في ختام ملتقى الفجيرة الإعلامي.. التنوير العصري يثير جدلا




خاص ( ثقافات )

تحت عنوان “التنوير في الإعلام المرئي – تجارب ورؤى “، افتتحت الجلسة الثالثة من ملتقى الفجيرة الإعلامي. أدار الجلسة الباحث العراقي الدكتور ياس البياتي ، التي استهلها بالحديث عن عملية التنوير في الصحافة العربية ودورها الكبير في نشر الوعي بين الجمهور مشيراً إلى اتخاذ بعض وسائل الإعلام اتجاهات خطيرة لم تخدم المجتمع بل سعت إلى تهديمه . 

الشاعر المصري أحمد الشهاوي قدم ورقة تناول فيها بشكل سريع ومبسط دور صحيفة الأهرام في عملية التنوير منذ تأسيسها ، واضعاً مقارنة في الدور التنويري الكبير الذي أقيم في فترة الستينيات من القرن الماضي والوقت الحالي .
وأكد الشهاوي أنه لا يمكن أن يوجد تنويرٌ يصوغ المجتمع ويقودُه ، في ظل غياب صحافةٍ حرّة ، أو في تقييد لحرية التعبير ، أو في تكبيلٍ لقادة الرأي من الكتَّاب والصحفيين بقوانين جائرةٍ من شأنها أن تُشلَّ قلمه ، وتحدَّ من حرية الكلام على الورق. وأكد الشهاوي أن التنوير الحقيقي لا يتشكَّل في بوتقة أيادٍ مرتعشة رمادها أكثر من نارها، مشدداً على أن غياب التنوير، سيؤدي إلى عدم مواكبة الحضارة ، والحداثة في العالم.
وأضاف الشهاوي إنه في هذه الحال المُوجعة والمُثيرة للشفقة والأسى لابد إذن من خلق خطابٍ تنويريٍّ جديدٍ يهدف إلى التحرُّر من الظلام الديني الذي يشيعه ويشعله تجَّار الدين ، يتأسَّس على المُنجز المعرفي الذي خلقته وراكمته الأمَّة على مدار تاريخها ، وصياغة الخطاب القديم بعد إستئصال زوائده التي لا لزوم لها ، ولا فائدة تُرجى منها ، وترميم أركان العقل ، وحُجرات النفس .
واستعرض الشهاوي الاعلام الاجتماعي كأداة لبروباغندا العنف والتطرف ، و قال : “سعت الكثير من دول العالم من خلال مؤتمرات تحققت في المنطقة العربية والبلدان الاسلامية، وكذلك في منتديات دولية غربية لتشديد الرقابة على الإنترنت،وخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي التي شخصت بأنها النافذة الفاعلة للجماعات المسلحة والمتطرفة، وقدمت عبر هذه الفعاليات مقترحات لتعزيز التعاون بين الدول لمكافحة الإرهاب الإلكترونى، واغلب آراء الباحثين سواء المختصين بشؤون الجماعات المتطرفة أو معلومات متوفرة لدى الحكومات عبر أجهزتها الاستخباراتية أنصبت على أن كثيرًا من الأحداث الأمنية المؤسفة التي وقعت مؤخرًا فى العديد من بلدان العالم، استغلت وسائل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وأنه يجب اخضاعها للمراقبة و إلى الحجب لقطع الطريق على تلك الجماعات المتطرفة.
تلغيم إعلامي
أما الدكتور فاضل البدراني رئيس تحرير صحيفة الخبر العراقية، فقد تناول في ورقة عمله التجربة العراقية ودور الإعلام العراقي في مستقبل التنوير مؤكداً أن الاعلام وقع ضحية، مشيرا إلى وجود سياسة تلغيم إعلامي وفكري واسعة النطاق منذ عقود من الزمن، و ساهمت الجهات الخارجية في رسم سيناريوهات أعلامية خطيرة الهدف منها خلق حالة من التشظي والتفكيك والتجزئة لمكوناته وإثارة فكرة المطالبة بحقوق الطائفة أو العرقيات أو المجموعات أو العشائرية على حساب ضياع الهوية الوطنية العراقية الجامعة.
تطوير العقل العربي 
من جانبه استبعد رئيس تحرير تلفزيون فرانس 24 عثمان تزغارت ربط الاستبداد بالتنوير لأنهما مختلفا القطب لا يمكن أن يلتقيا مشدداً على تجديد مفاهيمنا التي رسخت الفكر الصحيح الذي يقوم على العدل والمساواة وعدم نبذ الآخر واحترام الرأي الآخر وعدم الابتعاد إلى مفاهيم ضيقة لا تكرث إلا التطرف والاستبداد. 
وانتقد تزغارت التجارب العربية الحديثة في الإطار التنويري والتي انجرت وراء التكنولوجيا الحديثة للغرب ، ونسيت تطوير العقل العربي والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة ، من خلال ابتعادها عن الغيبيات، مشيراً إلى أن فكرة التنوير تتعارض مع الفكر الديني المتطرف ، بحيث الخطاب الديني لا يمكن أن يكون إلا دوغمائياً وليس لديه أي مرونة في تقبل الاخر . 

الجلسة الختامية
وفي حضور سمو الشيخ الدكتور راشد بن حمد الشرقي رئيس هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام ومعالي وزيرة الثقافة الأردنية د. لانا مامكغ اختتم الملتقى فعاليات دورته السادسة بجلسة ختامية بعنوان “دور وسائل التواصل الرقمية في التنوير”، وقد أثارت هذه الجلسة جدلا كبيرا بين المتحدثين والحضور حول إيجابيات التقنية الرقمية وسلبياتها.
أدار الجلسة الأمين العام للهيئة الدولية للمسرح علي مهدي، وشارك فيها كل من الدكتورة اللبنانية مي عبدالله الباحثة في علوم الاتصال ورئيسة الرابطة العربية لعلوم الاتصال وبسمة قائد المحاضرة بجامعة البحرين أخصائية التعلم الالكتروني، والدكتور رياض نعسان آغا وزير الثقافة السوري الأسبق، ود.أشرف أبو اليزيد من مصر. 
ركز مدير الجلسة علي مهدي في مقدمته على المواقع الالكترونية ومفهوم التنوير والتحديات الثقافية للتكنولوجيا واستخدام أدوات التواصل الحديثة مؤكداً أنها من أهم جلسات هذا الملتقى ووصفها بالمؤثرة على مشروع التنوير العربي.
العقل والعلم في العمل الإعلامي
الدكتورة مي عبدالله كانت أول المتحدثين، وقد ركزت من خلال ورقتها على مفهوم التنوير وأهمية استخدام العقل والعلم في العمل الإعلامي وفي التواصل بين شخصين مؤكدة أن النقد والتحليل وعدم التسليم والثقة في كل ما يطرح هم العناصر الأهم لتنوير المتلقي.
وشددت عبدالله قائلة: ” إذا أردنا الوصول الى مستقبل باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الاتجاهات الصحيحة لابد أن نتسلح بسلاح العقل والمعرفة والتحليل لكل ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي ونساهم بفعالية في التكنولوجيا”.
مواقع التواصل الاجتماعي
بدورها استعرضت المحاضرة بجامعة البحرين أخصائية التعلم الإلكتروني بسمة قائد بطريقة فاحصة وعلمية محتوى مواقع التواصل الاجتماعي من تدوين وشخوص وملامح ثقافية عامة لافتة الى أن هذه المواقع تُستخدم للحصول على المعلومات والأخبار مؤكدة حاجتها إلى تكاتف المؤسسات الحكومية والخاصة من أجل أن تضع محتوى رقمياً حقيقياً وفهارس لمكتبات وقواعد بيانات لتكون مرجعاً للباحثين في العلوم المختلفة، موضحة الى أن الانسان يعيش معركة مع نفسه لذا يحتاج إلى تحصين نفسه بالتسلح عن طريق التفكير العلمي والنقدي بالعلم والمعرفة والمشاريع الإلهامية والدخول في خوض أفكار ابداعية .
وأوصت قائد بالاهتمام بتعزيز اللغة العربية من جانب المؤسسات وإقامة مؤتمرات متخصصة لها للحفاظ عليها باعتبارها هي الأساس لارتباطنا الانساني والفكري.

مفهوم التنوير
من جهته اعتبر كبير محرري مجلة العربي الكويتية الدكتور أشرف أبو اليزيد أن البحث في مفهوم التنوير لايعني البحث عن معناه القاموسي وإزجاء محاضرات ودروس حول التنوير وعالمه، موضحاً: “من المهم جداً أن نطبق مفهوم التنوير كواقع عملي ونحلله إلى عناصره الأولى ثم ننقله الى الواقع فاذا كان التنوير يعني الارتباط بالحقيقة والصدق والتواصل واحترام الحضارات الأخرى وتبادل المعارف فلماذا لايكون ذلك ضمن برامج ثقافية”. 
وشدد أبو اليزيد على أنه لايجب أن يمارس الإعلام من هو غير أهل لذلك وبعيد عن المهنية، مبيناً أن وجود الشخص في منبر إعلامي يعني أنه يؤثر على المتلقي سلباً أو ايجاباً متمنياً أن يتبنى القائمون على الإعلام أدواراً تنويرية ليس فيها عنصرية او تزييف. 
سرير بروكست 
وعن فكرة التنوير أيضا، لكن من زاوية مختلفة تحدث وزير الثقافة السوري الأسبق رياض نعسان آغا، عن المقاربة بين حركة التنوير العربي والأوروبي موضحاً أن العرب اخطأوا عندما أخذوا كل تفاصيل التنوير الاوروبي ليطبقوها على مقاسهم لافتا الى أن ذلك يذكره سرير بروكست الذي يضطر فيه الى قطع الساقين لتكونا على مقاس السرير.
واعتقد الآغا أن فكرة القطيعة المعرفية التي نادى بها الحداثيون في أوروبا لم تكن منسجمة مع ثقافتنا العربية لأن العرب يرتكزون الى ثقافة راسخة وعريقة جداً، مشيراً الى أن الذين نادوا بهذا التنوير والحداثة وجدوا أنفسهم يصلون الى متاهات.
وأضاف الآغا: “هؤلاء عندما لم يجدوا فلسفة يقدموها للعالم قدموا البنيوية وهي لسانيات ثم وجدوا أنفسهم يقولون مابعد الحداثة ثم جاءوا ليقولوا مابعد ما بعد الحداثة والنتيجة صفر” متمنيا أن لايتكرر ذلك في الثقافة العربية.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *