نوال السعداوي: صراحتي حول الجنس عرضتني لأذى النقاد العرب


*عبد العزيز جدير

جمعت نوال السعداوي بين الطب والكتابة، ودائما كانت تثير مواقفها من ردود الفعل أكثر من أدبها.. فكيف اقتربت من الأدب، وما جنت منه وجنى عليها، وما علاقتها بالنقد الأدبي العربي؟. التقتها القدس العربي في حوار أجراه الأكاديمي المغربي الزميل عبدالعزيز جدير.

■ في البداية أسألك، كيف أتيت إلى الكتابة؟
□ منذ الطفولة، منذ شطب المدرس اسم أمي وضربني على أصابعي بالمسطرة وقال: «اشطبي اسم أمك. اكتبي اسم أبيك وجدك»، أصابني شيء من الغضب عبرت عنه بالكتابة، بدأت أكتب وأغضب وأصر على أن أحمل اسم أمي وأعترف بها أمام الجميع كشخص أحبه. 
■ إذن الكتابة مثلت نوعا من التحدي والرفض ورد الفعل..
□ تماما، غضب في المدرسة، وفي البيت، وفي الشارع.. حين كنت أذهب إلى المدرسة، كان الصبيان الصغار، وأنا طفلة يلقون على صدري الطوب، وقد أطل نهداي. وكنت أغضب لذلك، كما أغضب لعيون الرجال وهي تقتحم جسمي.. وللتمييز بين الولد والبنت ومنه تفضيل أخي عليّ. 
■ كتبت في مجال البحث، وكتبت في الإبداع.. ما الذي أعطتك الكتابة، ماذا حققت لك؟
□ حققت لي السعادة. أنت تعرف أن حياتي سلسلة من الآلام وأنواع كثيرة من القهر، الخاص والعام، ودخول السجن، والفصل من العمل، والنفي، وتشويه السمعة.. وذلك بسبب الكتابة. كتاباتي جلبت لي الآلام ولكنها جلبت لي أيضا اللذة. هي لذة الإبداع. وأذكر أن الشيء الوحيد الذي خَلاَّنِي أتغلب على الجدران، في السجن، الكتابة. فلذّة الكتابة، ولذة الإبداع طغت على جميع الآلام وخلقت بداخلي مناعة ومنحتني صحة نفسية وقوة جسمية غريبة جدا أعيش بها حتى اليوم..
■ في «مذكرات طبيبة»، إشارة إلى أنك قصصت شعرك وأغضبت الوالدة.. ولّد غضبا من لدنك..
ـ كنت أحب أمي جدا في الطفولة، وبعد ذلك بدأت علاقاتي بها تتغير، جزء منها يؤيدني ويدفعني إلى الحرية والتمرد، والجزء الآخر، يعيش في الخوف من المجتمع، ويحاول أن يكبلني ويجعلني مثلها..
■ من هم بعض المبدعين، وما أسماء بعض الأعمال الأدبية، التي قد تكون دفعت بك نحو عشق القراءة وربما دفعت بك أيضا نحو الكتابة؟
□ والله أستمد الأحداث من الحوادث التي تعترضني، التي أعيشها.. طبعا قرأت كثيرا في الطب والأدب والفلسفة والنقد باللغة العربية وبغيرها. ولكن، قليلا ما أوحى لي عمل أدبي بالكتابة. واقع حياتي وحياة الناس من حولي هو ما يوحي لي بكتابة أعمالي. 
■ تشيرين في «أوراق من حياتي» إلى كتابين هزا الفكر الإنساني هما «أصل الأنواع» وكتاب «الرأسمال» لماركس. ويبدو أنهما أثرا فيك، وأسسا تمردك.. وهزا بعض يقينك..
□ صحيح، ولعل طريقة استقبال آثار هذين الكتابين تبين أن المجتمع يرفض الفكر، ويرفض حرية الفكر، ويشجع على الخمول والخضوع والخنوع.. الغاية من الفكر هي تسليح الإنسان ليتحرر، ليبني، ليتطور، ليغير.. لا أن يناهض الفكر ويركن إلى الاستسلام… 
■ دراسة الطب قد تكون وراء العناية الفائقة بالمرأة، من دون نسيان مناوشات أخرى..
□ دراسة الطب أثرت فيّ كثيرا وفتحت عينيّ على أشياء كثيرة منها ختان البنات. وكيف يختن الطفل وعمره أسبوع واحد؟، يقطع جزء من جسده وينزف، وأحيانا يلوث الجرح.. ومكنني الطب أيضا، من تشريح جسد الإنسان المرأة والرجل لمعرفة ما يوجد بداخل الجسد: القلب، والطحال، والأعضاء الجنسية، وظائف الأعضاء.. ثم قادني الطب دراسة إلى النفس، والجنس..
■ وتبين سير الكتاب الأطباء أن المهنة تمكنهم من الوقوف على الآلام النفسية والاجتماعية للشعب عموما..
□ طبيعي، ولذلك أقول دائما: الطب جعلني مثل الشجرة، قدماها في الوحل وفي الطين، طين الواقع بين المرضى والدم والآلام.. ورأسي في السماء، عبر الإبداع.. 
■ هذه الازدواجية المتحكمة برقاب المجتمع، التي يتحرك بندولها ما بين الظاهر والمستتر، قد تكون على المستوى الأدبي قتلت جنس السيرة الذاتية التي تقوم على البوح لتضمن لنفسها الألق وتضمن لقارئها المتعة والعبرة.. 
□ طبعا ولم أقرأ سيرة ذاتية باللغة العربية كشفت عن الجنس المعلن والمغمر، وعن العالم الخفي وعن الازدواجية.. وفي سيرتي الذاتية أيضا، «أوراق من حياتي» في ثلاثة أجزاء، حاولت لمس هذا الجزء من حياتي بخفة لأنني نلت الجزاء، فصراحتي عرضتني لأذى كثير. لم أرد لسيرتي الذاتية أن تلوكها الألسنة بسبب حوادث جنسية لذلك أحببت أن أصل إلى القارئ عن طريق التورية والصراحة أحيانا، فلا أكذب وفي الوقت نفسه لا أكشف كل الحقيقة..
■ هل يزعج طمأنينة نوال السعداوي وصف كتاباتها بالأنثوية؟
□ لا.. أعتقد أن هناك مشكلة بين النقاد العرب، ومعظمهم رجال ذكور، فهم يرهبون صراحة المرأة المبدعة ولا يذكرون أبدا اسمي في مصر وفي البلاد العربية، ثم هناك جهل بما يسود في المجتمع الطبقي الأبوي، وهم كذكور يستفيدون من هذا المجتمع الطبقي الأبوي. وهم لا يرحبون بفكر جريء تكتبه امرأة، ولذلك من اللازم أن يسموه بالإيديولوجية.. هل يريدون أن تكتب المرأة الأدب من دون الاستناد إلى فكر؟ أنا لا أفصل الإيديولوجيا، وهي فكر، عن الفكر والأدب.. أنا طبيبة وكاتبة، لا أفصل بين الطب والأدب والفن والجسم والروح. هم يفصلون بين الجسم والعقل والروح لأنهم ورثوا الثنائيات منذ نشوء العبودية بين الجسد والروح.. هم يريدون نساءا يكتبن عن الجنس نفسه منفصلا عن السياسة، والمجتمع، والتاريخ.. يتصورون أن للرواية طريقة واحدة في الكتابة، ورثوها عن النظريات النقدية التي يحفظونها عن الغرب. وللأسف لم تبدع الحركة الأدبية النقدية العربية مدارس جديدة تستطيع أن تفهم الأدب الجديد الذي تكتبه النساء ذوات الجرأة والشجاعة..
■ قد يعتبر بعض هؤلاء النقاد أن الإبداع النسائي جزيرة لا تأثير لها في القارة الإبداعية للذكور..
□ تماما، ثم أن معظم النقاد من الرجال تجاوزوا الستين عاما، وهم ينجذبون إلى الكاتبات الصغيرات تحت العشرين.. ولا يريدون كاتبات كبيرات في السن مثلي أو مثل فاطمة المرنيسي.. وبسبب انجذابهم إلى الفتيات الصغيرات يكتبون عنهن.. 
■ كم تكتبين النص الروائي: مرة مرتين ثلاث مرات؟..
□ هناك روايات كتبتها دفعة واحدة، خلال شهر أو شهرين، وأخرى أعدت كتابتها مرات ودامت الكتابة سبع سنوات مثل «سقوط الإمام».. 
■ كان المخرج صلاح أبو سيف قد طلب منك أن تؤدي دور الطبيبة في فيلم مقتبس عن «مذكرات طبيبة» فرفضت. 
□ اعتقدت أنني لست «فوتوجينيك»، وأكد لي أبو سيف أنني أصلح للتمثيل صورة وموهبة.. ولولا أن التمثيل يستهلك كثيرا من الوقت، لألقيت بنفسي في أحضانه الآن.
___
*القدس العربي

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *