محمد نجيم
كتاب جديد وممتع، ذلك الذي أصدرته دار الوطن في المغرب، للباحث المغربي الشريف أيت البشير تحت عنوان «خورخي لويس بورخيس، صورته في التلقي العربي» في 269 صفحة من الحجم المتوسط. كتاب تطلب من صاحبه سنوات من الجهد والمثابرة والبحث والتنقيب وتتبع التمثلات الترجمية في العربية للكاتب العالمي الأرجنتيني: بورخيس، أي من خلال ما تمّ تداوله فيها، بغية الوقوف على خارطة انشغالاته الفكرية باعتباره محاضراً ومحاوراً عبّر من خلالهما عن كل نزوعاته الفلسفية المستبدة بفكره وبرؤيته للعالم، والمنطرحة في بنيات نصوصه الإبداعية .. وباعتباره، أيضاً، قارئاً نهماً للكتب، ومبدعاً في مجال القصة والشعر، مع تأكيد حدود التضايف بينهما من خلال الإحالة على ريبيرتوار ثرّ في المنجز الإنساني وفي مختلف العصور.
ولتحقيق ذلك كان تكوين الكتاب من مدخل عام فيه تتبّع دقيق لأهمّ ما جاء من ترجمات لكتب بورخيس، وفيه قراءة لخطاب مقدماتها المعطوفة على المتون والواقفة على طبيعة اللغة باعتبارها شرفة. ومن خمسة أبواب، خصّ الأول منها بيان قوة الذاكرة لدى بورخيس من خلال اشتغاله على قضايا ترتبط بالشعر في استعاراته وإيقاعه، وفي النزعة المحايثة لتلقّيه، وحدود تقاطعه مع القصة، ثم تمجيده لهذه الأخيرة من خلال تمجيده الملحمة أيضاً.
أما الباب الثاني، فقد تمّ تخصيصه لمبدأ القراءة لدى بورخيس والنزوع نحو المتاهة في بناء دوائر النصوص وردهاتها، باعتباره نزوعاً يتصل بالزمن. وهي الموضوعة الأثيرة لديه والمثيرة لكثير من الحيرة والدهشة في فكره وفي منتجه الإبداعي؛ ذلك أن المتاهة والزمن موضوعان يشدّان الإبداع الإنساني إلى المرجعية الميتافيزيقية كشجرة أنساب تحقق له موضعاً وارفاً إلى جانب الأصيلين والأفذاذ في تاريخ الكتابة الإنسانية.
كما جاء الباب الثالث مكرّسا لتقريب بورخيس أكثر من خلال حواراته في نموذجين مغربيين مع كل من محمد أيت العميم وإبراهيم أولحيان. وقد تم تخصيص الباب الرابع حسب، المؤلف «لمقالات بورخيس الفكرية حول تدبيره لموضوعة الزمن والعمى والمرآة والكتاب والترجمة المبدعة كما تتبدى في ترجمة سكوت فيتزجرالد لرباعيات الخيام.. ثم الكتابة المحكومة بالعود الأبدي أي الكتابة وإعادة الكتابة.
وقد جاء الباب الخامس مشيداً بكتاب ألف ليلة وليلة لما كان له من أثر بالغ في النفس وفي الكتابة وفي صناعة الجمال في الآثار الفكرية والإبداعية التي تركها بورخيس، فمنه انتبه إلى التكرار في الكتابة باعتبارها متاهة، وإلى الحلم باعتباره مادة أساسية تضمن للإبداع ماءه.. وقد عدّ كتاب الليالي مرعباً يعادل «كتاب الرمل» بالنسبة له، أفضى به إلى تمجيد موضوعة اللانهائي.
كما تمّ إظهار التقاطع بين شهرزاد وبورخيس باعتبارهما يمارسان معا فعل الكتابة باللسان، الذي يعتبر التعويض الرمزي للقلم في البعد «الفالوسي». فبورخيس يفجّر حالة من الاستبطان أثناء الكتابة، ليتقاطع وشهرزاد عند حدود سلطة الحكي…
الاتحاد