سيكون لولاية صفاقس التونسية سنة 2016 شرف استضافة فعاليات تظاهرة عاصمة للثقافة العربية للمرة الثانية في تونس بعد العاصمة تونس سنة 1997 وللمرة الواحدة والعشرين عربيا منذ احتضان القاهرة للفعالية الأولى سنة 1996 .
ويذكر أن ولاية صفاقس هي الثالثة بعد كل من سرت الليبية سنة 2011 وقسنطينة 2015 في فك الارتباط والتلازم بين العاصمة السياسية والعاصمة الثقافية حيث دارت كل الدورات قبل 2011 دون استثناء في عواصم الدول التي احتضنتها وفي ذلك ربما رسالة إيجابية داخل الدول العربية التي تبحث عن التخلص من عقد المركزية على جميع المستويات والأصعدة.
وصفاقس هي بوابة الجنوب التونسي وواحدة من أهم المراكز الاقتصادية والصناعية في تونس إلى درجة تشبيهها بخلية النحل أو بهونكونغ الصغيرة توالت عليها الحضارات الرومانية والبيزنطية والعربية الإسلامية ولا تزال شواهدها حاضرة في بعض ضواحيها مثل طينة وبطرية والجامع الكبير وسور المدينة العتيقة الذي بني سنة 849 في العهد الاغلبي ويبلغ طوله 2000 متر وهو السور الوحيد في العالم الذي لا يزال محافظا على استدارة كاملة يضم اليوم خمس عشرة بابا بعد أن كان في البداية يحتوي على بابين فحسب.
وقد أقرت اللّجنة الدائمة للثقافة العربية التابعة للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) صفاقس قبلة للثقافة العربية سنة 2016 تحديدا يوم 14 مارس/آذار 2013 فيما تم الإعلان الرسمي عن ذلك وطنيا يوم 6 أبريل/نيسان 2013 في مؤتمر صحفي بحضور الوزير الأسبق مراد الصقلي مع تبني الدولة لهذا المشروع من باب أن واحدا من أهم أدوار هذه التظاهرة هو “تنشيط المبادرات الخلاّقة وتنمية الرصيد الثقافي والمخزون الفكري والحضاري، وذلك عبر إبراز القيمة الحضارية للمدينة المستضيفة لفعاليات تظاهرة عاصمة الثقافة وتنمية ما تقوم به من دور رئيس في دعم الإبداع الفكري والثقافي، تعميقاً للحوار الثقافي والانفتاح على ثقافات وحضارات الشعوب وتعزيزاً لمنظومة القيم والتآخي والتسامح واحترام الخصوصية الثقافية.”
ومن خلال خطة العمل التي تم وضعها يبدو أن الهيئة التنفيذية لإدارة صفاقس عاصمة للثقافة العربية اتجهت إلى العمل على محورين رئيسيين وهما عمل لجان مختصة في وضع برمجة ثقافية تتعلق أساسا بالندوات والملتقيات والعروض الفنية والنشر والمعارض والبيئة هذه اللجان التي شرعت بعد في تقبل الملفات ودرسها قصد وضع الملامح الكبيرة للتظاهرة وفي المحور الثاني يبدو أن الهيئة تتجه إلى العمل على المشاريع الكبرى الخاصة بالفضاءات والبناءات من خلال تعهد سور المدينة العتيقة بالصيانة و الترميم وتركيز إضاءة فنية على محيطه وتحويل الكنيسة الكاثوليكية القديمة المخصصة لممارسة الرياضة إلى مكتبة معلوماتية في سبق وطني سيمثل تحولا ثوريا في مفهوم المكتبات العمومية في صفاقس وفي تونس عموما بإنشاء واحدة من أكبر قواعد البيانات الثقافية المعلوم أنها تستوعب الصحف والمجلات والكتب المرقمنة وحتى الأفلام والعروض المسرحية ويعد فضاء الكنيسة الكاثوليكية ملائما لمثل هذا الحدث من الناحية المعمارية ومن ناحية وجوده في وسط مدينة صفاقس أي داخل تقاطع تلمذي وجامعي وخصوصا أن عملية تجهيزه وإعداده ستكون الأضخم من بين كل المشاريع المقررة لكل التظاهرة.
ويبقى الوعي السياسي والمجتمعي بأهمية تظاهرة مماثلة وتجاوزها للبعد التمثيلي الضيق لمنطقة معينة دون غيرها ضروريا لإنجاحها و تحويلها من مجرد مناسبة ثقافية مارة وعابرة إلى مناسبة للانفتاح على الآخر وعلى الذات أيضا.
————–
ميدل ايست أونلاين