ترجمة: علي عبيدات
خاص ( ثقافات )
يعتقد المفكر العربي المشهور صادق العظم أن المشكلة المفصلية للفِرق الإسلامية تكمن في أن أتباع هذه الفرق لم يستطيعوا أن يجعلوا معتقداتهم الدينية عصرية ومنسجمة مع الحياة. وعلى حد قوله فإن الكثير من المسلمين يريدون أن يصلوا إلى تقدم ورفاه هذه الحياة وفق أفكار ومعتقدات القرون الوسطى.
وما انفك المستنيرون عن البحث والجدل متسائلين” لماذا انحط وتأزم حال الفرق الإسلامية على مختلف الأصعدة؟، وقد فكروا بكل شيء دون أن يحددوا مشكلة هذه الفرق ” الإسلامية” بشكل دقيق، بينما يعتنق أهلها معتقدات ليست عصريّة.
وقال الفيلسوف والمفكر السوري صادق العظم في حوار حول نمو الأصولية:” إن المتشددين الإسلاميين يحملون السموم المنوعة التي تسبب مرضاً واحداً، ويتمّثل هذا في التشويه الذي أثقلوا به الحداثة العربية، ليستحيل نمو وتقدم المجتمع وبّث الرفاه والدعة بينما تتجلى الأصولية بشيء من الاستهزاء بالحداثة الفاشلة.
ويعرّف العظم بأنه الشخصية العربية التنويرية الأكثر شهرة وقوة، وكان له حوار قصير وثري مع صحفية ” نويه تسوريشر تسايتونج” السويسرية بيّن فيه نظرياته بإضاءة مكثّفة.
ويعتبر العظم النقد الثقافي أهم وظيفة لمستنيري الفِرق العربية، ويرى أنه يتوجب على هذا النوع من النقد أن يكون جذرياً وجريئاً ويبدأ بأعمدة المؤسسة الدينية التي لا تتواءم مع البُنَى الحداثيّة.
وكان العظم قد اشتغّل بهذا النقد قبل سنوات خلّت ضمن كتابه المهم “نقد الفكر الديني” وتحمل الاضطهاد والمتاعب الكبيرة التي تسبب بها المتعصبون، حتى أن بعض الفِرق المتطرفة أفتّت بهدر دمه. وهذه الأيام تمددت الجماعات المتطرفة وانكشف مرادها ومدى خطورتها، لتلاقي نظريات صادق العظم صدى جديداً.
فشل المراجع الدينية
اتهم العظم المرجعيات الدينية الرسمية المهيمنة على العالم الإسلامي ( مصر والسعودية) التي صدّت الإصلاح الديني بالعنف والتعصب، ولم تحمل الدين إلى الربط بين مطالبات ومتطلبات العصر؛ لأن القائمين عليها يخشون خسارة سلطتهم مما يدفعهم إلى استثمار الإسلام وفق مصالحهم ضاربين بعرض الحائط أي نوع من حداثة الدين الإسلامي.
تخشى هذه المرجعيات أن يلاقي الإسلام مصير الديانة المسيحية في الغرب إذا مسّته العلمانيّة، الأمر الذي يؤدي إلى اقصائهم من هذا الميدان وفقدانهم سلطتهم، وما يقلقهم أكثر هو فقدان السلطة السياسية والمعنوية.
ويتهم العظم المرجعيات الدينية بأنها أقامت حاضنة لبّث الأصولية كفيروس ينشر المرض في كل المجتمعات الإسلامية، مصرحاً بأن الفقه الإسلامي التقليدي لا بد وأن يصنع داعش ولا شيء غيره.
الإصلاح الديني أهم من العلمانيّة
وعلى صعيد العلمانية، يرى العظم أن العلمانية التي فحواها فصل الدين عن السياسة في ذروة الأهمية، لكن هذا ليس كافياً، فحفظ المعتقدات الإسلامية القائم على الفقه وأصول الشريعة لا ينجب علمانيّة، وأولاً وقبل كل ما يطرح، يتوجب إصلاح هذا التفكير وفق ما يتواءم مع الحياة العصرية.
ويرى العظم أن إصلاح الإسلام التقليدي يتشكل على يد المستنيرين المسلمين، وفي هذا الباب أثنى العظم على دور بعض المستنيرين كنصر أبو زيد في مصر ومحمد أركون في الجزائر ومحمد شحرور في سوريا، لكنه نفى أن تكون محاولاتهم قد جاءت بصورة تيّار قوي ومؤثر يُمَكِنُنَا من أن نكون أمام تحول حقيقي لمؤسسات المجتمعات الاسلامية.
وفي تصور العظم فإن أهم وظيفة للمستنيرين وطالبي الإصلاح هي المؤاخاة بين عقائد دينهم وحقوق الإنسان وحريات الفرد. وأكد العظم على أنه لم يتم النظر إلى الإسلام من منظور مصلح جريء وصاحب رؤية عميقة كمارتن لوثر مؤسس البروتستانتية.
ويعتبر صادق العظم الأب الروحي لكل كتّاب العلمانية والحداثة العربية، وهذا المفكر السوري المشهور والمولود في دمشق عام 1934 ضليع في التراث الإسلامي والعربي، وكذلك الحال، تعمق في الفلسفة والفكر الغربي ودرس هذا في جامعات مهمة. وكُرّم أكثر من مرة تقديراً لجهوده التنويرية في ميدان بسط الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، ونال مؤخراً على ميدالية جوته تكريماً لجهوده.
________
ترجمة عن: DW News