*ترجمة عبد الرحيم نور الدين
خاص –( ثقافات )
تقديم:
تحت عنوان “في فوضى العالم” Dans le chaos du monde، أجرى دوني سييفير Denis Sieffert من مجلة بوليتيسPolitis الفرنسية، الحوار التالي مع برنار دريانو Bernard Dréano ، رئيس مركز الدراسات و مبادرات التضامن العالمي CEDETIM ، و ذلك بمناسبة صدور كتاب جماعي تحت إشرافه، موسوم ب ” (لا) أمن إنساني. الصراعات من أجل السلم” (In)sécurités humaines. Les luttes pour la paix . إن ما يقف عليه القارئ هو أن هذا الكتاب لا يكتفي بوصف مناطق الحرب، بل يطرح علينا سؤال ما فتئت صعوبته تزداد كلما تعقدت المرحلة: ما العمل؟ كيف نعثر مجددا على منطق في عالم يبدو أنه عاد إلى القبلية؟ و كيف نعمل في هذه العتمة؟ قام برنار بريانو بجمع مناضلين من أجل السلم من فرنسا، و سربيا، و تركيا، و سورية، و المملكة المتحدة، و “اسرائيل”، و فلسطين، والولايات المتحدة، للتفكير و وضع خطط جديدة.
———–
نص الحوار:
سؤال:
يحمل كتابكم عنوان: ” (لا) أمن إنساني”. هل بإمكانكم أن تقولوا لنا في ماذا يتميز هذا المفهوم عن ” الأمن” باختصار؟
جواب:
يحيل اللا أمن الإنساني على مفهوم الأمن الإنساني، أي قدرة الأفراد على ممارسة حقوقهم الأساسية. إنه إذن أكثر من أمن يفترضه وضع اللا حرب بين الدول. إننا نعيش أوضاع بطالة، و هجرة، و صعوبات بيئية. هو لا أمن يتوسع و ليس فقط في مناطق النزاع.
سؤال:
تتحدثون عن ” حرب أهلية عالمية”. هل لكم أن توضحوا هذه الفكرة أكثر؟
جواب:
يفكر الناس في الحرب كما كانت تشكل منذ القرن 18 م. إنها، كما كان كلاوزفيتز يقول << الحرب بوسائل أخرى>>. إن الحرب تقوم بجيوش للحصول على نتائج. الحروب القديمة كانت لها بداية و نهاية، مع تغييرات بوجه عام للحدود الترابية. في المرحلة القريبة منا، إلى نهاية القرن العشرين، كان الناس يتحدثون عن حرب معممة مع تعدد لحروب محلية كانت عبارة عن كفاحات من أجل التحرر الوطني، مصحوبة في الواجهة الخلفية بألاعيب قوى عظمى. حروب شعوب خاضعة من أجل الحصول على استقلالها. و كان من السهل أيضا التعرف على نقطة الانطلاق و نقطة الوصول. أما اليوم، فالحروب الجديدة هي “تحت-دولية” أو جهوية. و لم يعد أبطالها هي الدول، و إنما هي أصناف من الحركات المسلحة. إضافة إلى أن مسلسلات السلم لم تعد تحقق غايتها، بل تؤدي إلى اندلاع حروب جديدة.
سؤال:
أليست إحدى السمات المميزة لهذا الوضع هي بالضبط فقدان قوة الدول، و بالأخص القوة العظمى جدا الأمريكية؟
جواب:
في الحروب القديمة، كانت الدولة تبنى أو تتقوى. في المرحلة الراهنة، يلاحظ بالفعل تراجع للدول. إنها نتيجة التدبير الليبرالي الجديد للعالم. كما يحدث أيضا أن يؤدي تفكك الدول إلى اندلاع الحروب. بدون شك، هناك دائما قوى كبرى، و لاسيما القوة العظمى الأمريكية، لكن الحملتين العراقية و الأفغانية كانتا فاشلتين. إلى حد أن الولايات المتحدة لا تبدو اليوم كمحرضة و إنما كتابعة. تثير نشوب النزاعات أسباب داخلية، تحاول القوى الكبرى أن تتخلص فيها بمهارة من الورطة. لكن ليس هناك تدخلا لكائن خارق. و التفكير بعكس ذلك، يقود إلى استنتاج مفاده أن المقاومين للولايات المتحدة هم مناهضون للإمبريالية. من البديهي أنه أمر خاطئ. لا وجود لمعسكرات اليوم. كل شيء صار غاية في التعقيد. إذا ما أخذ مثال أوكرانيا، فأسباب النزاع موجودة في أوكرانيا ذاتها.إنها ليست آتية حتى من عدوانية بين الأوكرانيين الناطقين بالروسية و بين الآخرين. في شرق البلاد، يوجد جزء لا بأس به من الساكنة معاد تماما للانفصاليين. علما أن النزعة الانفصالية هي قضية محلية. و عليه ففي كل معسكر هناك تناقضات. من جانب، تتم الإحالة في الوقت ذاته على مجد الكوزاك و القيصر، و على الحرب القومية الكبرى، بينما في الجانب الآخر، يتم في نفس الآن استحضار القومية الأوكرانية التي تحالفت مع الألمان خلال الحرب، و الديمقراطية الليبرالية. إنها ليست على الإطلاق حربا باردة جديدة. إنه نزاع محلي، بمصالح جهوية روسية مهمة. و كل تأكيد على أن الأمر متعلق بامتداد لحرب بين الإمبريالية و الاتحاد السوفيتي، هو إخطاء في التاريخ.
سؤال:
يبدو أن كتابكم هو رد أيضا على الإغراءات المؤامراتية…
جواب:
نعم، فهذا الوضع هو نتيجة أولا للتدبير الليبرالي الجديد للعالم، الذي ينتج التشكيك في الدول و الهويات. في سنة 1996، كان بنيامين باربر يكتب “الجهاد ضد ماك وورلد”. لكن أمام صعوبة فهم ما يمكن القيام به، في مواجهة واقع بهذا التعقيد، يتم إسقاط واقع الأمس عليه. إنه ضرب من لعبة شطرنج تتلاعب القوى الكبرى فيها بكل شيء. بيد أن حركة ساحة “ميدان” في أوكرانيا، أو حركة درعا في سورية، هما في البداية، حركتان محليتان بمطالب اجتماعية و ديمقراطية. يمكن أن يكون فيما بعد استرجاع. و بالمثل، ففكرة أن يكون كل شيء مختزلا إلى الصراع من أجل البترول، هي فكرة خاطئة. هي جزء فقط من الحقيقة. هناك دوما << مؤامرات أمريكية>> أو ذات انتماء آخر، لكنها ليست هي محرك التاريخ. أيضا، إذا كان للمعركة من أجل المواد الأولية وجود فعلي، فإنها لا تفسر كل شيء. ها قد أرجع كل ما يحدث في العالم الإسلامي، إلى نزاع بين الشيعة و السنة. بيد أن المواجهة الأولى بين الشيعة و السنة في اليمن، لم تبدأ سوى منذ عام. السبب الرئيس للنزاعات هو التفسخ المرتبط بشكل واسع جدا بالنسق الكوني. و هذا التفسخ موجود عندنا أيضا. و لحسن الحظ أنه لا يفضي أو لم يفض بعد إلى نزاع عنيف. لكن، كما يقول البابا << روح الحرب حاضرة هنا.
سؤال:
في هذه الفوضى، تلجأ الدول أكثر فأكثر إلى مفهوم “الإرهاب”. لأي غرض يستعمل هذا المفهوم؟
جواب:
لنبدأ بإعطاء تعريف للإرهاب. إنه فعل عنيف يستهدف إحداث أكبر مفعول خوف في ساكنة ما. ما يلاحظ، هو أن الدول هي عينها التي تستعمل الإرهاب الأكثر قتلا. نستحضر طبعا القصف الإسرائيلي لغزة. لكننا ننسى عموما إرهاب الدولة. إن الدول توظف الكلمة-الحقيبة ” إرهاب” لأنه الشر المطلق. إن القيام بحروب أو إصدار قوانين هادمة للحرية، يتطلبان وجود هذه الكلمة ذات القيمة السلبية الكاملة.
سؤال:
من بين السبل التي حددها المنتدى الاجتماعي للسلم، هناك المطالبة بنزع السلاح، لكن هناك أيضا، إعادة تأهيل التاريخ. لماذا؟
جواب:
دور التاريخ أساسي. خلال وضعية الفوضى، لا تكون الذاكرات مهضومة بشكل صحيح، كما تعود صور الأعداء القدماء إلى الظهور مجددا. في فرنسا مثلا، لم يتم بعد هضم حرب الجزائر. و هذه الأخيرة نشيطة في الخطاب المضاد للمسلمين. يجب على السرد التاريخي أن يساهم في تصفية نزاعات الماضي.
سؤال:
هل لديكم مشاريع منتديات جديدة؟
جواب:
انعقد منذ عام منتدى اجتماعي ضخم، من أجل السلم و الأمن، في سراييفو. حضره 2500 مشارك من خمسين بلدا. سنتخذ مبادرة جديدة. لكن تاريخها لم يحدد بعد.
———
المصدر: مجلة بوليتيس Politis بتاريخ 2 يوليوز 2015 .ص.ص.26 و 27 .