العصر الرقمي سيغيّر الأدباء إلى صحفيين



كرم نعمة


أتوقع أن يتأمل كيفين كيلي منظّر الإنترنت كلام الروائي الأميركي جوناثان فرانزين ويستعيد ما كتبه اليوم بعد عشرة أعوام تقريبا، عن اختفاء الحدود الفاصلة بين الأجناس الأدبية المختلفة في الكتابة الرقمية.
ففرانزين (55 عاما) الذي يوصف بأنه من بين أهم الروائيين المعاصرين، بعد أن وضعت أعماله في لائحة الأكثر قراءة، يحذر الجيل المعاصر من إضاعة وقته في المزيد من التغريدات عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر، بدلا من تطوير أدواتهم في الكتابة، واصفا الكتابة بأنها ليست مؤسسة طائفية جماعية كي تجمع حولها الآخرين، بقدر ما هي جهد خيالي شخصي.
بينما يرى كيلي أن المستقبل سيشهد نشأة صيغة جديدة من صيغ أدب، ليس رقميا كليا فحسب، بل ويجري تداوله أيضا في الزمن الحقيقي ويسفر عن اختفاء الحدود الفاصلة بين الأجناس الأدبية المختلفة، ومناحي الحياة المتعددة، والهويات المتباينة.
فالكاتب الأميركي بريت ايستون إيليس مثلا أنفق في السنوات الأخيرة في سياق أحاديثه مع نصف مليون من متابعيه في تويتر، وقتا فاق بكثير الوقت الذي خصصه لروايته القادمة.
ومثل هذا الكلام لم يكن سيروق للروائي الألماني الراحل غونتر غراس الذي يرى أن التجارب الافتراضية الظاهرية على الإنترنت لن تكون بديلا عن التجارب المباشرة.
لكن العصر الرقمي سيرغم الأديب على أن يكون صحفيا، بعد الترفع الأدبي عن استخدام أدوات الصحفي اللغوية والتقنية، والذي قضت عليه التكنولوجيا المتصاعدة.
وهذا ما يسميه كيلي بالأدب البديل، ومن حيث المحتوى الرقمي هو في حقيقة الأمر جهد صحفي ابتداء من التغريدات والتعليقات على فيسبوك والمحادثة والمراسلة الإلكترونية، وصار جمعها في كتاب شامل أدبا رقميا جديدا، عالجه يوهانيس تومفارت المُنَظِر المختص بشؤون الإنترنت في دراسة لافتة بامتياز في مجلة فكر وفن في عددها الأخير، التي تصدر عن معهد غوته وترجمها عدنان عباس علي.
الإنترنت هبة السماء، منح الكُتاب الفرصة لأن ينشروا أعمالهم، من غير الخضوع لحسابات وأهواء دور النشر في أدب يساهم في كتابة كل جملة من جمله خليط من ناشطين في الويب، في تقدم تكنولوجي جديد وجذري في عالم الإعلام.
وهذا ما سبق وأن شرحه بيان الإنترنت الذي أصدره نخبة من الصحفيين قبل سنوات عندما سمح الإنترنت بالتواصل مباشرة مع الأشخاص، وتغير الحديث القديم عن القرّاء والمستمعين والمتفرّجين، واستغلال معرفتهم، فلسنا بحاجة اليوم إلى صحفيين يعرفون كل شيء مسبقا، ولكن نحن بحاجة للّذين يتواصلون، للّذين يشكّون ويضعون الأسئلة.
فنسبة المؤلفات المنشورة بشكل شخصي، زادت على ثلاثين بالمئة مقارنة بإجمالي الكتب المباعة من قبل دور النشر، ذات الصفة الشبه احتكارية، وهذه النسبة في تزايد مستمر. فيما يقف كتاب مرموقون على أهبة الاستعداد لدعم مبادرة مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ التي أعلنها بداية العام الحالي بهدف استحداث ناد تقليدي للكتب في موقع التواصل الاجتماعي.

العصر الرقمي ينتج أدبا أسماه المحلل المتخصص بالويب كينيث غولدسميث بجرأة “الكتابة غير الإبداعية”، أو حلفا مع الشيطان كما بينت المهتمة بشؤون محتوى الإنترنت جودي دين، لكن كل ذلك لا يمنح غولدسميث ودين أي سبب لأن يخشيا وسائل التواصل الاجتماعي، حسب يوهانيس تومفارت في دراسته المتميزة، فهناك سلسلة تتشكل في الشبكة العنكبوتية، وقادرة على إزاحة نموذج التمثيل البرلماني البالي السائد في العالم الغربي، النموذج القائم على أسس الديمقراطية البرلمانية.
ومع أن تومفارت يسمي الكتاب بالوسيلة الجليلة التي يتداولها الجمهور، إلا أنه يصر في نوع من التطرف على أن صلاحيته أشرفت على الانتهاء بعد تغلغل الأدب في كافة مناحي الحياة، ما ينطوي على فرصة تساعد على تقديم وسيلة جديدة، لعرض المؤلفات الأدبية، متمثلة بالكتاب الإلكتروني.
في النهاية، يرفع العصر الرقمي الأدب إلى طور جديد يتميز بمقاربة الجودة، ويجعل من الأدباء صحفيين بالضرورة عبر تعاملهم مع النصوص والأصوات والصور التي لم تعد ظرفيه، ولا يكسب الاهتمام العام إلا المتميزون.

ميدل ايست أونلاين

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *