البحيرة القديمة


*أحمد فريد يوسف

خاص- ( ثقافات )

عند البحيرة القديمة المحفوفة بالأرْز، طلبت منها الالتقاء في مكان لا يشير إلى – لبنان – الذي يردّ الجميل بالدّنيئ، فقالت تقدّم إلى منتصف البحيرة لنجلس هناك.. العاصفة لم تهدأ منذ يومين، و هذا الجليد أقسى من قلبك،
لذلك لن أخشى سقوطك بهذه السّهولة ! 
ثمّ دعك من قصّة اللّاجئ التي تستهلّ بها الحديث دوما، و تأمّل هذه الشّاعرية لمرّة واحدة دون التّفكير في قصيدة جديدة – و إنْ كانت عنّي –
فقد اشتقت لطبيعتك .
و فجأةً، بينما أحدّثها عن إمكانيّة تحققّ نبوءة لا تفارقني.. شعرتُ بالخطر !
أخبرتها أنّي أستهلّ الحديث ” عن ” قصّة اللاجئ – كما أسمتها – و ليس بها.. 
و أنّ الخيمة الحقيقيّة التي أفضّلها – لا تشبهها -، و أيضا، لا علاقة للعبد والمعبود بتلك النبوءة.. و أيضا، هذه النّظرة بالذات هي التي تربكني .
فكانت كلما هُيّئَ اقتراب النّصر لها، تسمح للهواء بالعبور بين جفنيها، و من ثم مع ايماءة سريعة بأهدابها السميكة و رفعة بسيطة لرأسها نحوي : تعود إلى حديث الحرب..!
تَـفِرُّ كي تـكِرَّ بلا رحمة، تُضعف من دفاعاتها كي تسهّل اختراقها، وصولا بي إلى عمق مأساتي، الكفيلة نوعا ما، بسحقِ أيّ كيدٍ مهما بلغت عظمته، لتوفّر على نفسها، عناء الانتصار بأقلّ الخسائر..
كمن يترك الباب مفتوحا، و يقف كطيرٍ كبيرْ، يراقب من الأعلى دخول القلوب الصغيرة التي أتعبها السّفر وحيدة، و باتت تبحث عن مستقرٍّ لها، حتى لو داخل قفص !
تمامآ، كمن يضع كومة آمال في علبة كبريت، و يجلس بكل أريحيّة تحت أيّ ظرف، حتى لو هاجمته الوِحشة و استبدّت عليه.. شعرَ على الأقلّ أنه يملك عود الاشتعال الوحيد في هذه الدنيا، و طالما ليس بالإمكان إحكام القفل بهذا العود.. يكون حينها الإحتراق للجميع .
فالمهم عندها أنْ تسجّل انتصارا. و المهم عندي أن أُشعِرها بذلك فقط !
حسناءُ فاااااتنٌ كيدُها , تغوي الأعصاب و تسترحمها، و تشحذها على الثورة .
جزءٌ من ثغرها اللّئيم كـثغر طفلة في عامها الأول، تصيبك بذلك الشعور حين تَهِمّ لتقبيلها.. فكأنّ لُماها – بعمر القضية – شبعتْ من اختمار الشّتلّ بكفّة الفلّاح، و آن غرسُها.. و سرعان ما تصيبك أنتَ الآخر بنرجسيّة امتلاكها..
فإن كان هناك نبيٌّ حقآ.. لا بدّ أن يكون أنت ! 
..
حَبِلَتِ الـتُّـربَـةُ – أمّي -، فأنجبَتْ لي خـيمةً – تَـبـنّاها والدي .. !!
و جـدّي – الذي حملَتْهُ أمّي – أيضآ -، تَـبـنّاهُ والدي .. !!
والدي الآنَ محاصَـر
و جـدّي مـاتْ..
– يا الهي –
إخوتـي الآنْ يرعون والدي،
و أنا هنا أفكّر في المسيح و أمّي البَتول..
– يا الهي – هل للضّالين صراطٌ ترعاه أنتْ ؟
و والدي المخيّم ! :
هل اهتدى ؟
..
أترَيْن يا صديقتي عن أيّ لجوءٍ أتحدّث ! و عن أي خيمة ! 
كيف أُوقِف التّفكير في حضن أمّي وسط هذا الجليدِ حتّى لو كنتِ حبيبتي ! ربما لو كنت حرّا بما يكفي، لما تردّدنا في التزلج .
مزاجية الحبّ لا تعترف – بأنا سفلى – و – أنا عليا -، لا تعترف منذ بدء الخليقة إلا بالقلم.. لعلّ قلبا يكون – حـيّـآ – بما يكفي، يستطيع مخالفة الكاتب يومآ و يُخطَّ شيئآ عن السّعادة حتّى لو كان الشّاعر — وحيدا — و أراد للنّصّ الكآبة..
أو على الأقل : يعصيه فلا يكتب .
أنتِ هنا.. تستنبطين من كل شيئ مادة لنصوصك -تسقطين الأفكار و الأشخاص ليرتدّ مِن وقْعِهم نفوذٌ لكِ، ثمّ ماذا ؟ وعدٌ بالنّجاةْ !
كأنّني حائطٌ على فناءِك .. تُجرّبينَ رَمْيَ البلادَ عليّْ ..
و حين تفرغ الجماهير من الإستخفاف بعقولهم تعودين لإحياء الخيال في رؤوسنا .. فإمّا القبرُ أو الموت !!
و إنْ سألتُ عن تكوين التّراب الكامن حتى تحت هذا الجليد و الماء من تحته
قلتِ : فجّر نفسك و وزّع أشلاءك على البلاد و تعال كي أريك كيف أجمعها !
ألم يفعلها \ابراهيم\ من قبل ؟
ثم لماذا تتدخل و تقحم خُبزَك في طحين الآخرين و أنتَ تأكل و تشرب ! ها ؟
هل تخال نفسك سوسآ مثلآ و أنت لست إلا شعرة أسحبك متى أشاء دون المساس بجمالية هذه البحيرة الكبيرة ؟!!
و لماذا أيضآ تعاتبني على عقلي الشرير ولم أكن من كشف لكَ أسرار النفس و كبواتها.. و لم أكن من طلب الجنون و إصرار الوقوف على أعتاب المخيمات…
حسنا حسنا
إنْ كان نصرُكِ في سَجني.. خذي النصر و كفّي عن الإلتفاف حول حريتي .
كنتِ في الحرب تعشقين مزاجيّتي، و تشعرين كلما خاطرْتِ بالمجيئ إليّْ
أنّ لكِ نصيبآ من تلك النّبوءة، و أنّ كفّي القابضة على البذور لا تبدّ ستثمر،
و أنّ القُبلة ستنقذنا سويّآ من غضب التّربة..
ربما أضطرّك يومآ إلى الإنسحاب حين تشكّين في امكانية انتصارك ، 
و قد أبدو خاسرا رغم ذلك ..
لكنْ
هل تشعرينَ حقا أنّكِ انتصرتِ – مع عِلمكِ اليقين بأنّي لم أقاتل – ؟ 
و فقطْ
عقدْتُ العزم على تقدير قواكِ !
– قلبي أصبح لـيّـنـا .. لماذا أشعر بالمياه .. –
و ما بالضبط تلك النظرة التي أربكتني – أو تربكني – في رأيك ؟
و هل حقآ تريدين الذهاب الآن ؟ بعد الوصول إلى المواجهة التي ترتجينها !
العاصفة تهدأ ..
– قلبي أصبح ليّنا .. –
الآنَ مع هذا الإنتصار الذي لن تحصلي عليهِ معي،
لا أودّ فقدان الحرب معك للأبد ،
أنتِ خيمتي اللّدود ..
– قلبي أصبح لـيّـنـا –
انتظري
انتظــ…
هل أشعَلْتِ العود الأخير !

شاهد أيضاً

كأس وظلال

(ثقافات) كأس وظلال عبد القادر بوطالب تلك الظلال التي طوت تفاصيل أجفاني سارت خلفي ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *