زياد إبراهيم
صدرت دراسة عن دار آفاق للنشر والتوزيع، لـ”د.قيس جواد العزاوي”، بعنوان الدولة العثمانية قراءة جديدة لعوامل الانحطاط، من القطع الكبير في 260 صفحة، الطبعة الخامسة.
يقدم هذا الكتاب قراءة جديدة لعوامل انحطاط الدولة العثمانية، أو بالأحرى دراسة عوامل لم ينل بعضها حظه من البحث والتمحيص على الرغم من أهميته واستمرارية تأثيره على واقعنا الإسلامي حتى يومنا هذا، كما لم يدرس بعضها الآخر بشكل واف يتلاءم وحجمه المؤثر في تاريخنا، أو أنه قوم بشكل آخر كأن اعتبر بداية نهوض وتقدم كالتنظيمات مثلًا، وهي عكس ذلك لأنها كانت بداية ربط الدولة بأنظمة السوق العالمية، وإخضاعها لمقتضيات التحديث والتغريب، وهذه العوامل هي: نظام الامتيازات الأجنبية التنظيمات، الوصاية الغربية على الأقليات الدينية، تغلغل القوانين الوضعية على حساب الشريعة الإسلامية، الفكر القومي التركي، سياسة التتريك.
العنوان دال، فالدراسة تتناول تاريخ الدولة العثمانية، والوقوف على أسباب الانهيار والضعف الذي أصابها، ومواقفها المختلة والمتباينة في ميزان العدل التاريخي، كدولة مهيمنة على معظم الدول العربية في فترة من الفترات، هذا الحلم المشوه المدعو بالخلافة العثمانية، والذي أحاطته بسياج تاريخي، وتحاول أن تضفي عليه بعض الجهات قدسية زائفة.
ففي الوقت التي مارست فيها الدولة العثمانية السيطرة الكاملة على مصر، وتفريغها من كل الكفاءات التي كانت ترحل على بلاط الدولة العثمانية في الأستانة، وتركتها في غياهب الفقر والجهل، كانت هي تركع أمام جميع القوى الدولية بالخارج، تتحالف مع روسيا، وتقدم الامتيازات إلى فرنسا الاستعمارية، وتخضع لإنجلترا.
وتعالج هذه الدراسة عوامل ضعف أساسية في تأريخ انحطاط الدولة العثمانية، والتي لم تنل حقها في الدراسة والتمحيص، حيث وصلت مستوى تخلف السلطنة إلى مرحلة اللا رجعة، وسط عالم متطور من الدول القومية الحديثة، إضافة إلى تعاظم الاستبداد السلطاني، وعدم توازن الدولة، وضعف إمكانتها وتطوراتها السياسية الاقتصادية، واستشراء الرشوة والفساد في جهازها الإداري.
وهناك بعض الباحثين يقولون: إن بداية الانهيار العثماني، كان مع بداية توالي الهزائم على الجيش الإنكشاري، أمام روسيا القيصرية، واضطر السلاطين لتأسيس جيش عثماني حديث، وجاء الصراع داخل الجيش التركي القوات الحديثة والإنكشارية، فزاد من ضعف الدولة العثمانية، ورغم أن هذه الآراء التي جاءت صحيحة ولكن الدراسة التي صاغها وكتبها “د.قيس جواد العزاوي”، تذهب بنا أبعد من ذلك، حيث يقف على خلفية هذا الصراع، الذي يذهب إلى أبعد من ذلك، حيث جاءت بداية الانهيار الحقيقي نتيجة الصراع بين الدولة والإنكشارية نفسها، -أي قبل ظهور الجيش الجديد-، فما أحدثته معارك الإنكشارية مع السلطة السياسية، من أضرار، على مستوى حياة القادة ومكانة الدولة ومؤسساتها كبير.
الصراع مع المؤسسة الإنكشارية لم يضعف الدولة فحسب، بل منعها من الفتوحات، وتحولت إلى دولة قابعة داخل قوقعتها، تدافع عن حدودها فقط، واستفحل الصراع واستطاعت المؤسسة الإنكشارية التدخل في السلطة، ووصلت قدرتهم حتى عزل ونفي وقتل السلاطين.
فقد عزلوا السلطان بايزيد الثاني ونصبوا أبنه سليم عام 1513-1520، ومنعوا السلطان سليم من مواصلة انتصاراته، على الدولة الصفوية، وأرجعوه قسرًا إلى استنابول عام 1514، وتمردوا على السلطان سليمان القانوني، 1520-1566، وقاوموا بنهب قصر الصدر الأعظم إبراهيم باشا، واعترضوا موكب السلطان سليم الثاني 1566-1574، واشترطوا عليه دفع مكافأة لهم حتى يسمحوا له بالمرور، وتحدوا السلطان مراد الثالث 1574-1595، وقتلوا مسئول أموال الإمبراطورية، وعزلوا السلطان عثمان الثاني 1618- 1622، وقتلوه، وقتلوا الصدر الأعظم حسن باشا على عهد السلطان مراد الرابع 1622-1640، وعزلوا السلطان إبراهيم الأول 1640-1648، واخيرًا عزلوا السلطان سليم الثالث 1789-1807، ونصبوا السلطان مصطفى الرابع 1807-1808، وغضبوا عليه فعزلوه ثم قتلوه.
على مدى أكثر من قرنين ونصف من الصراع مع الإنكشارية غرقت الساحة السياسية حتى أنها لم تعد تقوى على أن تنظر أبعد من درء التهديدات الداخلية، وأهملوا التحديات الخارجية، ومن هنا جاءت أهمية الدراسة الذي قدمها لنا “د.قيس جواد العزاوي”، حيث جاءت ستة فصول لتعرض بداية من إغراق الإمبراطورية العثمانية في نظام الامتيازات الأجنبية التي مُنحت إلى القوى العالمية والوصايا الغربية على الأقليات الدينية، والقوانين الوضعية.
نجحت الدراسة في إعادة قراءة للعوامل السياسية، دون أن تنزع إعادة القراءة لهذه الأحداث التاريخية في عزل هذه الأحداث عن أطره السياسية، وفضاءاته الاجتماعية بل تعاملت معه كمركب متكامل.
——–
البوابة نيوز