أمل كعوش
استيقظ ناصر الخلايلة صباح ذات يوم ربيعي من العام 2015 ليكتشف أن سيارته قد سرقت. كان يمكن للحكاية أن تنتهي هنا. أو أن تنتهي بمشهد ناصر وهو يقدم بلاغا بسرقة سيارته «هيونداي أفانتي موديل 2011 فضية اللون» ـ ما زال مصيرها مجهولاً حتى كتابة هذه السطور ـ وأن يعود أدراجه مستسلماً للواقعة المؤسفة، متوئماً خسارته المادية بخسارة أكبر معنوية. إلا أن المدوّن الأردني الشاب اختار أن يلجأ للسخرية كوسيلة دفاع في مواجهة سلبية الواقع.
هنا بدأت الحكاية؛ يكتب ناصر الخلايلة عبر صفحته على «فايسبوك» ستاتوس جديداً بمثابة رسالة موجهة إلى سارق السيارة «رسالة رقم 1: أخي.. اقتل نفسك بعيداً عنّا.. يرجى عدم التدخين في السيارة!»؛ في اقتباس عن ملصقات «عدم التدخين» المعتمدة في سيارات الأجرة. ذيّل ناصر الستاتوس بوسم «رسائل إلى سارق سيارتي»، وكانت تلك اللحظة الصفر لمسلسل غير متوقع في الشبكة الزرقاء. توالت «رسائل» ناصر إلى سارق سيارته المجهول مصحوبة بإقبال أصدقائه الفايسبوكيين على متابعتها لما تحمله من طرافة. فمرة يتساءل ناصر عن ذوق السارق الموسيقي، طالباً منه التعامل بحرص مع مجموعته الموسيقية في السيارة، ومرة أخرى يعرض عليه أن يؤجره السيارة المسروقة، أو ببساطة يوجه إليه سؤالا رمضانيا «شو فطوركو اليوم؟».
الرسالة رقم 30 مثلاً كانت عبارة عن صف من «أيقونات» القلوب مع تهنئة Happy Anniversary بمناسبة مرور شهر على الحادثة. في الكثير من الأحيان تخطّى مضمون الرسائل إطار قصة السرقة نفسها ليتطرق ناصر من خلال ستاتوس إلى قضايا اجتماعية كالبطالة وغلاء الأسعار، محافظا على الأسلوب الفكاهي نفسه.
قد تكون الحكاية بدأت فعلاً منذ ثماني سنوات عندما أطلق ناصر مدونته مكتشفاً عبرها شغفه بالكتابة. فما كان يدونه من نصوص في تلك المساحة الافتراضية كان يلقى استحساناً من متابعيه أخذ يزداد يوماً بعد يوم، ما شجَّع ناصر على الاستمرار في الكتابة والتدوين. بالطريقة ذاتها، ازداد عدد متابعي «رسائل ناصر إلى سارق سيارته» على «فايسبوك»، إذ صاروا يترقبونها بحماسة ويكتبون إليه سائلين عنها إذا ما تأخر في تدوين «الرسالة اليومية» التي لم يحدث وأن غابت عن صفحته منذ تاريخ حدوث السرقة، باستثناء يوم واحد لدى وفاة أحد معارفه.
مع مرور الوقت رصد ناصر الخلايلة مستوى آخر من التفاعل تخطى أصدقاءه الفعليين ليشمل آخرين لا يربطه بهم سوى صداقة «فايسبوك». مثال على ذلك كان حين استأذنه «فرند» لكتابة الرسالة رقم 34 في اليوم الرابع والثلاثين للسرقة، ونشرها على صفحة ناصر نفسها. كما قام البعض بتصميم الرسائل بطريقة فنية ونشرها على شكل بطاقات بريدية. أما التفاعل الأكثر إثارة للاهتمام فكان حين قام مجهول بانتحال شخصية السارق مطلقاً صفحة على «فايسبوك» بعنوان «افانتي الليل» تعيد نشر رسائل الخلايلة، مرفقة بتعقيبات موقعة باسم الصفحة في ما يشبه الردّيات الزجلية.
الطريف أن عددا من متابعي الخلايلة تعاطفوا فعلاً مع «افانتي الليل» هذا، مدونين إعجابهم بردوده مع تفضيلها أحياناً على الرسائل الأصلية. بعد مرور أكثر من شهر ونصف على الحادثة، حصل ناصر على اقتراحات بنشر «الرسائل» في كتيّب ورقي أو حتى بتصوير فيلم وثائقي قصير عن القصة. آخرون عرضوا مساعدته لإيجاد السيارة المسروقة، وحمل كرم الأخلاق البعض الآخر إلى أن يعرضوا عليه القيام بحملة جمع تبرعات على الانترنت بهدف ابتياع سيارة جديدة! إلا أن ناصر يجد في العرض الأخير أنانيّة منه فيما لو وافق عليه. فكما سخّر حادثة السرقة لدفعه قدماً محولاً التجربة السلبية إلى طاقة إيجابية يومية، يرى أن أي منتج باسم «رسائل إلى سارق سيارتي» لا بد وأن تعود أرباحه لخدمة المجتمع. «سرقة السيارة أعاقت حركتي»، يقول ناصر، «ولذلك أفضّل أن أوظف مردود ما قد ينتج عن قصتي في كسر عوائق تحول دون حركة أحدهم واستمراره في الحياة، كأن يعود ذلك المردود المفترض ثمنا لكرسي مدولب يحتاجه شخص معوّق، أو ربما في أن يخصص كمنحة دراسية لطالب جامعي لا يملك نفقة تعليمه».
السفير