* صلاح أبو هنّود
( ثقافات )
حدث ذات مرة أن ذهب ليصلي في جامع الفيحاء ، في السابع والعشرين من رمضان ليلة يحيي الناس ليلة ليلة القدر المقدسة التي يستجاب فيها الدعاء وتقضى الحاجات ، ولأن هناك في نفسه حاجة لا يقدر على تحقيقها الى الله فقد حزم أمره وعزم على الذهاب لذاك المسجد المزخرف بأجمل الفنون الدمشقية التصميم والذوق والألوان والتي ظن أن الله يحب مساجده أن تكون في مثل هذا المستوى من الإبداع .
دخل بنفس مطمئنة واتخذ مكانه في صف المصلين في المنتصف ، وفجأة أتى مصلٍ وحشر نفسه بجانبه ، لم يغضب واعتبر ذلك في إطار أتمّو الصفوف وسُدّوا الفُرج وإن كان لا يصدق الإمام حين يقول : إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج ، فالله يرى كل شيء ، ولو قال : لا يحب لكان ذلك أصدق ، وفي ثوان قليلة بدأ الرجل في نوبة من العطس وانهمار المخاط من أنفه ، انزعج من ذلك وتشوش تفكيره في دعائه السرّي أثناء قراءة الإمام لآيات القران ، فقرر في نفسه أن يغير الصف ويتراجع الى صفٍ آخر ، ومن سوء حظه أن الوضع تكرر بمصلى آخر وآخر وظل ينتقل متراجعا حتى بلغ الصف الأخير قرب باب المسجد و صارت الساعة الواحدة صباحا ، ضاق صبره ونسي الدعاء الذي أتى من أجله وأحس ان كل من في المسجد مصابون بالزكام والإنفلونزا في تلك اللية ، حزم أمره وترك المسجد فقد كان باله مشغولا بمن يعطسون ويسعلون ويمخطون وطارت من عقله قدسية ليلة القدر، وحدثته نفسه أن لا بأس عليه إن أجل طلبه من ربّه إلى رمضان القادم .
بعد المغادرة وجد سيارته قد احاطتها السيارات من كل جانب ، وحزن كثيرا وتذكر ذلك المثل الشعبي عن المرأة التي ذهبت لقضاء إجازة الصيف في الغَوْر الذي يشبه جهنم في ذلك الفصل من السنة وهناك اغتصبها مجموعة من الرجال وصارت مثلا عند الناس ( مثل مصيفة الغور لا صيف صيَّفت ولا عرضها بقي لها ) وهذا ما أحسّه في نفسه فهو لم يكمل إحياء ليلة القدر ولا يستطيع العودة الآن للبيت ، وهناك دعا ربه لينجيه من هذا المأزق ، وماهي إلا دقائق قليلة حتى وصل اليه مجموعة من الشباب يتمتعون ببنية جسمية قوية ، فلما رأوا ما هو فيه تهامسوا فيما بينهم وقرروا رفع إحدى السيارات التي تعترض خروج سيارته وفعلوها بقدرة عجيبة وكأنهم يحملون كيس طحين .
بعد أن نجا من محنته شكرهم وانطلق مسرعا بسيارته ، نظر في المرآة التي في جانب السيارة جهة مقعد السائق ، فرآهم يضعون السيارة من أيديهم مكان سيارته ، في طريق عودته سرح بخياله وظل يفكر في الأمر لدرجة اعتقد فيها أن الله في تلك اللحظة استجاب لدعائه فأرسل ملائكة من السماء لإنقاذه من ذلك الكرب ، فرح كثيرا ثم سبح وشكر ربه كيف أخرجه من صفوف الماركسية إلى صفوف المسلمين في هذه السنة التي بلغ فيها أشدّه ، وفجأة تذكر أنه لم يذهب للصلاة من أجل هكذا شيء ، وتغشاه الحزن لأن تلك اللحظة كانت لحظة استجابة للدعاء خسرها بسبب العطس والزكام والإنفلونزا وأن الحاجة التي ذهب للصلاة من أجلها تم استبدالها ، نفض رأسه واعتبر ذلك وسوسة شيطان وبعد سنوات توقف عن الذهاب إلى المسجد من أجل تلك الأمنية وظلّ يتذكر قصة ” مصَيفة الغور ” .
______
*مخرج وأديب أردني