سميحة خريس: القراءة حالياً كالقبض على الجمر


آية إيهاب- دار الإعلام العربية

لم تكتفِ الروائية الأردنية، سميحة خريس، بمستوى محدد من التطور في ساح الرواية والثقافة والفكر. فهي في كل يوم تضرب موعداً مع تجديد العطاء، لتمدنا بنتاج أدبي هو نتاج وعصارات لسبر فاحص لحيثيات مجتمعاتنا، يطرق الحقول كافة.

وهي تشرح في حوارها مع (بيان الكتب)، جملة رؤاها وتصوراتها حول وظيفة الأدب والأديب.. بجانب تطرقها إلى عدد من القضايا والمسائل الفكرية المجتمعية، مؤكدة في الوقت عينه، أن الأديب في ما يكتب، هو بمثابة من يقدم اقتراحات على المعرفة والحياة. كما توضح أنها ترى القراءة حاليا، كالقبض على الجمر، وذلك في ظل تسيد التكنولوجيا لعصرنا، ورواج مواقع التواصل الاجتماعي وتركزها كمنفذ للمعرفة والاراء .

درستِ علم الاجتماع وعملتِ في الصحافة وعنيتِ بالأدب. ماذا أضافت لكِ كل هذه المجالات؟

لعلي كنت محظوظة كوني درست علم الاجتماع، لأنه أحد أهم العلوم التي تضع العالم بين يدي المرء، حتى لو كان الروائي موهوباً وعلى بصيرة ودراية في إدارة الرواية، فإن معرفته بكثير من خفايا علم الاجتماع تمكنه من فهم عميق وشامل لصورة الحياة البشرية وسط الكون من نواحيه الكثيرة، الجغرافية والتاريخية والأهم: الإنسانية.

كما يتسنى لدارس علم الاجتماع فهم الطبيعة البشرية على شكل مجموعات ومجتمعات، وهذا من أهم لزوميات الرواية. كذلك كنت محظوظة باختيار مهنتي في الصحافة، لأنها المهنة الأكثر قدرة على وصلك بالعالم، في مطبخها تتعلم كيف تتحكم بدلالات الكلمة، كما ترى من نوافذها العديدة المفتوحة على الكون كل ما يجري، لا تتركك بعزلة مع حرفتك أو مهنتك لكنها تربطك بالناس والأحداث.

إجابة النداء

هل ترين أن الأديب لا يجب أن يدفن نفسه في نوع إبداعي معين بل يجرب في كل المجالات؟

كتبتُ في مناٍح شتى. وفي الرواية والقصة اللتين تنتميان إلى السرد كانت كتابتهما بالنسبة لي تستجيب للفكرة وتؤدي غرضها. أما السيناريو فأمره مختلف، إذ كان مجرد محاولة لعدم رمي نصوصي إلى مجهول. لكني لا أعتقد أن على الأديب تجريب كل الأصناف، إذا كان لديه ما يقوله في صنف أدبي فهذا أمرٌ جيدٌ، وإذا لم يكن فليس عليه التكلف ليقال إنه موسوعي الإبداع.

خطوط حمراء

في رواية «خشخاش» تمردتِ على أسلوب الرواية.. هل ترين أن الكاتب لا يجب أن يقع تحت فخ التقعيد والتنظير واستكشاف الجديد؟ أم أن للتغيير خطوطاً حمراء أيضاً؟

لا يستحسن أن نقول إن هناك خطوطاً حمراء للتغيير، التغيير أن نأتي بما لا نعرفه، أي نتجاوز الحدود المعروفة، وهو أمنية كل كاتب.

قصور

ما رأيكِ في مسألة مركزية القراءة؟ أين وجه القصور برأيك؟

أرى أن القصور أو التقصير في القراءة يعود سببه إلى أن الحياة صار فيها من المغريات الكثير، إذ باتت وسائل التكنولوجيا تنافس الكتاب، في الوقت الذي تراجع فيه التعليم، كما تراجعت أهمية الثقافة العامة، في الزمن الاقتصادي الصعب ذاته، والذي يجعل من الكتاب سلعة غالية لا يقوى المستهلك على جعلها أساسية في حياته ولو أراد، ثم إنه مخير بين لقمة العيش وجرعة الفكر، وفي زمننا الذي رمى بنا في مصاف الدول النامية لا توجد قيمة فعلية للفكر، لذلك فإن من يقرأ اليوم كمن يمسك بالجمر.

هل هناك عمل تعكفين على كتابته الآن؟

حاليًا أشتغل على كتابة رواية تدور حول علاقة الشرق بالغرب في ناحية منها. ولكنها تعود إلى زمن مبكر من تجارة الرقيق، وبهذا هي تتمة لروايتي الأخيرة «بابنوس»، وإن سبقتها زمنيًا، لم أعتمد لها اسماً حتى الآن.

«بابنوس».. حكايا المجتمع السوداني

تعد رواية «بابنوس» العمل الأحدث للكاتبة سميحة خريس، وقد أوضح الناشر في تعريفه لها أنها ترصد وقائع وأحداثا متنوعة في منطقة إقليم دارفور بالسودان. أما اسم «بابنوس» فهو مستعار من اللهجة المحلية لأهالي دارفور، حيث يطلقونه على شجرة الأبنوس الشهيرة.

وتدور الرواية حول حياة كاملة في مكان يسمى «الخربقة»، وهو مكان افتراضي يشبه مئات الأمكنة التي ذهبت الكاتبة للتمحيص في حياتها الاجتماعية والسياسية، وساعدتها على هذه المغامرة تجربتها الحياتية في السودان، والتي حصلت منها على شهادة مرحلتها الثانوية.

تفاصيل وتشريح

والرواية تعرض بشكل مفصل الحياة الاجتماعية والنواحي الفكرية، بجانب رصد أوجاع الإنسان المنسي في تلك البقعة، لتنتهي نهاية تبدو غرائبية ملقية الضوء على الشرخ بين العالم الأوروبي وإفريقيا، خاصة في مجال بيع الرقيق والاتجار بالإنسان، واضعة قراءها في صدام مع الحقيقة.

شخصيات وأبطال كثر

كما عنيت خريس أيضا داخل روايتها بعنصري «الزمان والمكان» اللذين كانا بطلين في روايتها وليسا مجرد جوانب مساعدة لسير الرواية، حيث لم يعدا مرتبطين بحدود الجغرافيا أو الزمن، بل امتد الأمر لتصبح بعض شخصيات الرواية هي التمثل لزمان ومكان قصتها.

والروائية ركزت أيضا على عدم الانحصار في عوالم بطل تقليدي واحد، فرغم وجود شخصية «بابنوس» إلا أن الشخصيات جميعها حاضرة بشكل أو بآخر وتؤثر بمجريات الرواية بل وتصنع الأحداث بها.

وصنعت خريس عدداً من الشخصيات المختلفة في الطباع والاهتمامات، وذلك بطريقة سردية متميزة ترصد وجهات النظر المختلفة وما يظهر في التناقضات بين أبطال العمل، حيث يكمل كل طرف نقيضه ويبرز ذلك في شخصيات مثل «بابنوس وآدم» حيث تميزت هي بالعقل الخيالي، بينما كان عقله هو لا يرى أبعد من «الخربقة»، وكذلك في شخصيتي «ست النفر وحوا» حيث الأولى دائما ما تمتلئ بخوف حيال الخروج من دارها، بينما كانت حواء جريئة تماما متخذة عديداً من القرارات.. ولا تجد غضاضة في خوض عدة مغامرات مختلفة.

سفر معرفي

ترى سميحة خريس، أن التجربة الإبداعية سفرٌ معرفيٌ مترابطٌ لا يمكن القفز منه خارجاً. لكن، يمكن التنويع عليه والإضافة، إذ إن كل ما نكتبه هو اقتراحات على المعرفة والحياة، وأنا وإن كتبتُ الرواية الكلاسيكية لا أعترف بالتقعيد، الفن غير العلم، حتى العلم يخضع للتغيير وللاكتشاف ويتقدم بالخيال، فما بالك بالأدب، لا بد من اكتشاف الجديد حتى يكون للكتابة الجديدة معنى وأهمية، وليست مجرد اجترار ما كتبه الأولون.

بطاقة

سميحة خريس . كاتبة وسيناريست، أردنية، برزت أكثر في مجال الر واية.

ولدت في عمان الأردن عام 1956، ودرست في بداية حياتها في قطر ثم انتقلت إلى السودان وحصلت هناك على الشهادة الثانوية.

*درست المرحلة الجامعية في القاهرة : في كلية الآداب- قسم علم الاجتماع.

عملت في الصحافة عدة أعوام.. في جرائد متفرقة، مثل: (الاتحاد) الإماراتية و(الدستور) الأردنية.

من رواياتها: القرمية، شجرة الفهود، الصحن.
البيان

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *