حاوره : محمد نجيب محمد علي
الأستاذ الجامعي والكاتب محمد المهدي بشرى صاحب صولات وجولات في الثقافة السودانية، ومثلت دراسته حول “الفلكلور في أدب الطيب صالح” نقلة كبيرة في علاقة الفلكلور بالإبداع الروائي. ولبشرى مؤلفات حول الرواية والقصة، ونشرت له مجموعة قصصية واحدة ورواية، كما له إبداع سردي نشر في كثير من الدوريات والمجلات المتخصصة، وهو عضو أمانة جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي، وشارك في كثير من المحافل العربية والعالمية المختصة بالسرد.. التقته الجزيرة نت وكان لها معه هذا الحوار:
– زاوجتم بين الفلكلور والرواية من خلال رسالتكم للدكتوراه “الفلكلور في أدب الطيب صالح”، هل هذه الدراسة تدخل في سياق النصوص المتجاورة؟
ليس أمرا جديدا ما تناولته فقد انفتحت كل الحقول الإبداعية على بعضها وأضحت متجاورة ومتحاورة ومرتبطة بسياق متكامل. وفي الإبداع السوداني نماذج عديدة يمكن من خلالها قراءة علاقة الفلكلور بها.
وفي دراستي “الرواية والتاريخ” تجد أن هناك مصادر كثيرة لم ينتبه لها المؤرخ، ولكن الرواية السودانية تنبهت لكنز ومخزون غني جدا في التراث، يتمثل في أعمال الروائييْن إبراهيم إسحق والطيب صالح، وتوظيفهما للتراث لم يكن بسيطا أو مسطحا بل واعيا وعميقا، ويمكن لنا أن ندرس إبداعهما في الإنثربولوجي أو في علم الاجتماع أو العادات والتقاليد، وكما قال أحد النقاد الكبار فإن رواية “عرس الزين” متحف للعادات والتقاليد في السودان وهي من تأثيرات الرواية الحداثية. والنقاد لم يتنبهوا للفلكلور كمكون أساسي في أدب الطيب صالح الذي استطاع أن يعيد إنتاج هذا الفلكلور في سرده الروائي بشكل خلاق ساعد في بناء الشخصيات وفي تطور الأحداث.
– كيف تقرؤون مسيرة الرواية السودانية؟
الرواية السودانية في بداياتها كانت تسير في أثر الرواية المصرية التقليدية: أعمال توفيق الحكيم والعقاد والمازني ونجيب محفوظ، والأخير كان أكثرهم تأثيرا فيها، وكان يستغرقها ويشغلها الهم الاجتماعي والصراع الطبقي والفقر والتعليم والنضال السياسي.
وفي الستينيات بدأ تطور الرواية بجانب الأجناس الأخرى، وحدثت انعطافة في مسيرة الرواية السودانية، وهذا التطور حدث بسبب اكتشاف التراث وتوظيفه الخلاق، فالطيب صالح يكتب عن تاريخ السودان عن مجيء الإسلام والتصوف، وكذلك الأمر عند إبراهيم إسحق فقد نقلنا من الوسط والمركز إلى منطقة نائية في غرب السودان هي دارفور، مما يثبت أن السودان بلد متعدد الثقافات.
– كيف تقرؤون استخدامات المناهج النقدية الحديثة وتطبيقاتها على السرد السوداني؟
راجت مقولة حتى أصبحت عند البعض من المسلمات، تذهب إلى أن النقد الأكاديمي غير مفيد، وهذا قول غير صائب لأن النقد في العالم تقدّم على يد أكاديميين، وإدوارد سعيد أثناء وجوده في أميركا تنبه إلى أن رواية “موسم الهجرة إلى الشمال” تصف العالم الثالث بعد الحداثة.
ومن النقاد أيضا هناك جولي كرستيفا ورونالد بارت وكلهم أكاديميون متمكنون من منهجهم وأدواتهم، وفي السودان بدأ هذا الاتجاه واضحا منذ السبعينيات في دراسة الإبداع والسرديات بمناهج أكاديمية ونظريات صارمة. وهذا لا ينفي أن هناك قراءات كثيرة لا تخرج عن عرض الكتب والتقديم لهذا الكتاب أو ذاك، وهي تحتشد بآراء انطباعية وبأحكام غير مؤسسة، ومثل هذه القراءات لا تساعد القارئ على التوغل في سراديب النص.
– الناقد مجذوب عيدروس قال بالانفجار الروائي، فكيف تقرؤونه؟ وهل هو في خانة التطور أم خانة التكرار؟
هناك أجناس إبداعية إذا لم تتوفر لها الظروف تظل خامدة وميتة، والرواية بدأت بطيئة وفي الستينيات كان العصر الذهبي للقصة القصيرة والشعر، وبعد التسعينيات بدأ الانفجار الروائي الذي يقول به عيدروس، إذ إن أجيالا كثيرة وجدت أن الرواية تحقق لها المساهمة في قراءة الواقع بتجلياته السياسية والثقافية والاقتصادية، وإذا نظرت إلى الكتابة في العالم تجد أن الرواية تتبوأ مقعدا عظيما في السرد الإنساني لما تشتمل عليه من أسئلة للوجود والحياة والإنسان وتقلباته كونيا، وهذا عصر الرواية أصلا، وهي فن السرد الأول، وتجد من يقول في العالم العربي إن الرواية أضحت ديوان العرب.
– تناولتم كثيرا كتابات المرأة المبدعة، فهل تجدون أن مسارها سرديا يختلف عن الرجل؟
إبداع المرأة له خصوصيته، وهذا أمر إيجابي ولكنه لا ينطوي على حكم قيمي، فالمرأة هي الأقدر على التعبير عن نفسها، ونساء أوروبا ينادين حتى يومنا هذا بخصوصية عالمهن في الحياة، وفي السودان والوطن العربي نجد أن إبداع المرأة يعبر عن واقعها وخصوصياتها وعالمها وأحلامها ونجاحاتها وانكساراتها ونظرتها للرجل ونظرة الرجل لها، وأجدها متقدمة في التعبير عن كينونتها ولغتها الخاصة.
هناك اختلاف بين إبداع الرجل وإبداع المرأة، فالمرأة مورس عليها القهر من البيت والمجتمع منذ آماد بعيدة، وعندما انطلقت وعبرت عن عالمها ظهرت خصوصيتها وتفردها الكبير الذي يحكي عن تجربة إنسانية عميقة للمرأة الكاتبة.
– من خلال قراءاتكم وكتاباتكم عن الرواية الفلسطينية وتركيزكم على جبرا إبراهيم جبرا في “البحث عن وليد مسعود”.. كيف تنظرون للرواية الفلسطينية؟
الرواية الفلسطينية متقدمة لأنها تمثل إبداع مقاومة، ودائما تتجلى في المنافي قمة الحنين إلى الوطن المغتصب. وسبق أن كتبت عن القدس في السرد الفلسطيني لأهمية القدس ورمزيتها كمركز للنضال الفلسطيني، وفي ذلك نجد إشارات كثيرة لدى غسان كنفاني وسحر خليفة.
الرواية الفلسطينية لا تقل عن الشعر في ازدهارها وفي بلوغها القمة، وأنا أعتقد أن رواية جبرا “البحث عن وليد مسعود” سبقت الطيب صالح في أن النص لا ينفتح بسهولة للقارئ، وكما اختلف الناس أيهما البطل في رواية “موسم الهجرة” أهو مصطفى سعيد أم الراوي، كذلك اشتبه عليهم الأمر في رواية جبرا. أيضا البناء السردي معقد جدا في البحث عن وليد مسعود، والتي أعتبرها من أميز الروايات العربية.
– ما تقييمكم للمشاركة العربية في جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي وأنت عضو أمانة الجائزة؟
– نسعد للحوار الحي النشط بين النقاد العرب ومن يأتي منهم، وكلها أسماء ذات قيمة إبداعية كبيرة ولها إسهاماتها في الوطن العربي والعالم، وقد وجدوا اهتماما كبيرا من الحركة الثقافية السودانية لمعرفتنا بمساهماتهم وقيمتهم الفكرية والثقافية والإبداعية، وهذه التظاهرة في اعتقادي تساهم في التواصل بين المبدعين السودانيين والمبدعين العرب وبينهما اسم كبير وعلم مثل الطيب صالح.
الجزيرة نت