عبير نعمة: حول العالم في ثمانين لحناً وأكثر


جوزيف أبي تامر

بعد أسابيع قليلة، تعود الفنانة والباحثة الموسيقيَّة عبير نعمة لتطلّ عبر شاشة «الميادين» في الموسم الثاني من برنامج «إثنوفوليا ــ موسيقى الشعوب». رحلات بين إيران، أرمينيا، إسبانيا، تركيا وغيرها من الدول صنعت ثلاث عشرة حلقة توثيقيّة في الموسم الأول، ونقلت المشاهدين إلى عالم الموسيقى التقليديّة للشعوب. يستكمل الموسم الثاني رحلة الغوص في التراث الموسيقي على امتداد ستٍّ وعشرين حلقة من إعداد وتقديم عبير نعمة، إخراج جورج نعمة وتنفيذ شركة «إثنوفوليا» والإنتاج لقناة «الميادين».

في الموسم الجديد من «إثنوفوليا» تعرّف عبير المشاهدين على أنماطٍ موسيقيّة تقليديّة بين مصر، بلغاريا، إيطاليا، المغرب ودول أخرى في حلقات تتجاوز مدّة كلّ منها الخمسين دقيقة، الأمر الذي أتاح إبراز تقاليد الشعوب بشكل مفصّل من الغناء إلى الرقص والأزياء والمطبخ. تقول عبير نعمة، في حديث لـ «السفير»، إنّ كلّ حلقة من الموسم الجديد هي بمثابة فيلمٍ سينمائي، «خصوصاً أنّ كلّ من شارك في البرنامج عمل بشغف كبير، كما أن تنفيذ كلّ حلقة استغرق شهراً من العمل، عدا التحضير والأبحاث والسفر والتصوير».
بعد تجربة البرنامج، باتت عبير العائدة تغنّي بأكثر من خمسِ وعشرين لغة. برأيها فإنّ حلقاته ثروة موثّقة تعتبرها أجمل اختبارٍ إنسانيّ وموسيقيّ عاشته: «الموسيقى هي مفتاح يدخلنا إلى كلّ حضارة لنعاينها بعمق، هي وسيلة للتعرف إلى غنى الآخر. علّمتني هذه التجربة التواضع وأدركت أننا نقطة في بحر، ولا يحقّ لنا المكابرة بنتاجنا الموسيقيّ، لأن الشعوب الأخرى تملك إرثاً موسيقياً لا يقلّ شأناً عنّا، كلّ موسيقى لها فرادتها وكلّ الأنواع المتشعِّبة تلتقي في مكان ما».
نسجت نعمة صداقات مع مَن صورت وغنّت معهم، وتعتبر نفسها اليوم معنيّة بأخبار كلّ بلدٍ زارته. عن لغة الروح تقول عبير: «الموسيقى هي لغة الشعوب بالفعل لأنَّها تخبر قصصنا، تحمل وجعنا، تعبّر عن ثورتنا وعن فرحنا. إنّها اللغة الأكثر تعبيراً واللغة الوحيدة التي لا تموت. الحياة من دون موسيقى ظلامٌ وصمت قاتل».
الموسيقى لغة سلام
من الأوطان المنتشرة في الجهات الأربع، تعود عبير نعمة إلى وطنها الأمّ وتأسف للانحطاط الفني: «لسوء الحظ ينجرّ مجتمعنا نحو الاستهلاك السريع تحت تأثير الحالة السياسيَّة والاجتماعيَّة المترديَّة. نحن في منحدرٍ ثقافيّ لأنَّنا في بلد لا يقدّر فنانيه وموسيقييه رغم أنَّه يدعي ذلك». لكّنها من جهة أخرى تنظر بإيجابيّة إلى استمرار المهرجانات لأنَّها تدلّ على إرادة الحياة: «نحن شعبٌ ينظر بإيجابيَّة إلى الحياة، ويرفض الاستسلام حتى أنّ الموت هو حياة بالنسبة لنا، لذلك بقيت المهرجانات قائمة في مختلف المناطق ولن نستسلم لمحبّي الموت».
تأمل عبير أن تسهم الموسيقى في تغيير الواقع العربي لأنّها وإضافة إلى باقي الفنون لغة سلام تجمع الشعوب: «الأهم أن نجد من يسمع، علينا أن نحاول لعلنا نجد مكاناً للجمال في مساحة محاطة بالموت وبكمٍّ هائل من الألم والفكر المتزمّت». تؤكّد نعمة أنّه لو عاد إليها الخيار لآثرت الموت على العيش في زمنِ يقتل فيه الإنسان بوحشيّة، لكنّ الحديث عن الموسيقى يعود بها إلى المساحة المضيئة: «نحن اليوم لا نتقبّل الآخر بسبب اختلافات بسيطة، في حين أنَّ الموسيقى هي اعتراف بالآخر وتنوّع غير محدود. فمن سبع نوتات موسيقيّة ولدت آلاف المقطوعات بأنماط مختلفة. العمل الموسيقي اليوم هو تحدٍّ بوجه عاصفة تحاول إلغاء حضارتنا وتهشيمنا وتأطيرنا تحت لون واحد، لكن رغم الألم الذي أعيشه كمواطنة عربيّة، أؤكِّد أنَّ الصوت سيبقى والموسيقى ستستمر فنحن متجذّرون في أرضنا أكثر ممَّا يتخيَّلون».
رحّالة
إيمان عبير بالموسيقى هو نتاج مسيرة فنيّة بدأتها منذ عامها التاسع عندما كان والدها يحثّها على حفظ أغاني أسمهان، وأم كلثوم، وعبد الوهاب، وفيروز. تقول عبير: «كان أبي يفرض عليّ أن أحفظ كلّ يوم أغنية وأردّدها أمامه، ويصرّ على أن أثابر موسيقيّاً لا لأجل الدخول في مجال الفنّ، لكن إيماناً منه بأنَّ الموسيقى تهذِّب النفس والروح». عزَّزت نعمة موهبتها من خلال دراسة الغناء الشرقي، العزف على القانون وعلم الموسيقى في جامعة الروح القدس ــ الكسليك. وشجَّعت إخوتها على احتراف الموسيقى وبين العزف والغناء، وشكَّلوا فرقة شاركت في عدد من المهرجانات المحليّة. وقد شارك شقيقها إيلي نعمة في تلحين بعض الترانيم في ألبومها الديني الأول «عبير صلاتي» العام 2009. ولحّنت مع شقيقها جورج نعمة عمل «المتنبي مسافراً أبداً» الذي قُدّم في افتتاح «معرض أبو ظبي للكتاب» العام الماضي. كذلك يتولّى شقيقها جورج إخراج الموسم الثاني من برنامج «موسيقى الشعوب».
بين الترنيم، والغناء، والعزف، والبحث، والتلحين تجد عبير نفسها رحّالة وبالنسبة لها، «هذا لا يعني أنَّني أجزِّئ نفسي، فأنا أعطي لكلِّ عملٍ حقَّه، ولا أخوض أيّ تجربة أو أغني نمطًا جديداً من دون أن أتعمّق في دراسته». وعن تجربتها في الترنيم تقول: «درست الآرامية لغة المسيح، ورنّمت في كلّ أنحاء العالم ولثلاث مرات في الفاتيكان. أفتخر بتراثي وجذوري؛ وإلى جانب الترانيم غنيت الموسيقى الطربيّة العربيّة، والأغاني الشرقيّة، والموسيقى العالمية، والأوبرا».
ألبوم مع مارسيل خليفة
في مسيرة مستمرّة منذ أكثر من عقدٍ، وبعد المشاركة في مهرجانات دولية من بيت الدين، وقرطاج، وجبيل، ومهرجان فاس للموسيقى المقدسة، والمهرجان الصوفي العالمي، وبطولة أعمال مسرحية لالياس الرحباني «إيلا» و»الأندلس جوهرة العالم» وريمون جبارة «نقدّم لكم وطن»، انتظرت عبير نعمة حتى السنة لإصدار ألبومها الغنائي الأول مع مارسيل خليفة.
عمل ضخم وفريد من نوعه بات في مراحله النهائية. الألحان لمارسيل خليفة، والنصوص لأهمّ شعراء العالم العربي من بينهم محمود درويش، وأنسي الحاج، وأدونيس، وطلال حيدر، وجوزف حرب، وشعراء عرب، وتجمع بين الفصحى والعامية. تفتخر عبير بهذا العمل وتقول عنه: «يشبه مارسيل ويشبهني». وتضيف: «لحن مارسيل يشبه إنسانيّته، وعبقريّته، ومحبّته». يضمّ الألبوم أنماطاً متنوّعة كالطرب الخفيف، والطرب الشعبي، والأغنية الخفيفة، والموشَّح والموال، إلى جانب ديو مع خليفة.
هذا العمل بالنسبة لنعمة هو فسحة ضوء تقدّمها للعالم العربي تترافق مع جولة عالمية تجمعها بخليفة: «تربطني بمارسيل علاقة إنسانيَّة عميقة، وعلى الصعيد الموسيقيً نحن على توافق دائم فهو بعبقريته الموسيقيّة عمل على إبراز المسافات في صوتي». تعد عبير أن يبصر العمل النور العام الجاري على أن تشارك ومارسيل في حفل غنائيّ كبير في باريس العام 2016، بدأ التحضير له منذ الآن.
يوم الجمعة المقبل تشارك عبير نعمة في افتتاح «مهرجانات أرز تنورين» في عملٍ فنيّ مستوحى من الأساطير الشعبية بعنوان «الغابة المسحورة» من إخراج إيفان كركلاّ إلى جانب الفنانين هدى حداد، وجوزيف عازار، وسيمون عبيد. العمل من شعر طلال حيدر وألحان إيلي شويري والحوارات لجورج خبّاز من تمثيل رفعت طربيه، غابريال يمين، خالد السيد، علي الزين وفادي الرفاعي وتصميم الرقص لأليسار كركلا. بعد هذا العمل تستأنف عبير جولتها الدولية بين رومانيا، ايطاليا، باريس، لندن، هنغاريا والمهرجان الدولي للموسيقى الكلاسيكية في أبو ظبي.
تحمل عبير خبرتها الفنية وتقّدّمها للمشتركين في برنامج «ذا فويس» عبر شاشة «أم بي سي»، كمدرّبة لفريق الفنان اللبناني عاصي الحلاّني. توضح عبير أنّ مشاركتها في البرنامج تأتي في إطار أكاديميّ لمرافقة المواهب وتدريبهم على مختلف أنماط الغناء.
السفير

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *