“من ذاكرة الأبواب” للقاصة أمينة زريق عن دار فضاءات



خاص ( ثقافات )
عن دار فضاءات للنشر والتوزيع، صدرت الطبعة الأولى من المجموعة القصصية” من ذاكرة الأبواب” للكاتبة التونسية أمينة زريق، وتقع المجموعة في 140 صفحة من القطع المتوسط. 
أمينة زريق كاتبة تتسلل إليك دون استئذان من خلال ليونة الجمل المكثفة وانسيابية المبنى السردي الذي يجعلك تغرق في دهشة تشبه رذاذ مطر ناعم.
وهي كاتبة تونسية قيروانية تجعلك تشم رائحة خشب الأبواب والحجارة والأزقة في ثنايا مفرداتها وتراكيبها المنحوتة بصبر متصوف، ويصبح هذا طبيعيا ونحن نرى الوجود علة الكتابة لديها ومبتغاها.
الناقد صلاح الدين بوجاه- جامعة نزوى كتب في تقديمه للكتاب قائلا: ” دون وقوع في الإطراء غير المعلل، والذي نتجنبه في الغالب، نسجل أن إحساسا رائقا قد شملنا حين اطلاعنا على شطر من إبداع أمينة زريق، هذا الذي دفعت به إلينا معلنة أنها تبحث عن الإمساك بجوهر الوجود، عسى أن تجعل من الموصوفات هي نفسها، ولا شيء آخر غيرها!!
“الباب بكل تفاصيله، بلونه الباهت الذي ذهب بتوريقه البديع، برائحة الخشب الذي أكلته الرطوبة، وعشش السوس بين ثناياه… بملمس الخشب ذي النتوءات، واللوح المشروخ، والباب ذاته بكثرة عقده وصمته العميق”.
من رحم هذا الإحساس بالفن الروائي تولد القصة القصيرة عند أمينة زريق، هادئة منسابة رائقة: ” خذ الأبواب بقوة، وخذها بلين إذا أرادت لك، خذها أخذ الأبواب، وخذها كما شاءت لك الأجراس”… هل الأبواب إلا من قبيل الانفتاح على المدينة، وهل القيروان القديمة إلا أبواب تتلوها أبواب، تتداخل خلالها الأبواب، بعضها منفتح على بعض، وبعضها يفضي إلى بعض، في طريق متعرجة تؤدي كلها إلى ذات الطريق الأصل!
بل إنني لأتساءل “هل الرواية إلا بناء من توريق؟ بناء للأبواب المشرعة، فيه صدى كامل وعميق؟
في كل قصة من إبداعات الكاتبة أمينة زريق نفاذ إلى الأبواب الممكنة أو انبثاق منها؟ فكأن الأمر لا يعدو أن يكون في نهاية المطاف…أبوابا في أبواب، أو قل أبوابا من أبواب؟ تأسرك فيها القيروان القديمة، ببهائها وجلالة قدرها، ببخور أزقتها، وإمكاناتها التي لا تنتهي! هذه القيروان تمسك بنا، لتصنع منا كائنا جديدا…فندعو بول كلي ليسهم معنا -أو نسهم معه- في ابتداع ألوان مستجدة! نابعة من مساجد حي الجامع، وتباريح الصبابة في الخضراوين، والعطر المنساب من باب القدة!
وهل التعريشات المنبثقة في الساحات القديمة إلا من قبيل تلك التي تمتزج بعبق الخشب، وتباريح الرطوبة، والعمل على إعادة بناء الجمال الذاوي في الصخر والخشب والأشياء؟
إننا إزاء مبدعة تبحث عن الغوص في لب الوجود، تستنطقه، وتدفعه إلى القول والتعبير والإفصاح.
هذه رؤية جديدة إلى النصوص الكامنة داخل كل قيرواني، منها تنبثق رؤى متداخلة، لا حدود لها، يمسك بعضها برقاب البعض، دون أن تبين.!!
أذكر ههنا رواية “العطر” لباتريك شوشكاند، وأنا على يقين أن العطر أصل الأشياء! وأنتبه إلى أن أصل الخشب في الأشياء هو عطرها، كما أن أصل الغواية في القصة القصيرة هو ابتداع بنيتها، وعطر تركيبها، الكامن في عطر بنائها.
ألا يحيلنا هذا مجددا على قول الكاتبة: “خذ الأبواب بقوة… عسى أن ننتبه إلى أن زمننا هذا هو زمن الأبواب، الموصدة خاصة، والمفتوحة أحيانا! والمندرجة دوما في سياق السرد الجديد!”.
من الجدير بالذكر أن الكاتبة أمينة زريق من تونس- القيروان- متحصلة على الأستاذية في اللغة والآداب الانجليزية، أقامت في الولايات المتحدة الأمريكية وفي الخليج العربي ، تستقر حاليا في القيروان وتدير أعمالا حرة.
صدر لها: تخلنا الغربة إذ نخذلها ، شعر 2- لم انتبه(شعر)3- زهرة الأوركيدا( قصص أطفال).

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *