ترجمة/ عادل العامل
عندما يؤلف الكاتب عملاً ما، يكون محكوماً في العادة بجملة أشياء منها الظروف التي كتب فيها العمل، والثقافة التي هو عليها، والخبرة الفنية التي تتوفر لديه في مجال الكتابة. وقد نشرت صحيفة النيويورك تايمس مقالات لكتّاب يُبدون فيها رأيهم في عمل لهم صدر قبل سنوات، وفقاً لوضعهم الثقافي الحالي، وأفكارهم الجديدة، والخبرة التي تطورت لديهم حتى الآن.
وكان من هؤلاء الكاتب الأميركي جورج سوندرز George Saunders (المولود عام 1958) الذي يكتب القصة، والمقالة، والرواية، وأدب الأطفال، وكان العمل الذي عاد إليه مجموعته القصصية ” أرض الحرب الأهلية CivilWarLand ” :
لا أعتقد بأنني قرأت مجموعتي القصصية ” أرض الحرب الأهلية ” بتمامها منذ أن ظهرت، في عام 1992. وكانت قراءتها مرة أخرى أمراً مثيراً للذعر، في الواقع. فقد كانت الحال كما لو أن شخصاً ما قال لك: ” هاي، لقد وجدنا للتو فيديو أمور منزلية عنك، في الفترة 1990 ــ 1996 تقريباً! هل تريد مشاهدته؟ ” حسَن، إنك تريد ولا تريد. ولقد وجدتُ القصص، وفقاً لذوقي الحالي، نوعاً من الهوَس والحِدّة. ويبدو الفتى الذي كتبها نافراً من قول أي شيء بالطريقة العادية. فالقصص سريعة، تقريباً سريعة جداً ــ وصف مادي في حده الأدنى، مكثَّف جداً، مهتم بالأسلوب إلى درجة عالية. وهناك تحول غير عادي في العبارة، وبغض لأي شيء يمكن اعتباره تافهاً، أو متكَلَّفاً، أو دخيلاً. ويبدو الأمر وكأن الكاتب قد توفرت له معرفة طفيفة بحقيقة معينة ( عن الحياة تحت الرأسمالية، أو مجرد الحياة تحت قيد مادي، بوجهٍ عام ) وهو يحاول يائساً أن يعبّر عن تلك الرسالة من خلال ذلك، بينما ما يزال يكتشفها في الوقت نفسه، وهو يختصر ويغربل الرسالة خلال هذه العملية، لكن بطريقة ما محبوبة ــ تبدو غرابة التبليغ متعلقة بصفاء معين في القصد. و كان من الواجب، كما يبدو، التضحية بالدقة والرشاقة في التعبير باسم العجلة، ربما.وعند قراءتي هذه القصص مرة أخرى، وجدتُ نفسي أفتقد عبارات شبحية كنت متأكداً تقريباً من أنها كانت هناك، لكن لا بد وأني كما هو واضح قد حذفتها في مرحلةٍ ما.
ووجدتُ نفسي مدفوعاً كالصاروخ عائداً إلى المواضع التي كنت أجلس فيها في الماضي حين أكتب القصص ( مقصورتي في الشركة الهندسية حيث كنت أعمل طوال سبع سنوات )؛ حافلة مدينة روشستر ( وأنا أقوم بتحرير كتابتي في العتمة بينما ما يزال هناك ضوء )؛ جلوسي في مقهى ( خلال الاستراحة من دروس الغيتار التي أقوم بتعليمها أيام الأحد ). كما وجدت نفسي وقد خطرت لي فجأةً ذكرى تصميم أحد مواقع الموضوعات في الكتاب، الملمَّح إليه في القصة، والمعروف جيداً لي مع هذا بما يكفي لجعل هذه الذكريات لا تبدو إلا لمسةً أقل واقعيةً من ذكرى المنازل التي عشت فيها خلال ذلك الوقت. وقد حضرت مواقع الموضوعات في ذهني كما غادرتُها بالضبط، كما لو كانت ماكثة هناك كل هذه السنين، بانتظار أن يصل ” ضيوفٌ ” إليها.لقد كان من الممتع والمهم أن أعود إلى شيء كنت قد عملته وأجد كم تغيّر هذا الشيء. ومع أننا نرى أننا نصنع صروحاً دائمة يمكن أن تستقر عليها أنانا ego، فإننا نكوّن في الواقع شيئاً ما أشبه بسحابة من ضباب. إننا نرجع إلى ما كنا قد صنعناه ونكتشف أنه يتغير جميعاً باستمرار. فقد تغيرنا نحن، وتغير السياق الفني المحيط بالقصة، وتغير العالم. وهذا أمر مدهش ومفيد. وهو يذكّرني بأن القيمة الحقيقية للعمل الفني ليست المنتَج وإنما عملية القيام بذلك.
عن/ The New York Times
_____
*المصدر: المدى