روي باتاشاريا يقرأ الصراع في أفغانستان روائيا


*أنطوان جوكي

لا يمكن إهمال رواية الكاتب الهندي جويديب روي باتاشاريا “أنتيغون في قندهار” التي صدرت ترجمتها الفرنسية حديثا عن دار “غاليمار” الباريسية. فمن خلال قصة مؤثرة وحفنة من الشخصيات، يسلط باتاشاريا ضوءا كاشفا على عبثية الحرب الدائرة في أفغانستان، محددا بدقة وبصيرة المسؤولين عن استمرارها وأضرارها الجانبية.

أحداث الرواية تقع في قلعة يتمركز فيها جنود أميركيون وتقع في واد معزول بمقاطعة قندهار. أما بطلتها ففتاة بشتونية تدعى “نظام” فقدت ساقَيها إثر قصف الجيش الأميركي قريتها، مما أودى بحياة جميع أفراد عائلتها الذين كانوا مجتمعين في حفل زفاف.

فقط شقيقها يوسف سينجو من هذه المقتلة فيتوجه إلى القلعة المذكورة للانتقام ويُقتل أثناء المعركة مع بعض مرافقيه. وهو ما سيدفع نظام إلى مغادرة قريتها المنكوبة على عربة والتوجه بدورها إلى القلعة للمطالبة بجثة أخيها من أجل دفنها.

شجاعة نظام
وصول هذه الفتاة أمام القلعة سيزرع البلبلة في صفوف الجنود الأميركيين. هل هي أخت مكلومة، أم انتحارية، أم مبعوثة من طرف حركة طالبان، أم إرهابي متنكر بزي امرأة؟
جميع الجنود سيُفتنون بعزف نظام عند المساء على آلة الرباب، ومعظمهم سينظر بإعجاب إلى شجاعتها وجرأتها على مواجهتهم وحدها من أجل إنجاز واجبها تجاه أخيها، رغم إعاقتها. لكن ذلك لا يعني أن النقيب المسؤول عن القلعة سيرضخ لطلبها، لاعتقاده أن يوسف مسؤول عسكري مهم في حركة طالبان.
لذلك نراها تنتظر أمام القلعة غير عابئة بالأخطار المختلفة التي تحدق بها، وترفض بعزة نفس كبيرة المساعدات البائسة التي يحاول الجنود تقديمها لها. فكل ما تريده هو إجبارهم على الرضوخ إلى حقها في استرداد جثة أخيها.
وأثناء مرحلة الانتظار هذه، يعرفنا الكاتب تدريجيا إلى الشخصيات التي تقطن القلعة: الطبيب، الملازم، النقيب، الرقيب، المترجم الأفغاني… فيبدون سجناء في هذا الوادي المعزول بين الجبال، يعيشون خارج الزمن وظروف العيش الطبيعية.
وباستماعنا إلى قصصهم على لسانهم، وباكتشافنا مخاوفهم وشكوكهم وآمالهم، يتحول كل واحد منهم تحت أنظارنا إلى كائن فريد يختلط غالبا ماضيه بحاضره ضمن رؤى وأحلام يقظة مؤثرة تعكس حالته النفسية الصعبة.
هكذا يتبين لنا أن أعمار هؤلاء الجنود تتراوح بين 19 و27 سنة، وأنهم ينتمون إلى بيئات اجتماعية وجغرافية مختلفة، وأن دافع انخراطهم في الجيش كان إما السعي خلف المغامرة أو الرد على اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001 أو المعاش بكل بساطة، قبل أن يلعب وصول الفتاة نظام أمام القلعة دور الصاعق الذي سيوقظ ضميرهم ويفتت قناعاتهم السابقة.
قيم زائفة
باختصار، شخصيات تظهر لنا تحت خوذتها وخلف سلاحها بكل هشاشتها ونواقصها، قبل أن تشهد تحولات حتمية أمام التجارب الصعبة التي تعيشها يوميا بعيدا عن وطنها ومُثُلها. الاستثناء الوحيد بينها هو شخصية النقيب الذي يجسد النظام العسكري الصارم بسعيه، رغم شكوكه وضياعه، إلى الالتزام حتى النهاية بأوامر قيادته.
ميزة هذه الرواية تكمن في عدم أخذ صاحبها أي موقف شخصي مباشر داخلها من الصراع الدائر في أفغانستان، ولجوئه إلى شخصياته المختلفة لتمرير آرائه وتأملاته حول هذا الصراع وكشف عنفه ومآسيه وتعقيداته.
وتسمح هذه الطريقة له بسبر نفوس شخصياته برهافة وموهبة كبيرتين وبتفكيك المحركات التي تدفع الإنسان إلى تبرير الحرب والقتل والدمار، مبينا عبثية عالم تتلاعب فيه حفنة من رجال السياسة بمصير ملايين البشر فقط من أجل تلبية مصالحها.
وتكمن أيضا ميزة هذه الرواية في استعانتها ببعض موضوعات التراجيديات الإغريقية لمساءلة قيم الغرب ومثاليته الزائفة التي لا تمنعه من إشعال الحروب أو تأجيجها بتدخله عسكريا فيها.
فكما في نص سوفوكليس “أنتيغون”، تتعاقب الأحداث العنيفة داخل الرواية بطريقة تدفع شخصياتها إلى التشكيك بدورها وبعبء البُعد التاريخي والثقافي والاجتماعي لهذا الصراع الذي يتجاوزها، ومع ذلك، يقرر قدرها.
ولعل أقوى شهادة على ذلك في هذا النص ما سيقوله الطبيب الأميركي لأحد الجنود “حين تقتلون الناس وتبيدون عائلاتهم وتدمرون منازلهم وتحرقون قراهم وتقصفون حقولهم بالقنابل العنقودية، تكونون قد خسرتم معركة كسب القلوب والعقول. على مَن نحاول أن نكذب؟ على أنفسنا؟ لماذا نتفاجأ بردهم؟ لسنا بصدد كسب هذه الحرب، نحن بصدد خلق أعداء أبديين لنا. حان الوقت كي نقتنع بأننا رهينة أكاذيب رؤسائنا”.
_______
*الجزيرة.نت

شاهد أيضاً

العتبات والفكر الهندسي في رواية “المهندس” للأردني سامر المجالي

(ثقافات) العتبات والفكر الهندسي في رواية «المهندس» للأردني سامر المجالي موسى أبو رياش   المتعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *