أحوال الثقافة السورية في ظل الزلزال التاريخي


*نعمة خالد

من التعبيرات المادية المحسوسة للثقافة في مجتمع ما: الإبداع الروائي أو القصصي، والسينما والشعر والمسرح، والدراسات على مختلف اختصاصاتها، حيث يكون كل ما سبق، صورة جلية عن الواقع الاجتماعي لمجموعة ما لها نفس الخصائص الثقافية. هذا إذا ما تعاملنا على أن الثقافة هي الوعاء الذي يراكم مجموعة من الخصائص للمجتمع.

ولئن شكلت الثقافة في أحد تجلياتها صورة للمجتمع، فإنها قد تتعرض إلى التحوير والتهجين، في ظل الأنظمة التي تؤطر الثقافة بما يمكن أن يخدم مصالحها.
وهذا غالبا ما يحدث في منطقتنا العربية، حيث الثقافي بالضرورة يجب أن يكون في خدمة السياسي، وغالبا ما يكون المنتج الثقافي في ظل الأنظمة الدكتاتورية تحت رقابة قوية، بحيث يتم من خلال هذه الرقابة تهميش المثقف والثقافة التنويريين. لأنهما يشكلان خطرا عليها، خاصة وأن الثقافة هي فعل تراكمي، لا بدّ لنتائجه من الظهور على البنى الاجتماعية وإن طال الزمن.
أتوقف هنا عند الواقع الثقافي السوري عامة، والثقافي السوري خاصة في ظل الثورة السورية. على مدى عقود، لم يستطع المشروع الثقافي السوري أن يرسي أسسا لإستراتيجية ثقافية تتجاوز مرحلة الخمسينات من القرن الماضي.
بل نستطيع القول على الرغم من بعض الفورات الثقافية وخاصة تلك المتجلية في الدراما السورية، والتي باتت حاضرة على غالبية الشاشات العربية، وقد نافست بجدارة الدراما المصرية، وعلى الرغم من طفرات في الرواية السورية والمشهد السينمائي السوري، فإن كل هذا لم يستطع أن يجعل من الواقع الثقافي السوري، واقعا يحاكي طموحات هذا الشعب. بل إننا نجرؤ على القول، إن ثمة مافيات ثقافية قد سيطرت على هذا المشهد مدعومة بالأمني والسياسي في آن.
أما الاتحاد العام للكتاب العرب في سوريا، فقد تحول وبحكم السياسي والأمني، من اتحاد يدافع عن حرية الكتاب والمبدعين، إلى عين مراقبة بجدارة، استطاعت أن تحدّ من حريات الكتّاب، وصار بالتالي غالبا ما يصدر مؤلفات ومطبوعات في سوريا تؤكد حالة الاغتراب التي تعيشها بالنسبة إلى المجتمع السوري وطموحاته. وهذا أيضا ديدن المؤسسة العامة للسينما والمديرية العامة للمسارح واتحاد الفنانين التشكيليين.
مما لا شك فيه أن الثورة السورية قد أفرزت العديد من التقاليد الثقافية، سواء تلك المرتبطة بالجانب السوسيولوجي، أو تلك المرتبطة بانعكاساتها على الثقافي المكتوب أو الشفهي.
وعلى الرغم من أهمية توثيق الإنساني في إطار الإبداعي، إلا أن المشاهدات عبر الشاشات لما يحدث في سوريا يفوق كثيرا ما قد يوثق. وبهذا فإننا سنجد أن الصورة هي الأكثر برمجة وتأثيرا في إطار المشهد الثقافي السوري.
وفي الوقت عينه سنلفي أن المعارضة السورية لم تستطع أن تبني مؤسساتها الثقافية التي من شأنها أن تحدث تغييرا في المشهد الثقافي السوري، تلك المعارضة التي سارعت لتشكيل أحزابها السياسية، مغيبة عن برامجها البعد الثقافي الأهم والقادر على صنع صيرورة اجتماعية، وهي التي تمكن هذه الأحزاب من النجاحات السياسية.
وعلى هذا نجد أن هناك طلاقا كبيرا بين هذه الأحزاب والخزان البشري للثورة السورية. بل قد يصل الأمر إلى استنساخ لتقاليد ثقافية سادت قبل الثورة في الكثير من الأحزاب المعارضة القائمة.
طبعا هذا لا ينفي مطلقا أن أشكالا ثقافية بديلة قد تشكلت بعيدا عن المأسسة، ولنا في العديد من صفحات التواصل الاجتماعي أمثلة كثيرة. ربما ساهم الشتات السوري في جعل إستراتيجية ثقافية بديلة صعبة المنال، لكن السياسي السوري إذا ما أراد الالتفات إلى الثقافي فإنه قادر على اجتراح أساليب من شأنها أن ترسي المبادئ الأولية لمشروع ثقافي نهضوي، يتمكن من مواكبة الحراك الثوري السوري. ويستطيع رغم الشتات أن يشكل ظاهرة ثقافية تأخذ صفة الديمومة بعيدا عن المناسباتية السائدة كما هو الحال قبل الثورة.
_____
*العرب

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *