تركّز المترجمة الباحثة والأكاديمية الفلسطينية عبلة عودة على مسألة التوثيق في القضية الفلسطينية، وتلفت إلى أن غيابه يخلق فجوة ويساهم في الانقطاع عن التراث والتاريخ، ويبعد عن تقييم التجربة التاريخية ومحاولة ترميمها وإصلاحها.
كما تبقى عودة -التي تدرّس اللغة والثقافة العربية في جامعة إدنبره بالمملكة المتحدة- منشغلة بهموم الترجمة وقضايا الاندماج والهوية، ناهيك عن تركيزها على اللغة العربية في الغرب، ودورها في التعريف بالقضايا العربية، والتاريخ العربي والإسلامي بعيدا عن الصور النمطية الدارجة لدى عدد من الغربيين.
التقت الجزيرة نت عبلة عودة في جامعة إدنبره، وكان الحوار التالي عن عملها في الترجمة والبحث والتوثيق.
كيف تنظرين إلى الترجمة، وإلى أي حد يكون التأثر والتأثير بالمؤلفات التي تقومين بترجمتها إلى العربية أو الإنجليزية؟
أرى الترجمة ثقافة إجبارية، فحين تقرأ يمكن أن تمرر بعض الصفحات أو تتجاهلها، أو تغض النظر عنها، لكن وأنت تترجم لا يمكن أن تتجاهل أي تفصيل، ولا حتى علامة ترقيم، لا بد من التدقيق والتشديد ومراعاة الأمانة العلمية.
أترجم بشكل أساسي مع مشروع “كلمة” الذي أرى فيه مشروعا رائدا وطموحا، فهو يختار كتبا من عيون الأدب والمعرفة في العالم لتقديمها للقارئ العربي العادي والباحث المتخصص على حد سواء. ترجمت “تكايا الدراويش: الصوفية والفنون والعمارة في تركيا العثمانية” تحرير رايموند ليفشيز، وقد تعرفت من خلاله عن قرب إلى الطرق والفرق الصوفية، ووجودها في الثقافة العثمانية قبل أن تتم محاربتها بذريعة العلمانية بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، وهذا الكتاب يعرض هذا الجانب الروحاني الذي أعتقد أنه هام جدا لبلداننا، إذ لا يمكن إلغاء روح الشرق، ولا اعتماد علمانية جافة تقصي الروحانيات. استفدت من ترجمتي لهذا الكتاب واستمتعت بها، فقد أرجعتني لقراءة عدد من شيوخ الصوفية مثل ابن عربي وجلال الدين الرومي.
ماذا عن الكتاب الأخير الذي انتهيت من ترجمته مؤخرا، وإلى أي حد ساهم بإعادتك إلى عوالم الشرق وأساطيره من خلال “ألف ليلة وليلة”؟
أعاد كتاب “السحر الأغرب: مشاهد فاتنة من وحي ألف ليلة وليلة” للباحثة مارينا وورنر، الأستاذة في جامعة أوكسفورد، صلتي بـ”ألف ليلة وليلة” التي هي جزء من تراثي.
قرأت معظم الليالي، درستها وأنا أترجم الكتاب الذي يقتفي بداية عصر التنوير في الغرب، وبداية دخول أوروبا في عصر الحداثة، حيث كانت قبل ذلك مجتمعات منغلقة محافظة محكومة داخل الإطار الديني المتشدد على صعيدي الفكر والجسد، والأفكار الحميمة كانت في عداد الممنوعة، وكان الخيال والإبداع محاربين بطريقة ما.
“ألف ليلة وليلة” التي تعرّف إليها الغرب بداية عن طريق ترجمة الفرنسي أنطوان غالان، التي تعتبر في بعض جوانبها بمثابة تأليف، وإعادة صياغة وكتابة لبعض الليالي، تلك الحكايات أدهشت الجمهور الغربي، الذي أحب فكرتها وأجواءها، وشكلت بداية ثورة لهم للتعبير عن ما يعتمل في صدورهم وقلوبهم وأفكارهم.
هناك من تلقفها من منطلق عدائي، ووضعها في سياق الصدام مع الشرق، ولا سيما أن التوترات والحروب كانت قائمة مع السلطنة العثمانية التي كانت تشكل تهديدا للغرب، وحاول شيطنة السلطنة العثمانية والعرب والمسلمين عبر ألف ليلة وليلة، في مسعى لعدم إعطائها حجما كبيرا، وهناك من استفاد من جموح الخيال فيها وأعجب بحكاياتها وكتب عنها وصاغ على منوالها قصصا وروايات تنتقد النظم الملكية الأوروبية آنذاك، بالإضافة لممارسات الكنيسة عموما، ولا سيما الكنيسة الكاثوليكية، ومن هؤلاء غوته وفولتير ووليم بيكفورد وغيرهم من مفكري عصر التنوير.
_______
*المصدر: الجزيرة.نت.