حول الإسلام الوسطي والسياسي


*زليخة أبو ريشة

هل المشكلة اليوم أنّ الإسلام الوسطي لم يعد هو الذي يحكم؟ أم أنّ المشكلة تكمن في موضوع ولوج الإسلام نفسه إلى الحكم، بغضّ النّظر عن طريقة فهمه ومستوى هذا الفهم من التشدد والغلو إلى التساهل والسماحة؟ فقد أُريق مدادٌ كثير وبُحّت حناجر في الكلام عن الإسلام الوسطي، على اعتبار أنّه هو دون غيره الحل السحري لمعضلات بلادنا العربية الراهنة، في مواجهة الهمجية الحاكمة في الجيوب الداعشية والسلفية. ومع أن الحديث عن هذا الإسلام الوسطي يتغلّف في أحيان كثيرة بحسن النوايا، إلا أنه يُبطن فكرةً خطيرة جداً قد لا يكون المنادون به على بيّنة منها. فلماذا يُنادى بالإسلام الوسطي أي المعتدل؟

في مواجهة أحوال التطرّف والمغالاة في تطبيق الدين، تبدو الدعوة إلى إسلام وسطيّ معتدل دعوة منطقيّة، تليّن من الحدّة وعنف التلقّي والتطبيق، مراعاةً للحديث النبوي “إنّ المنبتّ لا أرضاً قطعَ ولا ظهراً أبقى”. لكن حقيقة الأمر أنّه ما يعنينا إذا ارتأى الواحدُ من الناس أن ينبتّ فلا أرضاً يقطعُ ولا دابة يُبقي؟ ما يعنينا إذا اقتصر الإسلام المتشدّد والمغالي على أصحابه، دون أن يكون دعوة عامّة وتبشيراً دائماً لتسويغ نوع معيّن من الفهم الشططيّ للدين؟ ما يهمّنا إذا ما انتقبت المرأة، واقتصر انتقابُها على نفسها، فلم يخرجُ منها أو من وليّها (الأب أو الزوج أو إمام الجامع أو المفتي أو الدولة) ما يُكفّر الأخريات ويُخرجهنّ عن دينهنّ وأخلاقهنّ؟ 
الحقّ أنه لا يعنيني البتة أن تنتقب المرأة بقرار من نفسها، طلباً لراحة النفس أو المغالاة في العبوديّة. ولكنّه يعنيني، وينبغي أن يعني كلَّ مُواطن ومواطنة عربيّة إذا ما كان هذا النقاب سياسةً عليا تُجبر بها النساء على الحجاب أو النقاب، كما تُجبَر على سائر التشريعات التي تدّعي نسباً إلى الإسلام. بعبارة أخرى، فإنّ ما يخيفنا في دعوات الإسلام الوسطيّ أنها تغضّ الطرف عن الطموح السياسيّ الذي يريدُ تحقيقه كلّ من نادى بتشدُّدٍ أو بشّر به. فهؤلاء جماعات لا تنظر إلى الإسلام على أنه دين عقيدة وأخلاق، بل دين سلطة وحكم. ولا تنظر إلى الإسلام على أنّه مجموعة مبادئ لتنمية الضمير وتهذيب النفس المتوحّشة، بل فأسٌ بها يُبطَش بالناس ويُساقون كالأنعام. وها هي دول تفعل ذلك باسم الدين!
وعلى ذلك، فإنّ أيّ قولٍ في الدين الوسطيّ، ليس إلا من باب التأكيد على المقولات الإخوانية والسلفية في أنّ الإسلام دينٌ ودولة، وهو تمحُّك معاصر ما أتانا إلا مع فقهٍ شديد الملوحة والجفاف لا حظَّ له من نداوة الإنسانية في مطارحها الأخرى. وكأنما يقول الوسطيون لأعدائهم من الغلاة والسلفية: نحنُ نوافقكم على أن الإسلام دينٌ ودولة، وأن لكم أن تحكمونا به، لكن ليكن ذلك، رجاءً، برفق ووسطيّة!
وبذا نرى فساد فكرة الوسطيّة في سياقٍ أعمى يرادُ له أن لا ينفصل الدين عن الدولة، ليصبح من نافل القول سوقُ البشر رغم أنوفهم إلى فهم أوحد للدين وللحياة، لا مناصّ من أنه فهمٌ أعمى وأصمّ، بل ومتحجّر الفؤاد أيضاً.
دعونا لا نفقد الأمل…!
_____
*الغد

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *