برلين – صدر مؤخّرا عن مجمع اللّغة العربيّة في الناصرة كتاب “غواية العنوان: النص والسّياق في القصّة الفلسطينيّة” للباحث محمود غنايم. يقع الكتاب في 240 صفحة من الحجم المتوسط، ويضمّ بين دفّتيه مجموعة دراسات “تسعى إلى الوقوف على توظيف اللهجة المحكية الفلسطينية بتشكيلاتها المختلفة، في القصة الفلسطينية المقيمة في البلاد في حدود ما قبل 1967، عبر عناوين هذه القصص”.
يستهل الباحث كتابه بالشكر والتقدير لأولئك الذين لولا مؤازرتهم له في عمله هذا، ما كان لهذا الكتاب أن يرى النور، شاكرا أيضا دار النشر “هاراسوفيتش” في ألمانيا التي أخذت على عاتقها نشر الصيغة الإنكليزية لهذا الكتاب.
أمّا في توطئة الكتاب المعنونة بـ”أمّا قبل” فيشير الباحث إلى “أهميّة دراسة الأدب الفلسطيني عموما والأدب في الداخل الفلسطيني خصوصا”، وهذه الأهمية تنبع في نظره “من إحدى الرّكائز الهامة لنظرية الأدب التي تعوّل كثيرا على سيرورة الأدب المتدافعة من الهامش نحو المركز، وعلى حركته المعاكسة الطاردة من المركز إلى الهامش، وهذه النظريّة التي ترقب هذه الحركة المستمرة لدى الأفراد، التيارات والمنظمات الأدبية في صعودها وهبوطها وتستخلص منها قوانين النشوء والارتقاء والتهالك والتحاتّ، لا بدّ لها أن تشغل الباحث الذي يرصد الأدب الفلسطيني، وهو يتابع بين كرّ وفرّ مركز الحياة الثقافية في محاولته أن يتبوأ مكانا له على خريطة الأدب العربي المعاصر”.
وتطرق الباحث إلى التساؤل الذي قد يطرحه البعض عن جدوى دراسة العنوان في القصة الفلسطينية في الداخل، وهل تختلف عن القصة العربية أو الفلسطينية عموما، إذ يعتبر أن خصوصية القصة الفلسطينية التي تكتسبها من خصوصية السياق الثقافي والسياسي والاجتماعي لأقلية تتشبث بهوية فارقة بكل ما تملك من أدوات لإثبات كيانها والمحافظة عليه، فتسعى إلى إشهار ذلك عبر نص أدبي يحفل بقسريات السياق وآثاره.
يقسّم المؤلف كتابه إلى محاور، تتفرع تحت عناوين عدّة دراسات تسعى جميعها إلى الوقوف على توظيف اللهجة المحكية الفلسطينية بتشكيلاتها المختلفة، سواء من خلال الألفاظ أو التعابير أو الأمثال أو من خلال استيحاء الأجواء الشعبية في القصة الفلسطينية بالبلاد عبر عناوين هذه القصص، وذلك انطلاقا من أن العنوان يعتبر عتبة نصية بالغة الأهمية، يمكن من خلاله الكشف عن دلالات شتى عند التعامل معه سيميائيا كعلامة لفظية تنطوي على دلالات رمزية.
ويؤكد الكاتب أن استعمال اللهجة المحكية بتوظيفاتها وتشكيلاتها المختلفة كثيرا ما يحمل دلالة فارقة من حيث تاريخ الأدب، سواء بالتدليل على حقبة معينة أو الإشارة إلى تبني مدرسة، أو فلسفة أو الانضواء تحت مظلة أيديولوجية ما. وانطلاقا من ذلك، يجدر بنا بحث هذا الموضوع “سينكرونيا” للوقوف على وظيفة اللهجة المحكية في العنوان، و”دياكرونيا” لتلمّس تطور الرؤية الأدبية والاجتماعية والسياسية التي ينضوي تحت لوائها هذا الأدب.
يتناول الباحث في المحور الأول الذي ورد تحت عنوان “بين الكلاسيكية والرومانسية” مجموعة “لمن الربيع” لنجوى قعوار فرح، و”طريق الآلام وقصص أخرى” لمصطفي مرار و”أزهار برية” لحنا إبراهيم.
أما المحور الثاني الذي جاء بعنوان “الطريق نحو الواقعية”، فيتناول فيه، مجموعتين قصصيتين هما “سداسيّة الأيام الستة” لإميل حبيبي و”الأصيلة” لمحمد نفاع.
وخصص المحور الثالث المعنون بـ”في خضمّ الواقعية” لدراستين، الأولى حول مجموعة “عائد الميعاري يبيع المناقيش في تل الزعتر” لمحمد علي طه، والثانية كانت حول مجموعة “ريحة الوطن” لحنا إبراهيم.
أما المحور الرابع الذي حمل عنوان “الغوص في الشعبي”، فقد اختار رواية “إخطية” لإميل حبيبي، “الخيط والطزّيز″ لفاطمة ذياب، “كلام غير مباح” لميسون أسدي و”كارلا بروني: عشيقتي السريّة” لعلاء حليحل.
يختم الباحث محاوره بمحور خامس يخصصه كما جاء في عنوانه “للالتزام والحداثة” تناول فيه مجموعة “جبل سيخ وقصص أخرى” لناجي ظاهر، “حوار الشرفات الصامت” لرياض بيدس ومجموعة “تحت سطح الحبر” لسهيل كيوان.
يطلعنا محمود غنايم في سياق آخر، ولكنه ذو صلة بإصداره الجديد “غواية العنوان: النص والسّياق في القصّة الفلسطينيّة”، بأنه من الصعب الخروج بنتائج حاسمة من خلال عدة أعمال قصصية، ومع ذلك لنا أن نطرح بعض التصورات التي نحتاج إلى مواصلة البحث والدراسة لتأكيدها أو نفيها، ويضيف “رأينا سينكرونيا ما للعنوان من أهمية بالغة كعتبة نصية في تحديد شعرية النص وسيمياء الأدب. وقد اتخذت المحكية عبر العنوان سبلا ووسائل شتى بتوظيفها في القصة الفلسطينية في الداخل، سواء على مستوى اللفظة، التعبير، المثل، الأصداء الشعبية، الاستعارة والرمز”.
__________
*العرب