من النادر أن يحظى أحد السفراء في مصر بكل الود والصداقات مع الوسط الثقافي المصري، هذا هو حال السفير والمثقف والأستاذ الجامعي اللبناني خالد زيادة، حيث حرص على ارتياد الصالونات الثقافية والسياسية، واستطاع بالفعل أن يصبح واحداً من أهل مصر: إذا سألت شاعراً أو أديباً عن خالد زيادة، سيجيبك: «نعم أعرفه، شارك في أمسية شعرية أو ندوة أدبية أو لقاء سياسي».
يضم كتاب «خالد زيادة.. مؤرخاً وأديباً» وقائع الندوة التي أقامها الصالون الثقافي العربي.. وقد شارك في الندوة العديد من الشخصيات، فجاءت كلمة د. قيس العزاوي، مندوب العراق لدى جامعة الدول العربية في افتتاحية الندوة، قال: د. زيادة لديه العديد من الاهتمامات والتخصصات في التاريخ العثماني، وله باع طويل في الكتابات الوثائقية، كما تنوعت كتاباته في التحقيق والدراسة والتقديم والترجمة، ومن تقديمه وتعليقه كتاب «رسالة الكلم الثمان للشيخ حسين المرصفي» وغيرها من الكتب.
وقال د. صلاح فضل: أجد في هذا الكتاب مشروعاً لا أعرف له نظيراً من قبل، ربما لقلة قراءاتي في هذا النوع من الكتب، حيث إنه يكتب بطريقة مبتكرة على غير النموذج المعروف، وقد حاولت أن أصف إلى أي نوع من الكتابة ينتمي هذا النوع السهل البسيط. ويحلل بشكل بالغ العمق علاقة القوى الدينية المتمثلة نسبياً في طائفة العلماء بتشكيلات الدولة وبالسلطة فيها بالتجاذب قرباً وبعداً، ويحلل عملية التحديث وكيف أنها كان لا بد أن تعتمد على مخاض عسير للانفصال عن التيار الديني، ويضم الكتاب مجموعة من المقالات، نشير إلى مقالة للدكتور رفعت السعيد بعنوان «القلم والفقه والسيف» قائلاً: لعل من حق لبنان كوطن وكشعب أن يزهو بسفير مثل السفير خالد زيادة، فهو مثقف ومؤرخ يستند إلى التعريف الإغريقي لعلم التاريخ، والذي يقول إن التاريخ هو علم الكتابة عن الأشياء الجديرة بالمعرفة التي وقعت في الماضي، فهو يدع جانباً كل تفاصيل لا قيمة معرفية لها، ويكف في كل لحظة عن الاستطراد الذي لا يضيف معرفة، ولا يقدم رأياً.
ويقدم الكتاب مقالا للدكتورة شيرين أبو النجا، بعنوان «يوم الجمعة.. يوم الأحد»، التي تقول: «يوم الجمعة.. يوم الأحد»، هو الكتاب الذي صدر للباحث د. خالد زيادة، ينتمي الكتاب إلى جنس السيرة الذاتية التي تؤرخ للذات عبر حكي المكان، والمكان هنا هو مدينة طرابلس، ولذلك يشرح العنوان الجانبي للكتاب أن الكاتب ليس بصدد «كتابة سيرة ذاتية»، بقدر ما يكتب مقاطع من سيرة مدينة على المتوسط.
ويذكر الشاعر فاروق شوشة: ليتنا نصنع مثلما صنع لبنان، حين اختار لمنصب سفيره في مصر أكاديمياً ومفكراً وروائياً هو د. خالد زيادة الذي يعد مثالاً للسفير الواسع الخبرة والاطلاع على شئون وطنه وأمته، والذي أكسبه عمله الجامعي قبل اختياره سفيراً معرفياً يحكم الأسس والدوائر، استقر من خلاله حس إبداعي مرهف، يمزج بين تدفق المؤرخ الواعي وحنكة الروائي.
ولقد تجلت هذه القسمات والملامح في الإبداعات المتوالية للدكتور خالد زيادة الروائية والفكرية، وصولاً إلى روايته الجديدة «حكاية فيصل» التي كتبها على لسان عاهل العراق الراحل الملك فيصل نفسه، حين جعل منه راوياً لا تفوته أدق التفاصيل والمواقف والأحداث والشخصيات، بدءاً من لحظة الهزيمة والانكسار متمثلة في مغادرته لعاصمة ملكه دمشق، إثر الهزيمة أمام الفرنسيين في معركة ميسلون وانتهاء باللعبة التراجيدية التي ستجعل منه في ختام الأمر ملكاً على العراق.
وبعنوان «سلطة الشرع.. وسلطة السياسة»، جاءت مقالة الكاتب محمد مصطفى: «الخسيس والنفيس.. الرقابة والفساد في المدينة الإسلامية»، هو كتاب لمؤلفه خالد زيادة، يناقش فيه دور الحسبة في محاربة الفساد، مستعرضاً ظاهرة ازدواجية السلطة بين الدولة التي يمثلها الحاكم والمدينة التي يشرف على تسيير أمورها الفقهاء، من خلال قضاء الحسبة ومراحل تطور الازدواجية، معتبراً أن هذه الإشكالية مازالت مستمرة.
ويستعرض الكاتب بعض ملامح اللهو في المدينة الإسلامية، مشيراً إلى أن الموانع الفقهية لم تستطع أن تقيد العامة الذين يطلقون لأنفسهم العنان في المواسم والأعياد، وخصوصاً في المناسبات الدينية أو السلطانية، فتعتبر هذه المناسبات مواعيد اللهو والتسلية، ويستشهد الكاتب بعيد النيروز (الربيع)، الذي يعتبر أحد الأعياد الفارسية، وكان المصريون يحتفلون به، وكان العامة ينتخبون رجلاً يسمونه أمير النيروز، فيطلى وجهه بالدقيق أو الجير ويطوف في الشوارع ممتطياً حماراً، وعليه ثوب أحمر أو أصفر، ويسير معه جمع كبير، ومن لا يدفع الرسوم التي يقررها يرشه بالماء القذر.
ويضيف الكاتب محمد تركي الربيعو في الحديث عن كتاب «الخسيس والنفيس»: يهدف د. خالد زيادة في كتابه الجديد إلى تعريف القارئ بشكل السلطة في الدولة الإسلامية، تلك السلطة التي كانت منقسمة بين سلطة دينية ممثلة بالفقيه، وأخرى سياسية ممثلة بالأمير، كما يسعى إلى تعريفنا بشكل الرقابة في المدينة الإسلامية التي بقيت فضاء فقهياً مستمراً حتى مشارف العصر الحديث.
ويناقش الكاتب حلمي النمنم كتاب د. خالد زيادة، لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب، فيقول: عنوان الكتاب الجديد للسفير خالد زيادة، صادم لعشاق أوروبا والغرب بيننا، وقراءته تصدم أكثر العروبيين والقوميين والإسلاميين على حد سواء.
فكرة د. خالد الأساسية تقوم على أن زمن الأفكار والأيديولوجيات الكبرى ولى وانتهى، وكانت أوروبا تقدم لنا تلك الأفكار منذ وصول الطلاب المبعوثين المصريين والأتراك العثمانيين، للدراسة في الجامعات الأوروبية طوال القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، وهناك فوجئوا بأفكار الحرية والاستنارة، وتراجع أوروبا ظهر بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، لكنه صار مؤكداً بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تقدمت الولايات المتحدة عليها، التقدم في التقنيات والنظم.
وأخيراً، يقول الكاتب حلمي النمنم: السبب في رأي د. خالد زيادة هو أن أوروبا لم تعد لديها ما تقدمه لنا، لم تعد تنتج أفكاراً جديدة تأخذ الألباب، وتثير المفكرين والفنانين، وتجمع حولها الأحزاب السياسية والتجمعات المدنية.
الجدير بالذكر أن كتاب «خالد زيادة.. مؤرخاً وأديباً» لمجموعة كتاب ونقاد أعدته مجموعة الصالون الثقافي العربي، وأصدرته دار آفاق للنشر والتوزيع ويقع في نحو 288 صفحة من القطع المتوسط.
وكالة الصحافة العربية