ما زال النقاد وحتى الكاتبات أنفسهن عالقين في مصطلح “الأدب النسوي” وإشكالياته، وهل من الممكن رفض التوصيف أو قبوله، وعلى ماذا يعتمد الرفض أو القبول والأسئلة كثيرة، منها: هل يمكن تصنيف النص بيولوجياً؟ وهل يعدّ النص الذي يكتبه الرجل عن المرأة وقضاياها أدباً نسويّاً؟ وهل كل ما تكتبه المرأة يُصنَّف أدباً نسويّاً على الرغم من كون موضوعه لا يتعلق بالمرأة؟ ولماذا لا نطلق تسمية “الأدب الذكوري” على كتابة الرجل بمقابل مصطلح الأدب النسوي؟
إن إحالة الصفة البيولوجية لنوعية الكتابة مسألة تتعلق بتنظيم مصطلح الجنسوية أو الأدب النسوي، فقبل أكثر من مئة عام قالت الكاتبة جيني هيربكورت “سادتي لا أستطيع أن أكتب إلا كامرأة بما أن لي شرف كوني امرأة”، وهذا بحد ذاته ليس تهمة، فالاختلافات بين كتابة المرأة وكتابة الرجل تخص التناول لنفس المواضيع، فحين تتناول المرأة ويتناول الرجل نفس الموضوع، فإن المرأة غالبا ما تميل إلى الجانب الوجداني وتكثر من البوح وتستعمل لتحقيق ذلك لغة مكثفة مواربة لإخفاء الكثير مما لا تستطيع البوح به ضمن قيود القوانين والأعراف والوصايا المتربصة بالمرأة عبر التاريخ.
فيما يخص التسمية «الأدب النسوي» فقد قال الكاتب المغربي الراحل محمد شكري “ليس هناك كتابة نسوية محضة وكتابة رجالية محضة، بل هناك كتابات جيدة وكتابات رديئة”، والآن تشترك المرأة الكاتبة مع الرجل الكاتب في ذات الهموم والانشغالات الوجودية والثقافية والاجتماعية مع فارق خصوصية المرأة في اللغة وطريقة التناول التي تهندسها غالبا شروط خارج الكتابة وخارج ذات المرأة.
إن كتابة المرأة، هذا الكائن المسكون بفتنة التفاصيل والمحتفي بعبق البوح، قد اجترحت بقوة التناقضات والأسئلة حول كينونة الأدب النسوي، وأضفت على المشهد الإبداعي تنوعا وتجديدا بالغي الخصوصية في المواضيع وطرحها ولغتها.
وقد رأت الكثيرات من الكاتبات أن سبب إشكالية هذه التسمية يأتي من حيث كونها غير دقيقة أصلاً، فكيف يمكن أن نطلق “الأدب النسوي”، ولا نطلق “الفن التشكيلي النسوي”، أو “الموسيقى النسوية”؟
وعلى الرغم من رفض الكثير من الكاتبات لهذه التسمية، إلا أنهن اعترفن بوجود كتابة أنثوية تقابلها كتابة ذكورية، والقضية هنا ليست قضية امرأة أو رجل بقدر ما هي نسبة الأنثوية التي يحتويها النص سواء كان الكاتب رجلاً أو امرأة، ونسبة الذكورية التي يحتويها أيضا.
فقد رفضت الناقدة العراقية نازك الاعرجي التي تعتبر من الناقدات النسويات المجتهدات والرائدات في هذا المجال في كتابها “صوت الأنثى” استخـــــدام مصطلح الكتابة الأنثوية، لأن الأنوثة كمفهوم تعني لها ما تقوم به الأنثى، وما تتصف به وتنضبط إليه فلفظ الأنثى “يستدعي على الفور وظيفتها الجنسية، وذلك لفرط ما استخدم اللفظ لوصف الضعف والرقة والاستسلام والسلبية”.
وأوضحت الدكتورة موزة المالكي -كاتبة ومعالجة نفسية قطرية- في حديث لموقع “بوابة الشرق” أن الأدب هو أدب ولا يقتصر فقط على الرجال أو النساء، رافضة أن يتم الفصل بين الرجل والنساء فيما يتعلق بمجال الأدب، لافتة إلى أن الأدب له أصول ومفردات تختلف في تميزها من أديب لآخر ولايمكن أن يختلف عن الرجل أو المرأة، ولا يمكن أن نسمي غير الأدب أدباً لمجرد أن كاتبه امرأة أو رجل كما هو رأي الكثير من النقاد.
ومن وجهة نظر الكثير من الكاتبات أن الخصوصية التي تكتب بها المرأة نصوصَها المختلفة، والروح المتفردة التي تظهر في كتابتها، وعنايتها بالتفاصيل الدقيقة، يمكن إدراجها تحت الفروق بين كتابة الرجل وكتابة المرأة؛ إذ تحفل كتابة الرجل أيضاً بخصوصية وتفاصيل وسمات خاصة.
وما دام النقاد لم يطلقوا على كتابة الرجل أدباً ذكوريّاً، فإن تسمية “الأدب النسوي” تبقى لوناً من ألوان التمييز والعنصرية التي تتعامل مع المرأة بوصفها كائناً فضائيّاً.
وقالت الدكتورة ماجدة حمود أستاذ النقد الحديث في جامعة دمشق في حوار لصحيفة”اليوم”: إن ثمة إشكالية في الإبداع الأدبي هي إشكالية عامة بغض النظر عن جنس الموضوع. فالنص الأدبي يمتعنا أو لا يمتعنا سواء أكان المبدع ذكرا أم أنثى ولكن هل يستطيع هذا النص أن يمتلك الإبداع إذا لم يكن ذا سمة خاصة به. هنا نجد أنفسنا نتساءل: ما هذه السمة؟ من أين يستمدها المبدع؟
وقد أوضحت بعض الكاتبات أن وجود مثل هذا الوصف لكتابة المرأة، يقر بوجود صراع بين كتابة المرأة والرجل على حد سواء، وفضلن أن يُصنَّف ما يسمى “الصراع “على أنه ثنائية في الأدب، وهذا يتضمن إقراراً بالاختلافات بين كتابة الرجل وكتابة المرأة في طريقة تناول كلّ منهما للموضوع نفسه، وأسلوب تفريغ كلّ منهما لذاته في النص بلغة تشبه.
فالمرأة تميل إلى البوح والتفصيل والوجدانيات، والرجل يميل غالباً إلى النبرة العالية، وإظهار الذات مباشرة أحياناً، وهذا ما يجعل لكلمة “الصراع” إسقاطاً نفسيّاً ولغويّاً وتاريخيّاً، يشي بحرب مشتعلة.
إن العلاقة بين المرأة والرجل ليست ساحة حرب بالدلالات التي تحملها كلمة”صراع”، والتي تقرُّ مسبقاً بوجود العدائية والتحفز لقتال الآخر.. والكتابة التي تكتبها المرأة هي نظرة إلى العالم من أجل قول الكثير وتأنيث اللغة والأسلوب بما يتطلبه مشروع كتابتها كامرأة موجودة من أجل الحصول على حق مشروع في التعبير والكينونة،لا تصارع المرأة في كتابتها بالقدر الذي تحاول فيه أن تتجنب أولا الاقتصاص من حس التهميش الذي يتمتع به العالم تجاهها، ومحاولة انتزاع الاعتراف بأن ثنائية “رجل وامرأة” ليس الهدف منها إلا إنعاش النص الكتابي بهوية إبداعية ذات خصائص وملامح جديدة.
ميدل ايست أونلاين