*علي عبيدات
خاص ( ثقافات )
نبأ الوفاة
لم تهدأ برقيَّات التعزية والرسائل المفترضة والاقتباسات من شعر ومقولات خالد محادين وهي تندلق من قلوب أحبته وزملائه وتلاميذه من المشهد الثقافي الأردني، بعد أن فجعوا عصر أمس الثلاثاء 13 أكتوبر 2015 بنبأ رحيل الأستاذ والزميل خالد محادين الذي فاضت روحه الزكية أمس في العاصمة الأردنية عمان بعد صراع مع المرض ومشروع إبداعي طويل.
عاش محادين آخر أيامه وهو يعاني من مشاكل في الكبد ترتب عليها قبل مدة أن يتبرع له ابن اخته ببعضٍ من كبده أملاً بشفاء خاله وخال الصحفيين الأردنيين، ليعود محادين المعروف بقلمه الجريء ومقالاته السياسية الصارخة وتداً من أوتاد المشهد الإعلامي والأدبي الأردني والعربي بصحة جيدة، لكن كلمة الله كانت الأقرب واختاره ربه ليلتحق بركب الراحلين عنا في عام الرحيل هذا، عدنان حمدان وعبدالله حمدان وعبد الله رضوان ومحمد القباني وناصر الدين الأسد.
محادين ” لم يملأ قلمه بحبر الآخرين”
كان محادين شاعراً مجيداً تناولته الدراسات النقدية وصدر له العديد من المجاميع الشعرية كان آخرها “وطنٌ واحدٌ ونساء كثيرات”، وضمن هذه المجموعة خلاصة تجربته الشعرية التي امتدت منذ ثمانينيات القرن الماضي حتى السنوات الأخيرة من حياته، ويعتبر محادين من أهم الصحفيين والإعلاميين الأردنيين، فقد أمضى أكثر سني عمره في العمل الصحفي.
محادين المولود في الكرك عام 1941 درس الطب في تركيا عام 1959، ثم الفلسفة في جامعة دمشق ولم يكمل دراسته لظروف خاصة، ليحصل بعدها على شهادة الدبلوم المتوسط في اللغة العربية وآدابها، من دار المعلمين في عمَّان سنة 1960، وتنقل بين العديد من الدول بين عمل وعلاج ومشاركات ثقافية، وكانت ليبيا أكثر بلد أقام فيه محادين بدافع العمل، وبعد عودته إلى الأردن عمل محادين في وزارة الثقافة، ثم وزارة الإعلام، وكان قد عمل في جريدة الرأي، والإذاعة الأردنية والديوان الملكي الهاشمي ووكالة الأنباء الأردنية، وشارك في جريدة النهضة، وعمل أيضاً في أمانة عمان الكبرى، وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين، واتحاد الكتاب العرب، ونقابة الصحفيين الأردنيين.
كانت كلمة محادين فرس شموص تأبى أن تروض، ويختزل في مقالاته الصارخة ما يحدث في وطنه الأردن وما يجب أن يحدث، وكانت هذه المقالات بلا سقف وواجه بأثرها العديد من المشاكل بثبات، كان بعضها وهو يقف بوجه قوى سياسية كبيرة ناقداً ولاذعاً لا يعرف المحاباة، وكانت هذه المقالات في أوجها في سنواته الأخيرة، فهو صاحب رأي في الربيع العربي والإصلاحات الأردنية التي مات وهو غير راضٍ عنها بصورة مطلقة.
كان محادين دون ألوان، فلم يحسب رمادياً أو بين بين طيلة مشروعه الإبداعي وعمله العام، فكان صاحب وجه واحد ولون أحادي، وعبر شهادات زملائه وأرشيفه الطويل يلتمس الباحث في حياة محادين شخصية لطيفة بخلق ودماثة وحسن معشر، فلم يكن يفرق بين كاتب واعد وآخر من الكبار، الأمر الذي جعله قريباً من الشباب ومسانداً لهم في مختلف الأماكن التي عمل بها والمواقع الإدارية التي شغلها، ومنذ خبر وفاته حتى الآن تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية بذكريات من عرف محادين وتعامل معه.
وبين محاولات الرثاء التي تداولها شعراء وكتاب وصحافيون أردنيون لمعت صفات ومناقب محادين الذي كان يشبه شعره ولا فصام بين مواقفه وجبلَّته الصادقة، فإن افتقر محادين للجوائز فثمَّة تكريمات لا تنتهي عاش بها في كنف أحبته ومن لم ينكروا خبرته وفضله ودعمه وإنسانيَّته. ورحل محادين تاركاً القصيدة والإرث الإبداعي الكبير الذي يدل على رحيل الجسد وخلود الروح والأفعال والمواقف الثابتة التي عُرف بها.
مؤلفاته:
وبين القصة والنصوص والشعر، كتب محادين:
نسي أنها عذراء (3 قصص) بيروت: منشورات عويدات، 1960. صلوات للفجر الطالع (شعر) ط1، عمان: المطبعة الهاشمية، 1969. ط2، عمان: وزارة الثقافة والتراث القومي، 1988 الحب عبر المنشورات السرية (شعر) طرابلس الغرب: (د. ن) 1976. مسافرة في الجراح (شعر) بيروت: (د. ن) 1978. بطاقات لا يحملها البريد (نصوص) عمان: وزارة الثقافة والشباب، 1980. حصاد الرحلة الحزينة (شعر) عمان: وزارة الثقافة والشباب، 1982. رسائل إلى المدينة لم تطهرها النار (نصوص) عمان: وزارة الثقافة والشباب والآثار، 1984. آخر الملكات (شعر) عمان (د. ن) 1985. أوراق جديدة من دفتر قديم (شعر) عمان: المؤسسة الصحفية الأردنية، 1987. ديوان الحجر (شعر) عمان: المؤسسة الصحفية الأردنية، 1990. الطرنيب (مجموعة قصصية) عمان: المؤسسة الصحفية الأردنية، 1987. الأعمال الشعرية الكاملة، عمان: مطابع المؤسسة الصحفية الأردنية، 1990. من دفاتر امرأة متعبة (شعر) عمان: دار آرام، 1993.
قصيدة
على قبر عرار/ خالد محادين:
من ذا يجيب إذا ناديت من رحلوا
أو من يردُّ إلينا بعض ما حملوا
أو من يقارع كأساً غير صـافيةٍ
وصاحب البار سكرانان مبتذل
مذ غاب وجه “أبو وصفي” وغيبنا
شوق إليه وهذا الساح ينتـعل
إني لأعلن أني لست من وطــن
لولا الوضاعة لم يكبر به “الهمل”
ارقد أبا الكأس لا كأساً تهش لهـا
حتى الخرابيش قد أودت بها الفلل
ولا نقاء يدٍ كيما تصافحــــها
ولا صريع هوى من خمره ثمـل
الكل يعرض أوطانا ولا شغــب
والكل يعرض إعراضاً ولا خجل
والكل يفتـح دكـاناً “ويبسطـنا”
فوق الرصيف لمن يزني ويبتذل
كأنما النبل ان لا نفتدي ذممــا
ونحبس الصوت حتى ينقضي الأجل
وندمن الخزي كي نجني مكاسبهم
ونحمل الخزي يا أبناءنا “اصطفلوا”
فليس نجرؤ أن نبكي على وطن
تقاسم الخير في أرجائه “السفل”
ماذا بعمان لو ناديت ما سمعوا
ماذا بشيحان لو ناديت ما وصلوا
ووادي عبدون لو تدري منارتنا
تعانق الغيم تزييفاً وتنتحل
لم يترك الساسة الأوغاد من جسد
إلا استباحوا وإلا لحمه “نشلوا”
لهم فراولة الأغوار مبهجــة
وتسعد الروح لو يأتي لها “البصل”
ماذا بعمان لا خمر تعاقرهـا
ولا الندامى إذا ناديت تحتفل
قد جفف الكأس قهر لست تعرفه
ونكس الرأس عار ليس يحتمل
وضيع البأس إذلال فما عنق
لم تدمن الذل كي تبقى لها “العقل”
خبرك بعمان يا عبود أغنية
تبدل الحال فالأشـواق تعتقل
وليس يجسر أن يدعوك منطفئ
إما بعثت فأعلى خلقنا الوجل
يا عاشق الأرض إن أعطت وإن منعت
من بعدك الناس لا يأس ولا أمل
لا تستفز ولو أفروا مرارتها
ما دام سادتها في الصف قد “دحلوا”
وليس يغضبها لو أن ساستها
من فرط حرصهمو في وجهها “تفلوا”
أبا المساخيط قل لي كيف أشربها
وكيف أحمل أوجاعي وأحتمل
وكيف أسكب كأسا لست شاربها
وكيف أشرب كأسا ليس تشتعل
وكيف أهتف كي تأتي وتخرجني
من تيه نفسي وفي كفيك أكتمل
أبا المساخيط هذي الدار ما انطفأت
إلا ليبعثها من ليلها الأمل
ما مات من عشقت عيناه ديرته
وكانت الأرض من عينيه تكتحل
فارقد عليك سلام كيف أكتبه
وصدقك الصدق لكن صدقهم دجل
* شاعر ومترجم من الأردن