*زليخة أبو ريشة
في كتاب التربية الدينية للصف العاشر ورد ما يلي:
“فسِّر إيراد البخاري رحمه الله تعالى لحديث رسول الله (ص): “أُمِرتُ أن أُقاتل الناسَ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاةَ ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله”. في كل من كتاب الإيمان واستتابة المرتدين والجهاد والاعتصام بالكتاب والسنة”.
ولا حاجة بنا إلى القول كم هو حجم شحنة العنف التي يتضمّنها إيرادُ هذا الحديث، ومقدار التربُّص الذي يضمره مؤلفو الكتاب بمن لا يؤمن إيمان المسلم، ومن لا يؤدي شعائر الإسلام! فمفاهيم مثل: القتال، المرتدّ، الجهاد، هدر الدماء، استباحة الأموال، الإيمان عنوةً مقابل سلامة الروح والمال، وإقامة الصلاة رغم الأنف، كلها مفاهيم لا تؤدي إلى مجتمعٍ “متسامح” ولا إلى “إسلام سمح”، ما دام التلامذة يتعلمون أن عليهم رفع السيف على من لا يؤمن إيمانهم!
وفي حين يغفل المؤلفون الجهابذة تأديب النفس وتهذيبها على الخلق الكريم الذي أتى نبيُّ الإسلام ليتمِّمَه، يحشون الكتب بما لذَّ وطاب من آيات وأحاديث، لسنا على بينةٍ من صحّتها. فعلم الحديث لم يتناول بالدرسِ والتمحيص، حتى الآن، الأحاديث النبويّة إلا من جهة السند، أي من جهة الرواة ووثوقيتهم والتسلسل الزمنيّ بلا انقطاع، أو بانقطاع. وتُركت متون الأحاديث، وحتى الآن، ليجتهد فيها من يجتهد، رفضاً وقبولاً، بمقارنتها ببعضها، وبمقارنتها بالقرآن، وبعرضِها على العقل وعلى العلم، ومراعاة السياق التاريخي، ودرسِ أسباب القول أو الفعل أو الموافقة. وهي جهود لم تتناول أهم كتابين في الحديث وهما البخاري ومسلم. وظلت كتب الأحاديث مراجع موثوقة عند جحافل المسلمين، يتخيرون منها ما يناسب أغراضهم وهواهم. مع أنّ هذه الكتب فيها ما فيها من المبالغات، بل والأكاذيب التي لم يقف عندها أي عالم من علماء الحديث، فيما أعلم. ومن هذه الأكاذيب ما نقله كتاب التربية الدينية أعلاه، بعد النص السابق، من مقدمة البخاري لكتابه الشهير بـ”صحيح البخاري” من أنَّه انتخب في هذا الكتاب ما مجموعه 7000 (سبعة آلاف) حديث تقريباً، من أصل 600 ألف حديث كان جمَعَها، واستغرق ذلك 16 سنة.
فاذا كان ذلك صحيحاً، وأراد البخاري أن يتحقق من كل حديث ويصنفه بين صحيح وحسن وضعيف، فكم من الوقت سيحتاج إليه؟ فبحسب ما هو مذكور أنه أنفق 16 عاما في تحرير كتابه، أي أنه استطاع أن يحقق ويدقّق ويدرس السند (المؤلف من عدة رواة للحديث) لـ8.68 (ثمانية أحاديث ونصف الحديث تقريباً) في الساعة الواحدة، إذا افترضنا أنه كان يعمل في اليوم 12 ساعة، وأنه لم يأخذ إجازة واحدة ولم يمرض ليوم واحد على مدى 16 عاماً. واذا قلبنا طريقة الحساب وقلنا إن كل حديث يحتاج الى يومين فقط ليدقق في سنده، فإنه سيحتاج إلى 822 سنة! وإذا علمنا أن علم الجرح والتعديل الذي استخدمه البخاري علم له آليات صعبة تقوم على درس سيرة كل راوية في سند الحديث، ومعرفة ما كان يتمتع به من صدق واستقامة ومن ذاكرة وقدرة عقلية ومن علاقات واتصالات (وهو ما يسمى بعلم الجَرح والتَّعديل)، أدركنا استحالة القيام بهذه المهمة! وأدركنا أيَّ مستوىً من تغييب العقل يُمارَسُ على أبنائنا وبناتنا في مناهج التجهيل والتدليس!
نحاول أن لا نهجر الأمل!
____
*الغد