*مهند النابلسي
خاص- ( ثقافات )
جرأة “الإسباني” وطرافة “الإيطالي” وسماجة “التشيكي”!
الفيلم الإسباني (الأول) وعنوانه “بندقية في كل يد”، يتحدث عن معاناة 8 رجال مع النساء تحديدا، ويعكس صورا هزلية جريئة لواقع حالهم، ويتطرق بصراحة للمواضيع الجنسية، حيث تسيطر النساء على شروط العلاقة بطريقة صادمة واستثنائية، ويتضمن الشريط مواقف كوميدية ومفاجآت غريبة، كحالة الزوج الذي يلتقي صدفة مع عشيق زوجته في الحديقة العامة أمام منزل الأخير، وكحالة الزوج الآخر الذي تطرده زوجته السابقة محملا مع حاجاته وكتبه دون أن يتوقع ذلك، ثم كحالة الموظف “الولهان” الذي تحرجه زميلته الجميلة وتبقيه منتظرا في الحمام، ثم تصل لحالة المكاشفة لأدق ممارسات العلاقة الزوجية التي تكشفها الزوجة لرفيق الزوج “الشخصية الشهيرة” دون حرج!…
الفيلم شيّق وممتع ومنجز بطريقة مسرحية بشكل “بورتريهات” ولقطات طويلة مستمرة تلخص الحالات المختلفة دون أن نشعر بالملل، ومن ثم يتم تجميع الشخصيات بحفل لكشف خفايا الأمور.
الشريط جريء وغريب من نوعه، ويستعرض سطوة النساء على مشهد العلاقات الزوجية “العصرية”، ويتناقض تماما مع تعريف الكاتب الأمريكي الشهير “أرنست هيمنجواي” للمفهوم الكلاسيكي للرجولة، وهذا ما غاب عن فهم الناقد السينمائي الذي أدار النقاش.
أما الفيلم الإيطالي (الثاني) “العجلة الخامسة” فهو فيلم اجتماعي- سياسي طريف، يستعرض الأحداث المحورية عبر أربعة عقود من تاريخ ايطاليا الحديث، من خلال عيون البطل الظريف “أرنستو فيورني”، متطرقا بالتفاصيل لمعاناته الحياتية والعملية، وهو منجز بطريقة “تفاعلية-واقعية” فذة، حيث نرى فيه أرنستو كشخص صادق وطيب القلب وخفيف الدم، يكافح دوما لمواكبة الأحداث والتغيرات بلا طائل، متنقلا من وظيفة لأخرى في ظل التدهور المستمر للوضع الاقتصادي، ونراه يفشل مرارا بتحقيق طموحاته (لصدقه وبساطته وصراحته)، ويتورط تباعا بمواقف محرجة وكوميدية.
يحاول الشريط أن يستعرض (دون أن ينجح) تداعيات صعود وسقوط الاشتراكية، ويسلط الأضواء على ممارسات حكم برليسكوني (ويسخر من فضائحه النسائية الشهيرة)، إلا أن المواقف التلقائية الطريفة هي التي تلفت الانتباه هنا، منها استخدامه للواسطة للعمل كطباخ، وعمله الحر كناقل للأثاث واللوحات، وعلاقته مع فنان عجوز “غريب الأطوار” يرسم اللوحات الضخمة لإرضاء أذواق الأثرياء الجدد الأدعياء، وتداعيات موته المفاجىء الحزين…
كما يتطرق لفضائح “رب عمله” الجديد وفساده ومغامراته النسائية العديدة، أما اللقطة الاستثنائية بهذا الشريط فتكمن في المشهدين الاستهلالي والأخير الذي نرى فيها أرنستو تائها يبحث بين أطنان النفايات عن ورقة يانصيب رابحة، كانت زوجته المهووسة بالنظافة قد ألقتها بالزبالة، وبالرغم من قيمة الجائزة المالية الكبيرة التي كانت ستحسن وضعه المالي المتردي، إلا أنه يسام زوجته المخلصة مقدرا “عشرة العمر” ووشائج علاقتهما العاطفية القوية، كما نراه يكتشف قبل ذلك نجاته من تشخيص خاطىء بسرطان الرئة ، فرحا بأنه ما زال سليما معافى، وينتقم صارخا وشاتما الطبيبة التي أخطأت بالتشخيص.
يخلص الفيلم هنا بنتيجة مفادها بأن القدر قد يجافي الإنسان الطيب المستقيم، حتى لو ربح باليانصيب، فقد تكفيه الصحة والسعادة وهدوء البال ومحبة الآخرين!.
تميز هذا الفيلم بتلقائية المواقف وطرافتها وانسيابها ضمن سيناريو محكم، كما تميز تحديدا بغرابة الأحداث و”بخفة دم” البطل.
عكس الفيلم التشيكي (الثالث) “من أجل رؤية البحر”، الذي يبدو وكأنه يصور الشريط من خلال كاميرا “الفتى توماس”، الصبي في الحادية عشرة من عمره، الذي يحصل على كاميرا نيكون رقمية جديدة، ويبدأ مع صديقه الكرواتي بتصوير الأحداث من حوله، الفيلم “ثقيل الظل وممل”، وحافل بالقفشات الكوميدية “السمجة” التي لا يمكن توقعها من طفل أو فتى صغير، وتحوي إيحاءات جنسية مكررة ومقالب غريبة مفتعلة.
حاول المخرج جذب المشاهد بلقطات تتحدث عن معاناة زميله الفتى الكرواتي وأمه المسكينة من بطش أبيه العنيف المدمن، والتي أدت لهروبهما (الكرواتي وأمه) لكرواتيا والتمتع بشاطىء البحر، حيث دعاه لزيارته في منزل جدته.
كما حضر لنا المخرج مفاجأة “إنسانية” غير متوقعة في آخر الشريط، حيث يكتشف الفتى المدلل (بواسطة مطاردته البوليسية بتاكسي لسيارة والده) أنه ابن متبنى، وأن شقيقه ل يركن مشلولا بإعاقة دائمة بمستشفى تعمل به الأم!.
كذلك تظهر “السخافة” وتتجلى عندما يخبر والديه أنه قد كبر وأصبح لا يرغب بلعب كرة القدم، وأن رغبته تنصب حاليا بتصوير الأفلام لا غير، كما أنه وضع ملصقا كبيرا ملونا للمخرج الشهير ذي الأصل التشيكي “ميلوش فورمان”، وبأنه هكذا ببساطة يود بأن يصبح مثله، أو ربما هكذا يريد المخرج الشاب جيري مادل (الذي حضر العرض مع السفير التشيكي بعمان)، كما أن الأم تلقب ابنها أحيانا بـ”شبيلبيرغ” (المخرج الأمريكي الكبير) …والخلاصة أنه ليس كل من حمل الكاميرا وصور مشاهد ولقطات من هنا وهناك سيصبح مخرجا شهيرا في مقتبل الأيام، وسواء كان فتى صغيرا أو صبيا مراهقا أو حتى “مخرجا بالغا راشدا”!