإيطاليا. وقد هلك بايرون نفسه بالحمّى وهو في سن 36 في عام 1824، حين كان يقاتل من أجل استقلال اليونان. وظلت ماري، الحارسة العتيدة لسمعة شيلي حيةً حتى عام 1851. أما كلير، وبعد رفضها طلباً للزواج مقدماً من المتيَّم توماس لَف بيكوك ( مؤلف “دير الكوابيس” )، فقد قضّت حياتها تعمل مربية للكثير من الأسر الأرستقراطية الأوروبية، وماتت في إيطاليا.
وواضح أن ما يدعوه المؤلف بلعنة، كما قد يفهمها البعض على النحوٍ الغيبي الشائع لدينا، إنما هي الحصيلة المترتبة على تكوين وسلوكيات تلك الجماعة المتقاربة في اضطرابها السايكولوجي وانحلالها الأخلاقي وهشاشتها الاجتماعية، وهو ما كان ولا بد أن ينتهي بهم جميعاً إلى ما انتهوا إليه. وما موت الأطفال صغاراً على ذلك النحو أيضاً إلا نتيجة عَرَضية لأحوال أهلهم غير السويّة بالتأكيد.
______
*المدى

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *