ريتشارد غير..متشرد منبوذ ومعدم في شوارع المدينة



كوليت مارشليان


يظهر الفنان النجم ريتشارد غير الذي عُرف بأدواره المميزة في قصص الحب في دور متشرد في فيلمه الجديد «وقت خارج عن المنطق» ويبدو فيه نجم الأناقة والوسامة سابقاً في شخصية رجل بلا مأوى يعيش على أنقاض المجتمع ويبحث طوال الوقت في براميل القمامة كما يمكن أن يستفيد منه، كما يقضي كل وقته في النهار بين محطات المترو في مدينة نيويورك وأمام حدائق عامة يبحث عن بقايا وجبة طعام استغنى عنها أحد المارة. واعتبر غير أنه كان سعيداً جداً أثناء تصوير الفيلم وأنه بقي أكثر من ساعة بملابس المتشرد قبل بدء تصوير المشاهد الأولى وأحب أن يقوم بالتجربة ليعرف إذا كان أحدهم قد يتعرّف إليه غير أن أحداً لم يلحظه من المادة في شوارع لوس أنجلس. وصرّح بأن شعور المتشرد الذي أحب أن يختبره قبل التصوير ليتمكن من تجسيد الشخصية هو شديد القسوة، خصوصاً الإحساس بالوحدة والانقطاع عن الحياة الطبيعية ومسارها اليومي حيث كان يراقب في تلك الساعة التي خصصها لتلك التجربة كيف أن المشرد يصبح مهمشاً عن الحياة كلها، فلا أحد يلتفت به وكأنه ليس موجوداً. وفي الوقت نفسه صرّح بأنه كان من الأفضل له أن يبقى غير معروف لأنه كان من الصعب تصوير الشخصية لو حصل العكس. وكان الممثل النجم قد تعرّض خلال التصوير إلى موقف طريف أثناء تصوير الفيلم حين أشفقت عليه إحدى السيدات وقدمت إليه الطعام ظناً منها أنه متشرد حقيقي، فانتشرت صورتها معه في الصحف في كل العالم في اليوم التالي حتى ظن البعض أنها مشاركة في الفيلم.

وريتشارد غير متشرداً في الشارع صورة انطبعت في ذاكرة المشاهدين الذين أحبوا النجم بهذا الدور الرائع منذ بدء عرض الفيلم في الأسبوع الثاني من أيلول الجاري، وقد اعتمد فيه المخرج أورين موفرمان إيقاعاً يعتمد على مراقبة الشخصية الرئيسية والخضوع إلى أسلوب يخلو من الحبكة المدروسة سلفاً، ويحكي الفيلم قصة بسيطة ويسلط الضوء على شخصية اجتماعية مهمّشة وتستوعب الكاميرا ببطء أعماق يأسه وحياته الصعبة التي هي كناية عن مجموعة إهانات يومية تتوالى وتشكل حياته الهشّة. وقد برع المخرج موفرمان في سنوات سابقة بجذب المشاهدين لأفلام مؤثرة له منها «الرسول» عام 2009، الذي تحدث فيه عن مشاكل العائلات الأميركية من الطبقة الوسطى الذين فقدوا أولادهم أو أزواجهم في الحرب على العراق، وفي العام 2011، أخرج أيضاً فيلم «رامبرت» وهو فيلم إثارة تحدث فيه عن شرطة لوس أنجلس والفساد الذي يعمّ مجتمعهم، وقد انضم الفيلم الجديد «وقت خارج عن المنطق، ليشكل مع الاثنين السابقين ما يشبه الثلاثية في نوع المعالجة والإضاءة على المجتمع الأميركي. ويشكل الفيلم الجديد تحولاً جذرياً في حياة الكاتب أيضاً جيفري كين وقد ساعده في كتابة النص المخرج موفرمان، حيث يعتمد فيه المؤلف كين خطوة نادرة في السينما الأميركية بحيث يبتعد عن التركيبة السحرية الناجحة لنصوص الأفلام بحيث تتم مراعاة الجاذبية التجارية التي تشغل شاشات السينما الأميركية. أما هو فقد سار عكس التيار واختار موضوعاً خاصاً كان يمكن أن يجعله يتراجع خطوة إلى الوراء لكنه عرف كيف يلعبها إيجابياً عبر مشاركة النجم المحبوب ريتشارد غير في الدور البطولي، وهذا وحده يعتبر عامل جذب رئيسي لنجاح الفيلم.

ويدعى غير في الفيلم جورج هاموند، غير أن المشاهد لا يسمع ذلك سوى بعد ساعة وأكثر من الأحداث وكأنه اسمه غير مهم، فهو يشبه كل المشردين، ونلحظ منذ اللحظات الأولى للفيلم كيف أنه تم طرده من غرفته الفقيرة لعدم دفعه الإيجار منذ شهور ويسير معه المشاهد على خطى اليوميات القاسية في شوارع نيويورك، ونفهم ظروف حياته عبر لقطات قصيرة مثل محاولته رؤية امرأة شابة تدعى ماغي ترفض مقابلته سلفاً ونفهم أنها ابنته التي لا تريد أن تعرف عنه شيئاً. وينتقل إلى حل آخر وهو اللجوء إلى أحد ملاجئ المشردين في مانهاتن، فيعيش معه المشاهد أيضاً صعوبة الأمر من أسئلة وانتظار ليحصل على قسيمة لوجبة مجانية أو قسيمة للاستحمام أو النوم لليلة واحدة. ويصوّر الفيلم أيضاً عبر تلك اللقطات حياة فئة كبيرة من المجتمع الأميركي وهي فئة العمال الأجانب المشردين من دون أوراق الذين يتخلى عنهم المجتمع بقسوة لا مثيل لها.

أما أداء غير الرائع في الفيلم فكان منذ بداية الشهر محط إعجاب النقّاد الذين اعتبروا أن النجم الذي سحر العالم بجماله وجاذبيته الخارقة في بداياته يطل في «زمن خارج عن المنطق» بهذا الإطار وكأنه «يُكفّر عن ذنوبه في كل ما أصاب زملاؤه في حقبات ماضية من تهميش بسبب سحره الذي لا يُقاوم…» وأيضاً لكسر صورة «الفخامة» التي رافقت مجمل أعماله، منها هو اليوم يطلّ ليقول إنه قادر على المشاركة في أعمال تخدم فئة مظلومة ومهمشة من المجتمع الأميركي، وهو عرف كيف يغوص في العالم السفلي الأميركي في أداء رفيع المستوى قد يكسر الصورة النمطية التي وضعته فيها أفلامه السابقة والتي تتمثل في الرجل الجذاب والأنيق ليدخل مرحلة أكثر نضجاً تتماشى مع سنّه ومع خبرته السينمائية التي تجلّت هذا العام بهذا الدور المؤثر ويعتبر بعض النقّاد أنه قد يقوده هذا العام إلى جائزة عالمية تضعه في مصاف كبار ممثلي هوليوود.

المستقبل

شاهد أيضاً

العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية

(ثقافات) “طربوش أبو عزمي العلي”:   العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية زياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *