حكاية «الأمير الصغير» لأنطوان دو سان إكزوبيري في فيلم بأسلوب «ديزنيّ»


*سليم البيك



قبل فترة بدأت تكثر في فرنسا الإعلانات على أنواعها تحضيراً لخروج فيلم «الأمير الصغير» إلى الصالات، فانتظر الكثيرُ الفيلمَ لحضوره، بحماس تناسب مع الحملة الإعلانيّة الموسّعة. لكن الإعلانات اعتمدت أساساً على صورة الأمير الصغير، بشعره الذهبي وملابسه الخضراء وإيشاربه الأصفر مع ثعلبه، وكانت بادية طريقة تصوير الفيلم، اعتماداً على دُمى تتم صناعتها يدوياً، أشبه بالرسومات التي رسمها مؤلّف الحكاية نفسه، أنطوان دو سان إكزوبيري، وأرفقها كتابه، وصارت الرسومات المائيّة أساسيّة في الكتاب، بكلّ ترجماته، تماماً كما نصّه.
انتظر الكثير، وكنتُ من بينهم، نقلَ الحكاية إلى السينما، وهي ليست حكاية للأطفال كما قد يُشاع، متوقّعين فيلماً قد يُبنى على الحكاية كما هي وقد يعتمد عليها. لا مشكلة مبدئيّة في الحالتيْن، لكنّ على أن تكون، فنّياً، بقيمة ما يحكيه. ألا يكون تكراراً بات مملاً من ناحية التقنيّة والعمل الكومبيوتري لباقي أفلام «الأنيميشن» ذات الأبعاد الثلاثية، كما تطرحها شركات أهمّها «ديزني» التي اشترت واستولت على العديد من الشركات المنتجة لأفلام كهذه، واحتكرت بذلك الأسلوب. فجاء «الأمير الصغير»، وهو فيلم فرنسي عُرض أساساً بالإنكليزيّة، ثمّ تمت دبلجته إلى الفرنسية، جاء متماهياً مع الأسلوب «الديزنيّ» في ذلك، مخاطباً أساساً الجمهور الأنكلوفوني وإن كان فيلماً من إنتاج فرنسي ولواحدة من أشهر الحكايات الفرنسيّة.
الفيلم للمخرج الأمريكي مارك أوسبورن، صاحب تجربة غير لافتة في أفلام «الأنيميشن»، وخلافاً لما اعتمدت عليه الإعلانات في ترويجها، اعتمد الفيلم على الـ 3D، مقسّماً الفيلم إلى أسلوبيْن تقنيّْن، واحد صوّر مقتطعات من حكاية «الأمير الصغير» معتمداً على أسلوب فنّي قديم، جماليّ يليق بالحكاية ومتماهية مع الرسومات المرفقة بالكتاب، الحركة فيه كانت ببعديْن وبالـ«سلوو موشن» (الحركة البطيئة)، وهي التي اعتمد الإعلان للفيلم عليها، وواحد صوّر حكاية الفيلم ذاتها معتمداً على تقنيّات «ديزني» في ذلك. في الأولى مثلاً كانت العيون نقطاً وكانت الأجساد والملابس دمى طّينيّة بشوائب عليها، وحركاتها بطيئة، ما أعطى نقلاً جمالياً لرسومات إكزوبيري إلى السينما، وفي الثانية كانت العيون واسعة كباقي أفلام «الأنيميشن»، وكانت الأجساد والملابس انسيابيّة ولامعة ونقيّة، في شغلٍ كاملٍ على الكومبيوتر. والفيلم، لذلك ربّما ولأسباب غيرها، لم ينل تقييماً عالياً في فرنسا، لأنّه، وأراه كذلك، بدا استيلاء «ديزنيّاً» على حكاية أمكن تصويرها بشكل غير ما أسّس له فيلم «حكاية لعبة» (توي ستوري)، وغير ما أخرجه أوسبورن سابقاً كـ «كونغ فو باندا» و «سبونغ بوب».
بعيداً عن الأسلوب والتقنيّة التي صُنع بها الفيلم، كانت الحكاية جيّدة، وإنّ مازلنا ننتظر فيلماً ينقل حكاية «الأمير الصغير» كما هي في الكتاب، لإمكانيّة ذلك، كونها تعتمد على رسومات أرفقها المؤلّف بالكتاب وأساساً تعتمد على حوارات، فليس هناك وصف كثير في الكتاب غير إشارات لما وجد في الرّسومات. والحوارات، ولقصر الكتاب، يمكن نقلها كما هي من دون تكييف سينمائيّ لها.
لكن هذا الفيلم، المعروض حالياً في الصالات والذي عُرض قبل ذلك في مهرجان كان الأخير ضمن «خارج المسابقة»، يحكي عن أمّ تحاول إدخال ابنتها إلى مدرسة للمتفوّقين، تجهد لذلك فتنتقل إلى الحيّ، حيث المدرسة ذاتها وتجهّز ابنتها في العطلة الصيفيّة للمقابلة. البيت المجاور يبدو غريبا وخشبياً وقديماً بالمقارنة مع باقي البيوت الحديثة المبنيّة من الباطون الأبيض، يسكنه طيّارٌ عجوز يرسل إلى الفتاة صفحة من حكايته «الأمير الصغير» التي يروي فيها التقاءه مع «الأمير» في صحراء خالية، وهي حكاية الكتاب نفسها. الفتاة المُجبرة على الدراسة في الصّيف تنجذب لعالم العجوز الغريب، ويمضي النصف الأوّل من الفيلم بهذا الانجذاب الطفولي لعالم نقيض تماماً لما تعيشه مع أمّها في حياة حديثة ومفرطة في تنظيمها، ولما يرويه العجوز عن التقائه وأحاديثه مع الأمير الصغير.
النصف الثاني من الفيلم يركّز على الفتاة نفسها، تنتهي حكاية العجوز عن أميره الصغير وبالتالي ينتهي أسلوب التصوير الجماليّ البطيء للولد والثعلب الذي تخلّل بعض المَشاهد، ويعلق المُشاهد في عوالم «ديزني» والـ 3D. لكنّنا ندخل، ضمن الحكاية، إلى عوالم الفتاة نفسها، فلا نعرف إن كانت العوالم هذه حلماً أم خيالاً، لكنّه بعيدٌ تماماً عن الحياة الواقعيّة التي صوّرها الفيلم في نصفه الأوّل: الأم الموظّفة وابنتها والجيران الأشبه بالـ «زومبري» بمشيهم ونظراتهم وألوان ملابسهم الغامقة والمعتمة ووجوههم، كتصوير لما صنعته الحياة الحديثة بالنّاس، تصوير نقيض للألوان التي يرتديها العجوز والتي يعبق بها بيته وحديقته. تلتقي الفتاة بولد أشقر تظنّ بأنّه الأمير الصغير ويمضيان في مغامرة صغيرة وقصيرة تعود فيها الشخصيّات التي حكاها العجوز للفتاة، والموجودة في الحكاية الأصليّة، كالملك ورجل الأعمال والمغرور، في مواجهة مع الفتاة والولد الأشقر.
لا بأس في الاعتماد على كتاب «الأمير الصغير» لإخراج فيلم لا تشكّل الحكاية غير مرتكز لحكاية أخرى، حكاية الفتاة مع العجوز، ثمّ الولد الأشقر، خاصة لما يتطلّبه ذلك من عمل حكائيّ مؤلَّف ومنفصل عن الحكاية الأصليّة، خاصّة أنّها، في الفيلم عينه، كانت جيّدة في طرحٍ حديثٍ لجملة ردّدها مراراً الأمير الصغير في الكتاب، وهي أنّ «الكبار غريبو الأطوار»، هذه العبارة التي تردّدت كذلك في بداية الفيلم كانت الأساس الذي انطلق منه الفيلم، في حكايته. أمّا تفشّي «الديزنيّة» إلى حكاية «الأمير الصغير» وإن لم يكن الفيلم من إنتاج الشركة الأمريكيّة، فكان مخيّباً للتوقّعات، وإن تفهّمنا الرغبة في نقل أسلوبيْن تقنيّيْن مختلفيْن لحكايتيْن مختلفتيْن ضمن الفيلم نفسه.
_____
*القدس العربي

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *